المركز الثقافي الجزائري بباريس

حديث في التاريخ والتراث وشيء من الفن

حديث في التاريخ والتراث وشيء من الفن �
  • 589
مريم. ن� مريم. ن

سطّر المركز الثقافي الجزائري بباريس برنامجا فكريا وفنيا متنوّعا خاصا بشهر ماي المقبل يحيط بجوانب مهمة من التاريخ الوطني ومن التراث الثقافي والسياحي، إضافة إلى اللمسة الفنية، التي تبقى الركن القار والحيوي الناطق بالحنين لأرض الأجداد.

يقف شهر ماي عند التاريخ من خلال عرض فيلم وثائقي جديد للمخرج برنار أندريو بعنوان "الجزائر واجهة حرب"، وذلك مساء 12 ماي، يتضمّن شهادات مهمة ممن عايشوا الحرب التحريرية الجزائرية، إضافة إلى الوثائق والصور الأرشيفية التي تسجّل تاريخ 8 سنوات كفاحا على جميع الجبهات في الداخل والخارج. ويعرض الفيلم أيضا شهادات فرنسيين عاشوا تلك الفترة العصيبة وذلك الدمار، منهم مدنيون وعسكريون.

وفي 26 ماي سيُعرض فيلم إلياس سالم "الوهراني"، الذي سبق وأن عُرض بالجزائر، ويتناول حياة البطل جعفر العائد من الحرب التحريرية، ليجد الجنود الفرنسيين قتلوا زوجته، فيصاب بالانتكاسة، وهي نفسها الانتكاسة التي تكون عندما يدرك أن صديقه حميد قد تخلى عن مبادئه لأجل أغراض مشبوهة.

كما يحيي المركز الثقافي الجزائري بباريس ذكرى مجازر 8 ماي 1945 من خلال ندوة تاريخية مهمة تنظّم في 7 ماي، تؤكّد أنّ هذه المجازر لم تكن الأولى ولا الأخيرة التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية على الأرض الجزائرية وضدّ مدنيين عزّل، وهنا يقترح المركز عرض كتاب "محارق مازونة تصمد في ليل الاستعمار" للكاتب الكبير الراحل بن علي بوكرت، بمشاركة السيدة ليلى ابنته، وشكيب عبد السلام مدير دار نشر فابر للمؤرخ والكاتب الجزائري المعروف صادق سلام، والأستاذ الجامعي عبد القادر بن عراب.

يسجل التاريخ حقبة سوداء من تاريخنا الوطني خلال القرن الـ19، ويقدّم تسلسلا تاريخيا للمقاومة الشعبية، منها مقاومة مازونة بمنطقة الظهرة. ويذكر الكاتب حجم الدمار والحرائق والإبادات الجماعية والنهب المسلط من طرف المستعمر، ليستشهد بمجزرة أولاد رياح التي راح ضحيتها الرجال والنساء والأطفال والشيوخ بدون أدنى رحمة، مع تحليل للخطاب الاستعماري المتناقض بخصوص هذا الشأن. 

وبالمقابل، يبرز الكاتب مظاهر المقاومة الباسلة لقبائل الظهرة والونشريس تحت قيادة بومعزة، لتبقى هذه المقاومة تسكن الوجدان والذاكرة الجماعية إلى الأبد.

للإشارة، الكاتب من مواليد مازونة سنة 1904، وتوفي سنة 1983. بدأ حياته مناضلا في الشبيبة الشيوعية سنة 1924، ثم في الحزب الشيوعي الجزائري، ليصبح أمينه العام حتى سنة 1939، ليقطع علاقته به وينضم لحزب الشعب إلى غاية 1941، ويكتب في الجريدة السرية "الحركة الجزائرية"، ثم ينضم إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية ويخضع للإقامة الجبرية ببني عباس، ثم يُنفى أثناء الثورة ولا يعود لأرض الوطن حتى الاستقلال سنة 1962.

