"الاختيار" على خشبة "بشطارزي"

دراما نفسية وصراعات داخلية في ظلّ الثورة التحريرية

دراما نفسية وصراعات داخلية في ظلّ الثورة التحريرية
  • 311
دليلة مالك دليلة مالك

استقبل المسرح الوطني الجزائري "محيي الدين بشطارزي"، أوّل أمس، العرض الأوّل لمسرحية "الاختيار"، التي استمتع الجمهور بقصتها العميقة، وأدائها المميّز. والمسرحية من تأليف محمد بورحلة، وإخراج محمد فريمهدي. وتسلّط الضوء على معاناة الإنسان، وصراعاته الداخلية في ظلّ الثورة التحريرية الجزائرية.

تتأرجح المسرحية بين الذاكرة والصدمة والواجب. وتطرح تساؤلاً جوهرياً: كيف يمكن الفرد اتّخاذ قراره في مواجهة صراعات تهدّد وجوده وإنسانيته؟.

وتدور أحداث المسرحية حول شخصية "الهادي"، وهو طبيب يجد نفسه أمام خيار مصيري؛ هل ينضمّ إلى صفوف المجاهدين للمساهمة في علاج الجرحى، أم يبقى بعيداً؛ حفاظاً على أمان أسرته، وحياته المستقرة؟. 

وتُقدّم المسرحية ثلاث مراحل مفصلية من حياة "الهادي" في آنٍ واحد على خشبة المسرح؛ تنقُل للمشاهد ذكرياته المؤلمة؛ اعتقاله وتعذيبه خلال مظاهرات 8 ماي 1945، وسنوات دراسته في كلية الطب، وحيرته أمام قرار الانخراط في الثورة.

وتميّزت السينوغرافيا بتصميم بسيط ومعبّر أعدّه عبد الله كبيري ومحمد فريمهدي. وركّزت العناصر البصرية على إبراز الصراعات الداخلية للشخصيات. وتَمثّل الديكور في صالون منزلي متواضع يمثل ملجأً، لكنّه في الوقت نفسه، يعكس ثقل القرارات المصيرية التي تُتّخذ داخله.

وقدّم جمال عوان الذي اعتلى خشبة المسرح لأوّل مرة بعد مسيرة ناجحة في السينما والتلفزيون، أداءً استثنائياً في دور "الهادي"، استطاع تجسيد مشاعر التردّد والألم والسعي للخلاص بواقعية أبهرت الجمهور. 

إلى جانبه، تألقت سارة رزيقة في دور الزوجة المقاومة؛ حيث نجحت في نقل قوّة الشخصية وصمودها بصمت، يعكس شجاعة المرأة الجزائرية خلال الثورة.

ولم تقتصر المسرحية على تناول القصة الفردية للهادي، بل جاءت كصرخة مدوية ضدّ النظام الاستعماري الفرنسي. 

وفي أحد أقوى المشاهد، يلقي "الهادي" مونولوج، يتحدّث فيه عن تناقضات الاستعمار، الذي يدّعي نشر الحضارة والإنسانية بينما يستخدم التعذيب والقتل! هذا المشهد الذي جاء بأسلوب شعري مؤثر، جعل الجمهور يصفّق بحرارة؛ تعبيراً عن تأثره العميق.

كذلك سلّطت المسرحية الضوء على دور المرأة في الثورة التحريرية؛ حيث كشفت شخصية الزوجة أنّها كانت مجاهدة سرية منذ سنوات دراستها الجامعية. هذه المفاجأة أضافت بُعداً جديداً للقصة، مجسّدة نضال المرأة الجزائرية بصمتها، وعزيمتها. 

وعانت المسرحية من بعض الإشكاليات في السرد. والانتقال بين الماضي والحاضر كان يفتقر أحياناً، إلى السلاسة؛ ما جعل متابعة الأحداث مربكة في بعض اللحظات. بالإضافة إلى ذلك، كان من الممكن تقليص بعض المشاهد لتجنّب الإطالة، والحفاظ على إيقاع أكثر حيوية.

ولا تقتصر رسالة "الاختيار" على زمن الثورة التحريرية، بل تحمل بُعداً إنسانياً عميقاً، يؤكّد أنّ الحرية والكرامة حقّان لا يمكن انتزاعهما، وأنّ المقاومة ضدّ الظلم واجب إنساني.

وعقب العرض قال المخرج محمد فريمهدي: "كان الهدف هو الخروج عن المألوف. قد تكون هناك مكانة للمسرحيات البطولية الكلاسيكية عن الثورة، لكنّها تميل أحيانًا، إلى أن تصبح مجرّد صور نمطية" . وتابع: "في مسرحية الاختيار أردت استكشاف المعضلات الإنسانية، وإظهار أنّ البطولة غالبا ما تولد في الشكّ والمعاناة". وأضاف: "زعماء مثل مصطفى بن بولعيد أو فرحات عباس، كانت لديهم حياة مستقرة ومريحة. كانوا يستطيعون الاستمرار في ذلك، لكنّهم اختاروا التخلي عن كلّ شيء من أجل الحرية، وأنّ الإنسان لا يصل إلى إنسانيته الكاملة إلاّ عندما يحرّر أرضه".

وأكد فريمهدي: "في السينوغرافيا اخترنا أن تكون الساعة الرملية هي العنصر المركزي لتجسيد عبء الوقت، وأهمية القرار. وعند نهاية المسرحية عندما يختار الهادي الانضمام إلى النضال، يضيء الديكور؛ ما يشير إلى نقطة تحوّل عاطفية قويّة".