التشكيلي نور الدين مقدس يعرض برواق "محمد راسم"

تقنية "البيكسال" للتدقيق في قيمة التراث

تقنية "البيكسال" للتدقيق في قيمة التراث
  • 1003

يعود الفنان التشكيلي نور الدين مقدس إلى العاصمة ليعرض فيها أعماله الراقية التي لا تحتاج لأي شرح أو تسويق، تشد المارين بالقرب من رواق "محمد راسم" بقلب العاصمة، وسرعان ما يدخل أغلبهم ولو لأخذ صورة تذكارية أمام لوحة تعجبه، أو ينتقي لوحة من اللوحات، ليبقى الفنان يقف بصدر رحب وسط معرضه، يستقبل الزملاء الفنانين والنقاد والجمهور ويرفض المغادرة.

يحط الفنان نور الدين مقدس بمعرضه التشكيلي إلى غاية نهاية الشهر الجاري، تحت عنوان "تقنية الوحدات اللونية في الرسم"، أبدع من خلاله في كل الأعمال، حيث تتوضح فيها تجربته الفنية التي تتجاوز ثلاثة عقود، أثمرت أسلوبا فنيا متميزا خاصا به.

يضم المعرض 41 لوحة أغلبها من الحجم الكبير، انفجرت فيها الألوان والأضواء كاشفة عن طاقات منبعثة من موهبة هذا الفنان المتكون أكاديميا. وفي زيارتها للمعرض، التقت "المساء" بالفنان الذي بدا مرحبا ومتواضعا كعادته في كل معرض، يحمل معه دفء مدينته حاضنة الفنون سيدي بلعباس، ففيها تفتقت موهبته وهو لا زال طفلا يخط الألوان ويعبث بالتشاكيل والأبعاد، إلى أن بلغ أشده ليلتحق بمدرسة الفنون الجميلة بمدينة وهران، وتخصص في الرسم الزيتي، ومنذ سنة 1980، دخل عالم المعارض، ليلتقي جمهوره ويحتك أكثر بالوسط الفني التشكيلي.

تسود المعرض أجواء الإبداع والخبرة، وينطفئ فيه الاستسهال والتكرار الممل، وسرعان ما يكتشف الزائر أنه في معرض يختلف عن باقي المعارض التي لا تختلف عن بعضها شكلا ولونا ومضمونا، الفنان مقدس يحاول أن يخترع الجديد والجميل، مما دفعه إلى ابتكار تقنية خاصة به هي وحدة الصورة الرقمية وتحويلها إلى عمل تشكيلي بالألوان الزيتية، وبذلك كان الأول في الجزائر وفي العالم العربي الذي استعملها، بمعنى أصبح الرائد في هذه التقنية الجديدة، ويضيف قائلا وهو يقف أمام إحدى لوحاته "هذه التقنية شيء مختلف وجديد مستمَد من الحياة وواقعها".

تتميز هذه التقنية، كما شرحها مقدس، بطريقة خاصة في تفكيك الصورة إلى مربعات صغيرة جدا، مثل حجر الحصى الصغير، بالتالي فإنها تعطي لمسة خاصة للعمل وبعدا جماليا راقيا. كما تجعل المشاهد يدقّق في التفاصيل والألوان، ويكتشف الصورة أو المشهد الذي ألف مشاهدته كوحدة واحدة. وأضاف بالقول، إن الفن الذي يمارسه استلهمه من الكمبيوتر، حيث يقوم بتقسيم الصور إلى مربعات صغيرة الحجم، بالتالي طبق هذا النوع من التقسيم باستخدام الألوان الزيتية، فالأسلوب الفني الذي يمارسه ينتمي إلى الأسلوب الانطباعي الذي حوّله إلى "بيكسال"، وتعني هذه الكلمة الوحدة الرقمية التي تكوّن الصورة الرقمية، فقد حاول إسقاط هذا الأمر على لوحاته الفنية، كما أوضح أنه يرسم أولا، ثم يطبق فوق الرسم هذه التقنية، حتى لا يضيع ولا تضيع معالم الصورة والموضوع.