وبالنسبة للمعارض يقترح المركز خلال هذا الشهر؛ أي من 6 إلى 30 ماي الجاري، معرضا بعنوان "منور الضفتين" خاصا بالفنان القدير علي منور المتوفى في 16 فيفري 2015. وقد وُلد هذا الفنان التشكيلي العالمي بتلمسان سنة 1937؛ حيث عاش بمسقط رأسه بحقول وبساتين ندرومة الجميلة وتعلّم بها ليغادرها رفقة أخيه محمد سنة 1952، ويغادر بذلك الألوان والأنوار الإفريقية إلى الضفة الأخرى بأحياء ليون الفرنسية، فيتعاطى شتى المهن إلى أن يمتهن ترميم التحف والأدوات الفنية، ويكتشف فيه عالم الألوان الزيتية والمائية، ويبدأ مشواره الفني سنة 1974 عندما يرسم جدارية على محله مهداة لزوجته، فتعجب الناس ويشجعه النقاد، لكنه يبقى، بإرادة منه، في الظل.

اعتمد الفنان على انفعال أحاسيسه عند الرسم، ليختار بعد ذلك القماش أو الورق والألوان والأسلوب الذي غالبا ما يكون تشخيصيا أو تجريديا، وكانت الريشة في كل ذلك امتداده نحو وطنه الأم الجزائر.

اليوم تنتشر مجموعات لوحاته في أروقة ومتاحف العالم من هايتي إلى فرلندا وفرنسا وسويسرا والمغرب وموناكو وإيطاليا وأمريكا وألمانيا وغيرها، علما أنه أقام في حياته 40 معرضا عبر القارات الخمس.

وينظم المركز كذلك معرضا للصور الفوتوغرافية الخاصة بـ "الجنوب الجزائري" للمصور العالمي الفرنسي برنار نيكولوبرجي، وذلك من  6 إلى 30 ماي، والمتضمن صورا جميلة، تُعتبر خلاصة 3 رحلات ناجحة للمصور لجنوبنا الكبير امتدت من 2008 حتى 2009، زار فيها العديد من المناطق، منها التاسيلي ناجر وتيميمون وغرداية وتقرت وتاغيت وبشار وحاسي مسعود وغيرها.

يتمتع الفنان المصور بأدوات تقنية رفيعة (منها التصوير من الطائرة)، وبنظرة جمالية راقية إضافة إلى تجاربه المبنية على المبادرة والاكتشاف. وقد عاش المصور مع البدو الرحّل ومع المرشدين. واعترف لسكان الصحراء برفعة الأخلاق وكرم الضيافة، وثمّن تراثهم الاجتماعي والثقافي والعلمي (الآثار)، وفتنته واحات الميزاب والقصور العتيقة، كما كان له تعاون مع الديوان الوطني للسياحة، وشارك في صالونات دولية، عرض فيها صوره عن الجزائر وصحرائها.

وبالنسبة للجانب الفني، برمج المركز يومي 29 و30 ماي الجاري، الطبعة الأولى لـ "قعدة الشعبي" بالتعاون مع جمعية الهاشمي قروابي لإبراز تراثه الفني. ففي اليوم الأول تنظم محاضرات منها "الهاشمي قروابي: مجدد مؤدٍّ لأمهات نصوص الشعر والأدب الشعبي المغاربي"، والثانية عن "الشعبي، موسيقى، شعر وتراث" يلقيها سعدان بن بابا علي مؤلف وأستاذ جامعي بالسوربون، ورشيد إبراهيم جلول الباحث الموسيقي ورئيس فرقة، وكذا جعفر قونان أستاذ محاضر متخصص في تراث قروابي وملحّن ومؤدٍّ شعبي وأندلسي.

وفي اليوم الموالي تقام سهرة فنية بعنوان "جيب راسك لي وآجي نفسرو" يحييها كل من حميدو ومريم بلدي ويوسف بن يعزر الفائز بالجائزة الكبرى لقروابي.

حفل آخر يحتضنه المركز سهرة 15 ماي، تحييه الفنانة سعاد عسلة ابنة الجنوب الجزائري الشاسع الملهم لكل المبدعين خاصة بمنطقة الساورة ببشار؛ مسقط رأس سعاد، التي تُعتبر من الجيل الجديد، ورثت تقاليد القناوي، وأضفت عليه أسلوب موسيقى العالم، علما أنها تكتب وتلحّن أعمالها، كما فعلت في ألبومها الأول، ثم الثاني الذي سيصدر قريبا، والذي ستخصصه لـ "اللمة النسائية"، وهو بحث في الأداء الموسيقي النسائي التقليدي للمنطقة.

الفنانة شاركت منذ بداية هذه السنة في العديد من التظاهرات داخل الجزائر، منها المهرجان الدولي لفنون الأهقار بتمنراست، وفي الطبعة الـ 42 لاحتفالية مدينة الألف قبة بالواد.