العلامة سي عطية مسعودي مفتي أولاد نائل
تقدير من العالم الإسلامي وتشريف للجزائر
- 1721
تقديم: د. علي الأخضري من بسكرة
هو العالم الجليل عطية بن مصطفى مسعودي الإدريسي الحسني، نسبة إلى إدريس الأكبر وإلى الحسن السبط ابن سيدنا علي كرم الله وجهه وفاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم. من قبيلة أولاد نائل، ولد بزاوية الجلالية الكائنة على مشارف مدينة الجلفة سنة 1900م، وحفّظ القرآن وعمره لا يتجاوز سبع سنوات على يد أخيه الأكبر العلامة سي الهادي، وأخذ عنه بعض المبادئ في العلوم الدينية، ثم انتقل إلى زاوية الشيخ عبدالقادر الطاهري بمدينة الإدريسية، ودرس عنه علم التوحيد والفقه، ثم ارتحل طلبا للعلم في مختلف جهات القطر الجزائري، حيث درس في زوايا بلاد القبائل (زاويتي عين الحمام وسيد على أوموسى).
عاد إلى الجزائر العاصمة، حيث درس عند العلامة عبد الحليم بن سماية مفتي العاصمة في العشرينات، وتلميذ الشيخ محمد عبده، رحمه الله.
مكث الشيخ عطية أكثر من سبع سنوات عند عائلة سيدي محي الدين أولاد الباي، حيث كان رحمه الله يذكر دائما تلك العائلة بكرم الضيافة وحسن الرعاية، ثم انتقل إلى زاوية الشيخ عبد القادر الحمامي ودرس بها.
في مدينة البليدة درس عند الشيخ بن جلول دفين ثنية الأحد، ثم عاد إلى الجلفة وعمّل في التدريس وكان أول مدرّس في مدرسة جمعية علماء المسلمين الجزائريين، وأثناء الزيارة التفقدية للشيخ ابن باديس إلى الجلفة سنة 1931م، استمع باهتمام إلى بعض دروس الشيخ عطية وأعجب كثيرا بغزارة علمه وبداهته وبعد مدة عيّن إماما خطيبا بالمسجد الكبير في الجلفة، وأسندت له قيادة جيش التحرير بالمنطقة مسؤولية الإفتاء والقضاء بين الناس أثناء الثورة التحريرية المباركة، واستمر في القضاء إلى غاية الاستقلال، ومن الذين لازموه؛ الشيخ نعيم النعيمي رحمه الله، حيث بقي عنده لمدة سبع سنوات، ومن بين تلاميذه، الإمام والمدرس والأستاذ الجامعي وحتى الإطارات التي تعمل في مختلف مؤسسات الدولة الجزائرية المجيدة، منهم من اختير أن يكون إماما خطيبا في أوروبا، وبعضهم حاليا هم شيوخ زوايا.
أما فضيلة الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله)، فكان يستحضر تراث هذا العلامة في محاضراته بالجامعة الإسلامية في قسنطينة، حيث أنه في إحدى المرات قدمت إليه جماعة لاستفتائه في بعض المسائل الفقهية، فقال لهم؛ أتتركون الشيخ سي عطية وتأتوني من أجل الفتوى؟ اذهبوا إليه فحاجتكم عنده.
كذلك الحال مع الشيخ الفقيه العلامة ميان محمد شفيق قاضي خيلي، وهو من كبار الدعاة في ولاية بيشاور في دولة باكستان، زاره مع وفد كبير من علماء آسيا سنة 1966، ومكثوا لفترة عنده كانت كلها نقاشات علمية وفقهية وعندما رجع الداعية قاضي خيلي إلى بلده وفي إحدى مراسلاته، طلب من الشيخ سي عطية مسعودي أن يقبل دعوته للإقامة بينهم ببيشاور وأن يشرف معه على تجمع كبير للعلماء والفقهاء يدوم 04 أشهر متتالية.