أشار الفنان خلال حديثه مع "المساء"، إلى أنه يستمد مواضيع لوحاته من التراث الوطني الجزائري الأصيل، لذلك تحضر لوحة "الترقية" مثلا من البيئة الصحراوية، وهناك المرأة العاصمية الحضرية التي تبدو آتية من ليالي الشرق الساحر لتزرع الحكايا والجمال، ويتكرر موضوع المرأة من خلال "الريفية" ذات الحلي الفضية والملامح البريئة والصافية، وفي "الأمومة" التي تعبّر عن الحنان الفائض للمرأة الجزائرية التي تحضن رضيعها بدفء وهي مغمضة العينين.

نفس الحضور تسجّله الفتيات الصغيرات اللواتي كانت لوحاتهن الأكثر جلبا للجمهور، كلهن فتيات جزائريات من الزمن الماضي، بعضهن قرويات بجمال ساحر يملأن الجرار في متعة.

وتعود احتفالات "الفانتازيا" بدويّ خيالاتها وبارود بنادقهم الذي عبق مساحات البراري الشاسعة في أريافنا وبوادينا الجزائرية، وفي إحدى هذه اللوحات الضخمة، يستطيع الزائر أن يتنسّم هواء الريف العليل، حيث تتكشف المروج الخضراء والدروب المنبسطة التي يعبرها القرويون بدوابهم، كأنهم يعيشون على أراضي الجنان التي أبدعها الخالق. كذلك الحال مع البادية، حيث اختار الفنان الصحراء والواحات، ويظهر من الجنوب أيضا في إحدى اللوحات "طفل من الجنوب الجزائري" بابتسامته الضاحكة وعمامته البيضاء بياض قلبه وروحه.

أكد الفنان لـ«المساء"، أنه يعتمد الصورة الفوتوغرافية التي يلتقطها بنفسه، كما يوظّف في لوحاته مخياله وثقافته، خاصة في المواضيع التاريخية، ويعتمد أيضا على الأسلوب الانطباعي في الألوان، بمعنى أنه يعتمد على الألوان النقية التي تعكس الطبيعة. كما أشار إلى أنّه يفضل في كثير من الأحيان اللوحات الكبيرة، لأنها تعطيه المساحة الكافية للانطلاق والتعبير دون أن تعرقله الحدود.

للإشارة، سألت "المساء" عن سر ارتباطه بالمرأة والطفل، فقال بأن  ذلك ميوله كتقدير للمرأة والطفل، فقدّم خلال المعرض "الأختان" و«المطالعة" و«امرأتان ريفيتان"، ومن جهة أخرى، قدم "الزرناجي" و«أطفال القصبة".

«اللوحات القبائلية" كانت قمة في الإبداع، ويتخيل الزائر أنه دخل حدود جرجرة، تكاد تكون تلك اللوحات بمثابة روائع، خاصة في اللوحة العملاقة "غاسلات الصوف" التي تظهر فيها النسوة في الوادي يغسلن، وفي "الأختان"، ويظهر الثوب النسوي القبائلي والطبيعة بألوان جميلة. قال الفنان بأنّ لوحة "غاسلات الصوف" أعطي فيها ثمن 10 ملايين سنتيم، وهي تساوي أكثر، وقال بأنه غالبا ما يرجع معه لوحاته، فهي تباع كلها.

عن تجربته الجديدة التي ظهرت في هذا المعرض، والخاصة بتعاطيه للأسلوب التجريدي، قال الفنان بأنه اختراع لا زال يعمل على تطويره، علما أنه يحمل تقنية "البيكسال" وبعضا من حديث الراهن.

نور الدين مقدس من مواليد 1960 في سيدي بلعباس. في عام 1979 توجه إلى مدرسة الفنون الجميلة بوهران، وفي سنة 1982 قام بتكوين بالمعهد البيداغوجي لسيدي بلعباس، وتخرج منه أستاذا في مادة التربية التشكيلية.

مريم.ن