عنابة تعانق المتوسط بالسينما
ختام الدورة الخامسة يَعد بولادة مهرجان أكبر

- 241

أسدلت مدينة عنابة، أمس، الستار على فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان الفيلم المتوسطي، بعد أسبوع حافل بالعروض السينمائية، واللقاءات الفنية، والورشات التدريبية، وسط حضور قويّ لنجوم الفن السابع من العالم العربي والضفة الشمالية للمتوسط. وجاءت هذه الطبعة من 24 إلى 30 سبتمبر الجاري، لتعيد وهج السينما إلى شوارع عنابة، وتؤكّد أنّ للمدينة مكانتها في خارطة الفن المتوسطي رغم بعض النقائص التي سُجّلت في الجوانب التنظيمية، والتي لم تُفسد الاحتفاء العام بالمهرجان.
تميّزت هذه الدورة بحضور لافت لأسماء سينمائية مرموقة؛ على غرار النجم المصري خالد النبوي، الذي حظي بتكريم خاص، إلى جانب المخرج الجزائري الغوتي بن ددوش، والمخرجة الإسبانية بيلار جوكام، والمخرج البوسني العالمي دانيس تانوفيتش، والمخرج اليوناني يورغو فواياجيس. هؤلاء النجوم وغيرهم أضفوا على سجادة المهرجان الحمراء بريقاً خاصاً. وتفاعلوا مع جمهور عنابة في لحظات دافئة، طُبعت بالتقاط الصور، وتبادل الأحاديث، وتذوّق الشاي العنابي بالنعناع، والوجبات التقليدية مثل الشخشوخة والبوراك.
وعرفت الدورة الحالية عرض 76 فيلماً من 20 دولة؛ ما يجعلها من أغنى الطبعات من حيث المشاركة الدولية.
وتمّ التركيز هذا العام على قضايا إنسانية كبرى، في مقدّمتها القضية الفلسطينية التي كانت حاضرة بقوة في عدة عروض سينمائية ونقاشات فكرية؛ ما أضفى بُعداً سياسياً وإنسانياً على المهرجان، مؤكّداً أنّ السينما ليست ترفاً، بل أداة مقاومة ووعي.
وعلى مستوى الجوائز تمّ الإعلان عن قائمة الفائزين في مختلف الفئات، حيث كانت جائزة "الغزال الذهبي" لأفضل فيلم روائي طويل من أبرز الجوائز المقدّمة، بقيمة 2.3 مليون دينار.
وتم تكريم أفلام مثل Frantz Fanon وSokrania 59 وBye Bye Tibériade، إلى جانب جوائز للأفلام الوثائقية والقصيرة، من بينها جائزة "عمار العسكري".
كما شهدت الدورة إدراج جائزة خاصة بالأفلام المنتَجة باستخدام الذكاء الاصطناعي؛ في بادرة تُعدّ الأولى من نوعها، تعكس انفتاح المهرجان على مستقبل الصناعة السينمائية.
الورشات المرافقة للمهرجان كانت من بين أبرز الإضافات؛ حيث شارك العديد من الشباب الجزائريين والعرب في مجالات التمثيل، والإخراج، وكتابة السيناريو، والتقنيات الحديثة.
كما أُقيمت فعالية "أيام عنابة لصناعة الأفلام" التي خُصّصت لدعم المشاريع في مرحلتي التطوير وما بعد الإنتاج. وتمّ اختيار عشرة مشاريع من بلدان مختلفة؛ لعرضها أمام لجنة تحكيم دولية.
ورغم الإشادة بالمحتوى الفني والثقافي للمهرجان إلاّ أنّ عدداً من الضيوف والإعلاميين أشاروا إلى بعض النقائص التنظيمية، كضعف التنسيق، والتأخّر في بعض البرمجة، وهو ما يستدعي مراجعة جدية في الدورات المقبلة. لكن ما لا يمكن تجاهله هو الروح الإيجابية التي سادت الأجواء، والرغبة المشتركة بين المنظّمين والجمهور والضيوف، في تطوير هذه التظاهرة، لتكون في مستوى تطلّعات المدينة التي أنجبت رجال سينما حقيقيين، أطلقوا المهرجان في بداياته بأبسط الإمكانيات.
عنابة التي استقبلت السينما بحفاوة نابعة من أعماقها، أكّدت من خلال هذه الطبعة، أنّها ليست فقط مسرحاً للعروض، بل فضاء ثقافي، قادر على احتضان الإبداع، وصناعة الأمل، وجمع الضفتين في لغة واحدة هي الفن.
وختام الطبعة الخامسة ليس نهاية، بل بداية مرحلة جديدة من التحدي، عنوانها "مهرجان في مستوى مدينة تستحق أكثر".