وفضيلة الشيخ سيدي محمد بلكبير (رحمه الله)، لقد قال هذا العالم الجليل عندما بلغه خبر وفاة الشيخ سي عطية دمعت عينه وقال "لقد مات ملك الزمان في العلم و التقى و الورع و خاتمة الصوفية الشيخ سي عطية ".
وفضيلة الشيخ مبارك بن محمد الميلي(رحمه الله)، عندما كان يقيم الميلي بالأغواط كانت له مراسلات مع الشيخ وعمره لا يتجاوز واحد وثلاثين سنة، حيث كان يلقبه بالأديب الفاضل رغم صغر سنه، لما لاحظه عليه من بداهة وقوة زاده المعرفي وقد أيده في فتاويه ونصحه بأن يقوم بتدريس اللغة العربية.
كذلك الحال مع فضيلة الشيخ عاشور الخنقي (رحمه الله)، وهو الذي درس في تونس لمدة عشر سنوات ودرّس أيضا في المدينة المنورة، حيث استشهد بالشيخ سي عطية في كتاب المنار الذي ألفه وذكر فتاوى الشيخ رحمه الله.
وفضيلة الشيخ عبد الرحمن الديسي، حيث استشهد بفتاوى الشيخ سي عطية في كتابه الذي كتبه الكاتب عمر بن قينة. وفضيلة الشيخ الطاهر بالعبيدي الذي مكث عند الشيخ سي عطية لسنوات، وبينهم رسائل فقهية كلها شعر عمودي.
ذات يوم، سأله أحد الأساتذة من إحدى البعثات الأزهرية من (مصر)، وكان ضمن مجموعة من زملائه "ما الحكمة يا شيخ في ذكر العدد 46 في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الرؤية الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة)؟ فقال فضيلته؛ "لم أطلع على الحكمة من ذكر هذا العدد بالذات في شروح الحديث التي قرأتها، ولكن الاستنتاج الذي اهتديت إليه، أن الفترة التي مكثها الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء والتي استمرت 6 أشهر هي بمثابة الإرهاص (أي الرؤية الصالحة)، الذي سبق النبوة تمثل واحد على 46 من مجموع فترة الدعوة النبوية، التي هي ثلاث وعشرون سنة، وهذا يوضح المعنى المراد من ذكر العدد في الحديث النبوي الشريف.
ومن بين إجاباته التي تتسم بالذكاء وسرعة البديهة، أن أحدهم سأله: "لماذا لم يقيض لنا الله خليفة، مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، تعالى في عدله وإخلاصه وتقواه، فقال الشيخ: "نحن لسنا الصحابة، ولهذا فالذي يحكمنا ليس عمر بن الخطاب" .
ذات مرة جاءه أحد المهندسين الكهربائيين وقال له وهو في غاية الاستغراب؛ "كيف يمكن لملك الموت أن يقبض أرواحا متعددة في أماكن متفرقة متباعدة في لحظة واحدة؟"، فأجابه الشيخ في الحال: "عندما يريد العامل في مركز توزيع الكهرباء أن يطفئ النور على عدة مناطق من المدينة وفي لحظة واحدة، هل يستطيع ذلك؟ فقال المهندس: باستطاعته أن يفعل ذلك، فقال الشيخ رحمه الله؛ لم تستغرب فعل المخلوق، فكيف تستغرب من الخالق تعالت قدرته أن يأمر بقبض الأرواح في شتى أنحاء العالم"، فاقتنع الرجل بمثل هذا المثال الحي.
قال له أحد المسؤولين ذات يوم؛ "لماذا نرسل إليك ولا تأتينا؟ فقال له الشيخ على الفور؛ لقد رأيت من هو أعظم مني ومنكم يرسل إليكم خمس مرات في اليوم ولا تأتونه، فلماذا تطلبون مني الإتيان إليكم؟ أتريدني أن أكون من شرار العلماء؟ حيث قال الحسن البصري رضي الله عنه؛ شرار العلماء الواقفون عند باب الأمراء، وخيار الأمراء الواقفون بباب العلماء".
وسئّل عن الربا هل هو حرام؟ فقال لسائله بغضب وانفعال؛ "تضعون الجمر في أيديكم وتسألونني إن كان يحرق أم لا؟ إنكم تسخرون مني بطرح هذا السؤال".
