ناصر قويزي يعرض برواق "عائشة حداد"

حياة فنية مزهرة بعد عتبة الستين

حياة فنية مزهرة بعد عتبة الستين
  • القراءات: 566

يعود الفنان ناصر قويزي إلى حبه الأول بعدما تجاوز سن الستين، ويتخلص بعد تقاعده من التزامات عمله اليومي في التعليم والتكوين، ليستقر في ركن مكين في عالم جميل كان حلم الطفولة، الذي آن أوانه كي يتحقق من خلال معرضه المقام حاليا برواق "عائشة حداد" إلى غاية 13 من الشهر الجاري.

كانت العصامية السبيل الأوحد الذي يسلكه الفنان ناصر بثقة واقتدار، يرهن من خلاله موهبته وأفكاره وقناعاته التي هي باكورة تجربة حياة. ويتميز أسلوبه بقوة تعامله مع اللون العاكس للمساحات الشاسعة للحلم الذي بأعماقه النقية، التي تنشد الحب والأمل رغم قسوة الراهن مع بعض الرؤية الفلسفية التي تجعل الخيال ممكنا.

يعبّر الفنان عن خلجات تسكن الناس، ولا تتراءى لهم إلا حين تأمل أعمال هذا الفنان، أن يقرأوا كيفما شاءوا ما يشغلهم. أحيانا لا تعني العصامية عدم المعرفة، لكنها لحظة تجعل الموهبة تفرض حضورها وذاتها. والخطوة الثانية هي ترسيخ هذه الموهبة بمعرفة أدوات الاشتغال وتقنياتها، لذلك لا فرق بين لوحات ناصر وفنان متكون أكاديميا، على الأقل بالنسبة لزائري المعرض.

يحاول الفنان استنطاق الذات للتعبير عن نفسه ومحيطه بشكل بصري وحركي مميز، كذلك في ترجمة الأحاسيس والصراعات التي تنتابه في ذاته الجوهرية، وقد لا يعني ذلك حاجة بعينها بقدر ما هو ضرورة نفسية يتطلبها الكائن الحي.

المعرض يعكس موهبة وإبداعا، كما أنه دلالة على المهارات المستخدمة التي تظهر في لوحات تحمل قيمة جمالية عالية ومحاكاة للطبيعة وللمحيط ولكل شكل ولون، مع استعمال تقنيات تساعد على الاسترخاء والمتعة وإيجاد متنفس من الوقت المقتطع من حياة مزدحمة.

عدة قضايا طُرحت في هذا المعرض، كانت نتاجا للحركة النشيطة للممارسة التشكيلية في ظل محاولات البحث الفني الجاد والوعي الذي تمكّن منه الفنان، حيث أصبح التشكيل منطلقه نحو التعبير بالريشة أكثر منه بالكلمة.

وعبْر أكثر من 40 لوحة للفنان ناصر يظهر مدى التلاقح والتناغم بين أساليب فنية مختلفة؛ في مشهد استعراضي مباشر. كما تظهر تجربته كأستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة، يلتزم بجانب البيداغوجيا التي تصد الفوضى حتى وإن كانت خلاقة؛ حتى لا يتغلب أي تشويش على الحقل المغناطيسي الرابط بين اللوحة والعين.

من جهة أخرى، يبرز الفنان التزامه تجاه البيئة من خلال تقنية استرجاع بعض القطع التي يستخدمها في اللصق، حيث قدّم الفنان لوحات عديدة بهذه التقنية العصرية المتداولة، منها مثلا الطاحونة الخضراء كدليل على النقاء، وأشكال هندسية تبرز من ضمنها علامات الاستفهام، وتقنية أخرى هي "الزجاج المكسر" في لوحات متتالية بعنوان "تهشيم". وتبدو القطع الزجاجية كالبلورات أو الأحجار الكريمة؛ كدليل على تكسير الأحاسيس الجميلة ورميها أرضا، والتي لا تقبل أي إصلاح فيما بعد.

كانت لوحات الطبيعة البرية مكانا للاستراحة تمتد عبر الغابات التي تتغلغل فيها البيوت الخشبية المطلة على ضفاف النهر وفي مروج القمح المذهب، حيث تلعب الرياح بالسنابل. وفي لوحات أخرى الطبيعة الميتة من خلال الفواكه، خاصة العنب والخضر وهي من غلة الجزائر، ثم يسير الزائر بين لوحات أخرى ليدخل إلى المدن القديمة، والمراسي حيث الزوارق ونسيم البحر. وفي مكان مجاور عُلقت لوحات مرسومة بالحبر الصيني، بعضها يقدم كائنات جميلة منها السنونوة والنحلة وغيرهما.

مريم. ن