بعد غياب قارب الثلاثين سنة

حامينة يعود بـ"غروب الظلال"

حامينة يعود بـ"غروب الظلال"
  • القراءات: 2251
لطيفة داريب لطيفة داريب
اختار المخرج الشهير، محمد لخضر حامينة، تسليط الضوء على عدّة محطات من تاريخ الجزائر، علاوة على تقديم آرائه في فيلمه الجديد "غروب الظلال"، معتمدا على ثلاث شخصيات: مجاهد وقائد في الجيش الفرنسي وفرنسي ثان داع للعدالة والأخوة.
قدّم مخرج "وقائع سنين الجمر"، محمد لخضر حامينة، بقاعة "الموقار" فيلمه الجديد "غروب الظلال" بعد انقطاع عن الإخراج السينمائي منذ سنة 1985، وتبدأ وقائع الفيلم، من قبيلة للبدو الرحل، حيث يجمع رجل طاعن في السن (محمد لخضر حامينة) الأطفال ليقص عليهم حكايات عن الجزائر والصحراء، فتأبى الطفلة حورية أن تنفصل عن المجموعة فقط لأنّها طفلة، بل أرادت أن تنهل من قصص الجد، وفي يوم من الأيام، يجتمع شيوخ القبيلة لاختيار خمسة أطفال ليلتحقوا بالمدرسة ومن بينهم النبيه خالد.
ويعود خالد إلى القرية ويلتقي الجد ويخبره بأنه لا يطيق سماع ما يقوله أستاذه الفرنسي الذي لا يتوقف عن شتم الجزائريين، إلاّ أنّ الجد ينصحه بأن يدرس مهما كانت الظروف حتى "نخرج بالعلم من دخل مستعمرا بلدنا بالعلم"، ويكبر خالد ويلتحق بجامعة السوربون رفقة جزائريين آخرين قبل أن ينضم للنضال ثم الجهاد بطلب من جبهة التحرير الوطني.
وفي مشهد آخر، نرى خالدا مع رفقائه في المغرب يتدربون على السلاح وكم كانت سعادتهم بالغة بتلقيهم خبر عودتهم إلى الجزائر فيقررا الاتفاق على كلمة سر يتواصلون بها فيما بينهم لأنهم حتما سيفترقون، واختار أحدهم اسم "تشيكا" نسبة للمجمع الأوروبي للحديد والفحم". بالمقابل، مشهد عن مدرسة فرنسية بفرساي، يعلن  الأستاذ لتلاميذه عن رحلة إلى الجزائر بمناسبة الاحتفال بمائة سنة من استعمارها، مشيرا إلى أن فرنسا جلبت حضارتها إلى الجزائر، البلد البدائي المتخلف! ويكبر أحد التلاميذ ويتحول إلى قائد عسكري، ويختار الجزائر وجهة له لكي يؤدي مهمته.. خدمة الإمبراطورية الاستعمارية.
وتتوالى المشاهد التي تبرز قسوة القائد الفرنسي سانتوناك، مثل رميه سجناء فيتناميين من طائرة الهليكوبتر وكذا مشاركته في هجوم على منطقة الأوراس سنة 1958 وقتله لقروي فقط لأنه دافع عن نفسه من عضات كلب القائد، ليقوم هذا الأخير بقتل ابن القروي بعد أن أوهمه بتحريره، ورغم تنديد أحد جنوده بالفعل إلا أنه كان دائما يردد بأن ما يقوم به دفاع عن فرنسا ضد من لا "إنسانية لهم".
بالمقابل، أصبح خالد قائدا عسكريا لا يشق له غبار إلا أنه يقع رفقة أصدقائه في قبضة سانتوناك الذي أصبح يقوم بمهامه القذرة في منطقة العرق الكبير (الصحراء)، ويستنطق لمعرفة سر تسمية جماعته "تشيكا" ويجيب خالد أنها تسمية اعتباطية، إلا أنه لا لصدقه ويتعرض إلى أشد أنواع التعذيب.
في نفس الوقت، يُرسل لامبير، وهو شاب شارك في العديد من المظاهرات بفرنسا ضد التعذيب، إلى فرقة سانتوناك للسيطرة نفسيا عليه وتغيير مبادئه، إلا أن لامبير يرفض ذلك حتى أنه يتصل بخالد الذي قُتل جميع رفقائه ويطلب منه أن يتخلى عن "العنف" وأن يتخذ من مبادئ العدالة والأخوة، طريقا له فيرفض خالد أن يتعاون معه ويؤكد أن لا سبيل للحرية إلا العمل العسكري.
ويأخذ سانتوناك، خالدا ولامبير، بنية قتل المجاهد الجزائري من خلال أن يحفر هذا الأخير قبره بيديه وهي عملية كانت تقوم بها فرنسا ضد المساجين الجزائريين بعد أن ينال منهم التعذيب، الشيء الكثير، ولكن الأمور تتخذ مجرى آخر حينما يرفض لامبير قتل خالد، وأكثر من ذلك يقوم بخطف قائده وخالد أيضا ويتجه بهما إلى أعماق الصحراء.