وسألته إحدى اللجان الرسمية التي أرسلها الرئيس بومدين في الستينات، ما قولكم يا شيخ في تحديد النسل؟ فقال: "أنا ليس لي قول، إنه قول هذا الكتاب وكان يحمل نسخة من القرآن الكريم، لقد قال في صريح الآية (يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء ذكورا أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما) هذه مشيئة الله وغير هذا هو تحد لهذه المشيئة، فاختاروا لأنفسكم ما يحلو ..."
وبعد الاستقلال، جاءه ثلاثة رهبان مسيحيين وطلبوا منه أن يتحاوروا في أمور الدين فلم يعارض المرحوم وإنما قال لهم: "آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم، فقال أحدهم؛ هل يعارض الله تعالى ما قاله بالأمس بما قاله اليوم؟
فقال الشيخ: "كلام الله صادق لا يتعارض ولا يتناقض وإنما قوله الحق المبين، فقال أحد الرهبان: "ولكن مادام قد بعث عيسى عليه السلام، فلماذا يبعث بعده بغيره؟" فرد الشيخ سريعا؛ "من هو رئيس الدائرة الحالي؟ فقالوا له اسمه، فقال لهم؛ من هو رئيس الدائرة السابق فذكروا له اسمه، فقال لهم: "إذا أرسل لنا كل من الرئيس السابق والحالي فلأمر أيهما نستجيب؟ فقالوا: لرئيس الدائرة الحالي، فقال هكذا تكونون قد أجبتم أنفسكم"، ففهموا مقصده واستأذنوا بالانصراف. وفي حادثة أخرى، اعترض أحدهم في أن يكون الموتى يحسون بنا ولا نحس بهم، فقال له الشيخ؛ "لقد أعطاكم الله مثالا من الواقع ومن صنع الإنسان، فالتلفزيون نحن كلنا في بيوتنا نشاهد المذيع ولكنه لا يشاهد أحدا منا".
ومن الحوادث الجديرة بالذكر، موقفه مع أحد القساوسة أثناء تجواله طلبا للعلم وعمره لا يتجاوز أربعا وعشرين سنة، فقد كان هذا القسيس المسيحي يضع بين يديه مجموعة من الأناجيل في إحدى الساحات العامة وحوله جمع من الناس، فكان يقول لهم؛ "إن عيسى ابن مريم حي، وأنتم تقولون بأنه لايزال موجود، ومحمد قد مات والحي أفضل من الميت"، فوجئ الجميع وتملكتهم الحيرة، فانبرى له الشيخ سي عطية وقال له: "هل أمك حية؟ فقال؛ له أجل، فرد عليه بسرعة؛ إذن أمك أفضل من السيدة مريم مادمت تقول بنظرية الحي أفضل من الميت".
كل هذه الرسائل يحتفظ بها نجله الأكبر، الكاتب والشاعر يحي.
وعن ما جادت به قريحته في الشعر: نورد بعض الأبيات من قصيدتين وما هي إلا غيض من فيض.
من قصيدة تحمل عنوان: "همو تركوني"
أما كان وصف المؤمنين تراحم
وود بإخلاص الولا و تعطف
ستعلم من منا إذا انكشف الغطا
أبر وأوفى من أخيه وأرأف
أحب لإخواني اعتدالا وسيرة
بها ربنا يرضى وبالفوز تهتف
أحب لهم جمع القلوب على صفا
و بعضهم وللبعض عون ومسعف
ولي في جميع المسلمين محبة
وفي مالهم زهد وعنهم تعفف
... ... ...
ومن قصيدة "رجال السند"
ولا يغرنك علم من فتى أبدا
ولو حوى كل ما قد خط بالقلم
حتى تراه عريقا في هدايته
ودينه وتقاه راسخ القدم
ولا يهولنك أقوال مزخرفة
فزخرف القول قد يفضي إلى الندم
... ... ...
أليس من جاءنا بالدين أخبرنا
عن ربه في كتاب غير متهم
بأن أكرمنا لديه منزلة
أتقى البرية من عرب ومن عجم
وأن أخوفنا لله هم علما
ء الدين أهل النهى والبر والكرم
ومن أحب الإله ما له أرب
بغير طاعته يا فوز مغتنم
عاد إلى الجزائر العاصمة، حيث درس عند العلامة عبد الحليم بن سماية مفتي العاصمة في العشرينات، وتلميذ الشيخ محمد عبده، رحمه الله.
مكث الشيخ عطية أكثر من سبع سنوات عند عائلة سيدي محي الدين أولاد الباي، حيث كان رحمه الله يذكر دائما تلك العائلة بكرم الضيافة وحسن الرعاية، ثم انتقل إلى زاوية الشيخ عبد القادر الحمامي ودرس بها.
في مدينة البليدة درس عند الشيخ بن جلول دفين ثنية الأحد، ثم عاد إلى الجلفة وعمّل في التدريس وكان أول مدرّس في مدرسة جمعية علماء المسلمين الجزائريين، وأثناء الزيارة التفقدية للشيخ ابن باديس إلى الجلفة سنة 1931م، استمع باهتمام إلى بعض دروس الشيخ عطية وأعجب كثيرا بغزارة علمه وبداهته وبعد مدة عيّن إماما خطيبا بالمسجد الكبير في الجلفة، وأسندت له قيادة جيش التحرير بالمنطقة مسؤولية الإفتاء والقضاء بين الناس أثناء الثورة التحريرية المباركة، واستمر في القضاء إلى غاية الاستقلال، ومن الذين لازموه؛ الشيخ نعيم النعيمي رحمه الله، حيث بقي عنده لمدة سبع سنوات، ومن بين تلاميذه، الإمام والمدرس والأستاذ الجامعي وحتى الإطارات التي تعمل في مختلف مؤسسات الدولة الجزائرية المجيدة، منهم من اختير أن يكون إماما خطيبا في أوروبا، وبعضهم حاليا هم شيوخ زوايا.
شهادات علماء الأمة الإسلامية عن العلامة مسعودي
قال عنه فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي؛ "ليتني كنت فيه جذعا"، فعندما كان أحد الأساتذة يلازم الشيخ الشعراوي أثناء تواجده في الجزائر العاصمة، في إطار البعثة الأزهرية، حدثه عن الشيخ سي عطية مسعودي، وعدد له اتساع دائرة معارفه، حيث كان العالم الصوفي والأديب الشاعر ومفتي الديار وأخبره عن مواقفه، وهذا ما هو إلا تقدير العلماء لبعضهم وتواضعهم في طلب العلم دائما.أما فضيلة الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله)، فكان يستحضر تراث هذا العلامة في محاضراته بالجامعة الإسلامية في قسنطينة، حيث أنه في إحدى المرات قدمت إليه جماعة لاستفتائه في بعض المسائل الفقهية، فقال لهم؛ أتتركون الشيخ سي عطية وتأتوني من أجل الفتوى؟ اذهبوا إليه فحاجتكم عنده.
كذلك الحال مع الشيخ الفقيه العلامة ميان محمد شفيق قاضي خيلي، وهو من كبار الدعاة في ولاية بيشاور في دولة باكستان، زاره مع وفد كبير من علماء آسيا سنة 1966، ومكثوا لفترة عنده كانت كلها نقاشات علمية وفقهية وعندما رجع الداعية قاضي خيلي إلى بلده وفي إحدى مراسلاته، طلب من الشيخ سي عطية مسعودي أن يقبل دعوته للإقامة بينهم ببيشاور وأن يشرف معه على تجمع كبير للعلماء والفقهاء يدوم 04 أشهر متتالية.
وفضيلة الشيخ سيدي محمد بلكبير (رحمه الله)، لقد قال هذا العالم الجليل عندما بلغه خبر وفاة الشيخ سي عطية دمعت عينه وقال "لقد مات ملك الزمان في العلم و التقى و الورع و خاتمة الصوفية الشيخ سي عطية ".