وهنا تبدأ المغامرة التي تجمع بين الشخصيات الثلاثة، ويقف لامبير بين سانتوناك وخالد فلا هو مع عنصرية وعنهجية وظلم الفرنسي ولا هو مع رغبة خالد في قتل سانتوناك، إلى درجة تكبيل أيديهما الاثنين، وبين الحين والآخر، تندلع شرارة العداوة بين خالد وسانتوناك ويتناقشان في أمور تتعلق بموقفهما من احتلال الجزائر.
ويستمر تيهان الرجال الثلاثة في الصحراء رغم أن وجهتم حسب اختيار خالد، الحدود المغربية، ويقرر كل من خالد ولامبير، التخلص من السيارة العسكرية بعد نفاد الوقود في سفح الجبل حتى يُعتقد بأنهم ماتوا وهو ما حدث فعلا، ومن ثم يرفض كولونيل فرنسي البحث عن جثة سانتوناك بسبب ضعف الموارد المادية رغم طلب الرقيب بيكار.
وخلال هذه المغامرة في الصحراء العميقة، يكتشف الجماعة، بئرا سُممت من طرف المستعمر الفرنسي وبالقرب منها، رجل وطفله ميتان وهذا بحجة أن هذه القوافل تدعم المجاهدين بالأسلحة، ليعود النقاش من جديد حول  هذه الحرب والجدوى منها.
انتقل المخرج إلى جانب آخر من شخصية الممثلين، حيث أنقذ سانتوناك خالدا بعد أن كاد هذا الأخير أن يهلك، كما قام خالد بإنقاذ القائد العسكري بعد أن تسمم هذا الأخير بلسعة ثعبان، وتتواصل المغامرة ويصل الرجال إلى مكان تقطنه عائلة من البدو، وهناك اكتشف سانتوناك، كرم الجزائريين، رغم أنه لم يشأ أن يعترف بذلك، إلا أن تحولا ظهر في تصرفاته حتى أنه قال لخالد "أنقدنا من جهنم هذه وساترك لك بلدك"، بعدها عاد إلى طبعه حينما وصلوا إلى المنطقة المحرمة، حيث قامت فرنسا بتجربتها النووية، ليقضى عليهم حينما حاولوا تجاوزها إلا أن واحدا منهم لم يمت وحاول أن يواصل المسيرة، فمن يكون يا ترى؟.
لقد تناول المخرج حامينة عدة مواضيع في فيلمه هذا، وقال إنه أراد أن يمرر رسائله من خلال الفيلم، معتمدا بالدرجة الأولى على الحوار الذي لم يكن عقيما، حيث بيّن وبوضوح نظرة كل طرف من نفس القضية، كما لم يكثر من مشاهد العنف والحرب رغم مشهد للتعذيب، إضافة إلى إبرازه وبوضوح لجمال الصحراء الجزائرية باعتبار أنها مهمة كل جزائري يحب بلده.
كما اختار، أن تكون شخصية لامبير، محبة للعدل فعلا، إلا أنه لم يقف مع القضية الجزائرية من خلال رفضه لكل أشكال العنف، ولو كان بغرض التحرر، ومع ذلك اكتشفت مع مرور الوقت بأن فرنسا اغتصبت أرض الجزائر وتريد أن تحتفظ بها إلى الأبد وهو أمر غير معقول. أما سانتوناك فتأرجحت مشاعره ومواقفه وتناقضت بسبب قناعاته العسكرية والواقع الذي وجد نفسه فيه.
ولم يشأ المخرج أن يفصح عن هوية من بقي على قيد الحياة من الرجال الثلاثة رغم أنه ظهر لبعض الجمهور بأنه لامبير لان هذا الأخير كان يرتدي برنوسا بلون مغاير عن الآخرين وأن من لم يمت كان يحمل نفس البرنوس، فهل هي سقطة للمخرج؟ أيضا اختيار جماعة خالد كلمة سر للتواصل لم يعد له مبرر باعتبار أنهم لم يفترقوا!.
ولم يكن اختيار المخرج لاسم الطفلة "حورية" اعتباطيا، فهذه الطفلة أصبحت ممرضة والتحقت بالمجاهدين، كما احتفظ خالد بالتعويذة التي أهدتها له حورية، لتكون خاتمة الفيلم في المنطقة التي قامت فيها فرنسا بتجربتها النووية. ورغم أن حامينة أبرز جمال الصحراء في هذا الفيلم، إلا أن تركيزه على السير غير المنتهي لشخصيات الفيلم قد أدخل نوعا من الملل، وحتى التعب على الجمهور، إضافة إلى أن حديث خالد بالفرنسية مع رفقائه المجاهدين، لم يكن طبيعيا فهل كان المجاهد يتحدث بهذه اللغة مع رفقائه؟
بالمقابل اعتمد المخرج على تقنيات عالية في إخراجه للفيلم وهو ما يحسب له، كما جاء أداء الممثلين جيدا، بالمقابل، ركز المخرج على أهمية التربية في التنشئة الاجتماعية، حيث أن خالدا تربى في وسط مشبع بالوطنية، بينما تأثر سانتوناك بما تعلمه في طفولته من دور فرنسا "التمجيدي" في الجزائر، ليشير المخرج إلى ضرورة التأكيد على قيمة التربية في المجتمع.