وفضيلة الشيخ مبارك بن محمد الميلي(رحمه الله)، عندما كان يقيم الميلي بالأغواط كانت له مراسلات مع الشيخ وعمره لا يتجاوز واحد وثلاثين سنة، حيث كان يلقبه بالأديب الفاضل رغم صغر سنه، لما لاحظه عليه من بداهة وقوة زاده المعرفي وقد أيده في فتاويه ونصحه بأن يقوم بتدريس اللغة العربية.
كذلك الحال مع فضيلة الشيخ عاشور الخنقي (رحمه الله)، وهو الذي درس في تونس لمدة عشر سنوات ودرّس أيضا في المدينة المنورة، حيث استشهد بالشيخ سي عطية في كتاب المنار الذي ألفه وذكر فتاوى الشيخ رحمه الله.
وفضيلة الشيخ عبد الرحمن الديسي، حيث استشهد بفتاوى الشيخ سي عطية في كتابه الذي كتبه الكاتب عمر بن قينة. وفضيلة الشيخ الطاهر بالعبيدي الذي مكث عند الشيخ سي عطية لسنوات، وبينهم رسائل فقهية كلها شعر عمودي.
من مواقف العلامة
قصته مع الخائن بلونيس (عميل لفرنسا)، لقد أصبحت مواقفه مضرب المثل لما يتميز به من إخلاص وصدق وصدع بكلمة الحق، حتى في أصعب المواقف، فقد بعث له ذات يوم بلونيس وهو في أوج غطرسته واستبداده واستخفافه برجال الدين وحبه لسفك الدماء، أحد ضباطه مصحوبا بأحد الجنود وهما مسلحان، فاقتحما مقصورة الجامع التي كان يدرّس فيها حتى يشيع الخوف والذعر فيمن وجدهم حوله يستمعون إلى دروسه وقال بلهجته المتعجرفة، "من هو الإمام عطية"؟ فقال له أحدهم؛ "هذا هو الشيخ الذي أمامك"، وأشار إلى الشيخ سي عطية الذي كان يتوسط المجلس، فقال له على الفور؛ "إن الجنرال محمد بلونيس يأمرك أن تلقي خطبة هذه الجمعة فتشيد به وبحاشيته وتشتم بالمقابل جبهة التحرير وإلا سنفعل الواجب"، وهو يلوح بسلاحه فقال له الشيخ؛ تغمده الله برحمته "كم عمرك يا ولدي؟" فقال له؛ ثمان وعشرون سنة، فرد الشيخ ببداهته "أنت عمرك 28 سنة ولا تعرف إن كنت على خطأ أو صواب ومع ذلك تضحي بنفسك، فكيف لا أضحي بنفسي وعمري يقارب الستين سنة وأعلم علم اليقين أنني على صواب، الدين مثل الكف والأحزاب مثل الأصابع، فالأصبع هي التي ينبغي لها أن تعود إلى اليد وليس العكس، قل للذي أرسلك سوف لن تسمع مني غير هذا، افعل ما بدا لك"، فخرج الضابط ورفيقه في حالة هيجان.ذات يوم، سأله أحد الأساتذة من إحدى البعثات الأزهرية من (مصر)، وكان ضمن مجموعة من زملائه "ما الحكمة يا شيخ في ذكر العدد 46 في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الرؤية الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة)؟ فقال فضيلته؛ "لم أطلع على الحكمة من ذكر هذا العدد بالذات في شروح الحديث التي قرأتها، ولكن الاستنتاج الذي اهتديت إليه، أن الفترة التي مكثها الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء والتي استمرت 6 أشهر هي بمثابة الإرهاص (أي الرؤية الصالحة)، الذي سبق النبوة تمثل واحد على 46 من مجموع فترة الدعوة النبوية، التي هي ثلاث وعشرون سنة، وهذا يوضح المعنى المراد من ذكر العدد في الحديث النبوي الشريف.
ومن بين إجاباته التي تتسم بالذكاء وسرعة البديهة، أن أحدهم سأله: "لماذا لم يقيض لنا الله خليفة، مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، تعالى في عدله وإخلاصه وتقواه، فقال الشيخ: "نحن لسنا الصحابة، ولهذا فالذي يحكمنا ليس عمر بن الخطاب" .
ذات مرة جاءه أحد المهندسين الكهربائيين وقال له وهو في غاية الاستغراب؛ "كيف يمكن لملك الموت أن يقبض أرواحا متعددة في أماكن متفرقة متباعدة في لحظة واحدة؟"، فأجابه الشيخ في الحال: "عندما يريد العامل في مركز توزيع الكهرباء أن يطفئ النور على عدة مناطق من المدينة وفي لحظة واحدة، هل يستطيع ذلك؟ فقال المهندس: باستطاعته أن يفعل ذلك، فقال الشيخ رحمه الله؛ لم تستغرب فعل المخلوق، فكيف تستغرب من الخالق تعالت قدرته أن يأمر بقبض الأرواح في شتى أنحاء العالم"، فاقتنع الرجل بمثل هذا المثال الحي.
قال له أحد المسؤولين ذات يوم؛ "لماذا نرسل إليك ولا تأتينا؟ فقال له الشيخ على الفور؛ لقد رأيت من هو أعظم مني ومنكم يرسل إليكم خمس مرات في اليوم ولا تأتونه، فلماذا تطلبون مني الإتيان إليكم؟ أتريدني أن أكون من شرار العلماء؟ حيث قال الحسن البصري رضي الله عنه؛ شرار العلماء الواقفون عند باب الأمراء، وخيار الأمراء الواقفون بباب العلماء".
وسئّل عن الربا هل هو حرام؟ فقال لسائله بغضب وانفعال؛ "تضعون الجمر في أيديكم وتسألونني إن كان يحرق أم لا؟ إنكم تسخرون مني بطرح هذا السؤال".
وسألته إحدى اللجان الرسمية التي أرسلها الرئيس بومدين في الستينات، ما قولكم يا شيخ في تحديد النسل؟ فقال: "أنا ليس لي قول، إنه قول هذا الكتاب وكان يحمل نسخة من القرآن الكريم، لقد قال في صريح الآية (يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء ذكورا أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما) هذه مشيئة الله وغير هذا هو تحد لهذه المشيئة، فاختاروا لأنفسكم ما يحلو ..."
وبعد الاستقلال، جاءه ثلاثة رهبان مسيحيين وطلبوا منه أن يتحاوروا في أمور الدين فلم يعارض المرحوم وإنما قال لهم: "آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم، فقال أحدهم؛ هل يعارض الله تعالى ما قاله بالأمس بما قاله اليوم؟
فقال الشيخ: "كلام الله صادق لا يتعارض ولا يتناقض وإنما قوله الحق المبين، فقال أحد الرهبان: "ولكن مادام قد بعث عيسى عليه السلام، فلماذا يبعث بعده بغيره؟" فرد الشيخ سريعا؛ "من هو رئيس الدائرة الحالي؟ فقالوا له اسمه، فقال لهم؛ من هو رئيس الدائرة السابق فذكروا له اسمه، فقال لهم: "إذا أرسل لنا كل من الرئيس السابق والحالي فلأمر أيهما نستجيب؟ فقالوا: لرئيس الدائرة الحالي، فقال هكذا تكونون قد أجبتم أنفسكم"، ففهموا مقصده واستأذنوا بالانصراف. وفي حادثة أخرى، اعترض أحدهم في أن يكون الموتى يحسون بنا ولا نحس بهم، فقال له الشيخ؛ "لقد أعطاكم الله مثالا من الواقع ومن صنع الإنسان، فالتلفزيون نحن كلنا في بيوتنا نشاهد المذيع ولكنه لا يشاهد أحدا منا".
ومن الحوادث الجديرة بالذكر، موقفه مع أحد القساوسة أثناء تجواله طلبا للعلم وعمره لا يتجاوز أربعا وعشرين سنة، فقد كان هذا القسيس المسيحي يضع بين يديه مجموعة من الأناجيل في إحدى الساحات العامة وحوله جمع من الناس، فكان يقول لهم؛ "إن عيسى ابن مريم حي، وأنتم تقولون بأنه لايزال موجود، ومحمد قد مات والحي أفضل من الميت"، فوجئ الجميع وتملكتهم الحيرة، فانبرى له الشيخ سي عطية وقال له: "هل أمك حية؟ فقال؛ له أجل، فرد عليه بسرعة؛ إذن أمك أفضل من السيدة مريم مادمت تقول بنظرية الحي أفضل من الميت".
بعض اتصالاته
كانت لفضيلة الشيخ صداقة خاصة واتصالات ومراسلات مستمرة مع شيوخ الزوايا والعلماء، منهم من التحق بالرفيق الأعلى، ومنهم من ينعم بالصحة والعافية، وعلى سبيل المثال من هؤلاء الشيخ المرحوم بلكبير بأدرار رحمه الله، والشيخ المرحوم بيوض شيخ المذهب الإباضي رحمه الله، والعلامة محمد بلباي رحمه الله، والشيخ عبد القادر عثماني بزاوية طولقة، والشيخ عبد الرحمان الجيلالي رحمه الله، والشيخ العلامة الطاهر بلعبيدي رحمه الله والشيخان خليل ومصطفى القاسمي شيخ زاوية الهامل، رحمهما الله، والعلامة الكبير مبارك الميلي، والشيخ صالح بن عتيق والشيخ بن أشيط والشيخ الرابحي والشيخ الزبير مفتي البليدة، والشيخ المرحوم الداعية سي أحمد خطاب، ولقد حاوره الكثير من العلماء وشهدوا له باتساع معارفه وتنوعها ومنهم بعض علماء الباكستان (العالم الجليل والفقيه الشيخ ميان محمد شفيق قاضي خيلي) وعلماء الأزهر بمصر والعراق (الداعية والفقيه الدكتور ناجح عبد الهادي).كل هذه الرسائل يحتفظ بها نجله الأكبر، الكاتب والشاعر يحي.
مؤلفاته:
ترك وراءه رحمه الله، مكتبته الخاصة التي تحتوي على أكثر من ألف عنوان، وبعض المؤلفات التي ستطبع مستقبلا، إن شاء الله، ومنها باقة من الشعر، مجموعة أحاديث نبوية شريفة، فتاوى شرعية في الفقه المالكي، إنجاز شجرة الأنساب لأولاد نائل، والتي تطلبت منه البحث لأكثر من 9 سنوات، وقد صدر للشيخ كتاب بعنوان "آداب وسلوك" من تقديم نجله يحيى بدعم من المجلس الشعبي الولائي بالجلفة آنذاك، والذي تكفل بطباعته سنة 2000.وعن ما جادت به قريحته في الشعر: نورد بعض الأبيات من قصيدتين وما هي إلا غيض من فيض.
من قصيدة تحمل عنوان: "همو تركوني"
أما كان وصف المؤمنين تراحم
وود بإخلاص الولا و تعطف
ستعلم من منا إذا انكشف الغطا
أبر وأوفى من أخيه وأرأف
أحب لإخواني اعتدالا وسيرة
بها ربنا يرضى وبالفوز تهتف
أحب لهم جمع القلوب على صفا
و بعضهم وللبعض عون ومسعف
ولي في جميع المسلمين محبة
وفي مالهم زهد وعنهم تعفف
... ... ...
ومن قصيدة "رجال السند"
ولا يغرنك علم من فتى أبدا
ولو حوى كل ما قد خط بالقلم
حتى تراه عريقا في هدايته
ودينه وتقاه راسخ القدم
ولا يهولنك أقوال مزخرفة
فزخرف القول قد يفضي إلى الندم
... ... ...
أليس من جاءنا بالدين أخبرنا
عن ربه في كتاب غير متهم
بأن أكرمنا لديه منزلة
أتقى البرية من عرب ومن عجم
وأن أخوفنا لله هم علما
ء الدين أهل النهى والبر والكرم
ومن أحب الإله ما له أرب
بغير طاعته يا فوز مغتنم