المثقف وقضايا الأمة راهن وتحديات

دعوة إلى تجديد الوسائل والطرائق والانغماس في حراك المجتمع

دعوة إلى تجديد الوسائل والطرائق والانغماس في حراك المجتمع
  • 561
مريم. ن مريم. ن
يعود الحديث عن المثقف العربي باعتباره القاطرة التي تقود المجتمع بثبات نحو آفاق أرحب تحت ظلال الحضارة الإنسانية والعمل على تمكينه من امتلاك أدوات النهضة، ولم يسبق للمثقف العربي أن وضع على المحك كحاله اليوم، ولم يسبق لفكره وقناعاته وآلياته أن تعرّضت للاختبار كما تتعرّض له الآن خاصة بعد التغيرات الرهيبة التي هزت المنطقة العربية، وسار هذا المثقف عبر مشروع التحرّر من الاستعمار ليدخل معترك النضال الجماهيري، ثم يستفيق على مرحلة جديدة برهانات وقراءات جديدة، فأيّ دور يجب أن يلعبه المثقف العربي إبان هذه الحقبة الراهنة المليئة بالغموض والمفاجآت والآمال واليأس.

الدكتور نجيب العوفي (جامعة محمد الخامس بالمغرب):
نعيش ردة حضارية بئيسة
بداية، فضّل الدكتور العوفي الحديث عن ما يسمى بـ "الربيع العربي" هذا العرس الذي أقيمت له زفة عارمة، لكنه سرعان ما تحوّل إلى صقيع ورياح عاتية لم تبق ولم تذر، تحوّلت بين ليلة وضحاها إلى فوضى سريالية، وهكذا أريد للوطن العربي أن يعود بقدرة قادر إلى الجاهلية الأولى، وهي ما وصفها المتحدّث لـ"المساء" بـ"الرّدة الحضارية البئيسة" المعاكسة لاتّجاه التاريخ ذهبت على إثرها الآمال المعقودة على "الربيع العربي"، كأنّها سراب يحسبه الظمآن ماء، بالتالي تساءل الدكتور العوفي عن دور المثقف في هذا الحراك الغارق في الغمة.
استحضر المتحدّث بالمناسبة فكرة نزعة "قتل الأب" وهي نظرية يجسّدها جيل الشباب العربي الحالي نتيجة هزائم الآباء ربما، بالتالي نهض جيل مبتور لا وعي وطني له يعتمد أكثر ما يعتمد على الذاكرة الرقمية والأنترنيتية ملتصقة بفكرة "هنا والآن" ولا يعنى بحفريات التاريخ والسياسة، بالتالي فكأنّه يعتمد على النظرية الفلسفية القائلة "انظر خلفك في غضب".
من جهة أخرى، أكّد الدكتور العوفي أنّ الملاحظ الآن هو الفتور في انخراط المثقف العربي في قضايا أمته والأخطار المحدقة بها خاصة بعد تراجع الإيديولوجيا الاشتراكية وإخفاقها في تحريك عجلة التاريخ لتحل محلها الإيديولوجيات الإسلامية المتطرفة وهيمنة العولمة الإمبريالية المتوحشة، بالتالي تراجع قيم الثقافة والحداثة والحوار وسيادة شريعة الغاب، ناهيك عن الطفرة الإعلامية والتكنولوجية، وهنا يرى المتحدث أن دور المثقف صار مضاعفا وأصبح فرض عين ليحمل عصره على ظهره دفاعا عن الحرية والعدالة.
وعن دور المثقف في الزمن الراهن، أكّد الدكتور العوفي أنّ المنتظر من المثقف العربي هو في أن يستعيد دوره الفاعل والباسل كما كان في العقود النهضوية الأولى ملتحما بالمجتمع وقضايا الأمة وراسما لخريطة طريق التغيير، ويضيف بالقول؛ "على المثقف الآن أن يسمع لنبض الشارع ونبض التاريخ ليجدّد أدواته وطرائق اشتغاله".
كما يرى المتحدث أنّ على المثقف العربي اليوم تحديان أساسيان، هما الأمية الضاربة وانتقال الثقافة إلى فضاء إلكتروني الذي حلّ محل الثقافة الكلاسيكية، وأصبح أفيون الشباب لكنّه مفيد إذا ما استغله المثقف بذكاء وحذر لإيصال رسالته كي يخاطب بها الناس وهو ما وصفه بالتحايل لضرب الثقافة الرديئة.

الدكتور شريف لدرع (جامعة الجزائر):
على المثقف أن يوعّي مجتمعه
قبل الخوض في دور المثقف، قال المتحدّث "أفضّل أن أسترجع كلمة قالها الراحل الطاهر وطار، رحمة الله عليه، بخصوص قضية تحرير المرأة إذ لم يكن يحرص على الخوض في هذا الشأن وكان يكتفي بربط تحرّر المرأة بالتعليم كحق أساسي وبعدها ستكون لها كلمتها في تقرير مصيرها وتحريرها وما تريد أن تصنعه بنفسها"، بالتالي فهو يرى رأي وطار بمعنى أنّ نفس الأمر يصلح للمثقف، فعليه أن يوعي الشعب بقضاياه وبواقعه وتمكينه من معرفة نفسه وما تحويه من مشاعر وأفكار وقيم وتاريخ، ثم بعدها على الشعب أن يصنع مصيره وراهنه ومستقبله، وعليه يؤكّد الدكتور لدرع أن ما سيتم تحقيقه هو الذي يتوسّم فيه تغيير الواقع، بالتالي فإن التغيير لا يقوم به المثقف وحده وبشكل مباشر وإلاّ أصبح مجرد مثقف مناضل حزبي أو حركي.
باختصار، فإنّ محدث "المساء" ركّز على المثقف ذي الدور التنويري الذي هو زارع البذرة حسبما وثقته وقائع التاريخ وتحوّلات المجتمعات.

الأستاذ محمد تين
(رئيس "الجاحظية"):
لابد من العودة إلى تراثنا
تشهد منطقتنا العربية زوبعة كبرى معالمها واضحة متمثّلة في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي زحف بثقافة مخطط مارشال من أوروبا إلى جنوب المتوسط وهو نفسه مشروع سايكس بيكو وراجت بذلك فكرة "الفوضى الخلاّقة"، ليؤكّد الأستاذ تين أن كل هذا لا ينبغي أن ينسينا أنفسنا إذ لا يغير الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم، بالتالي يجب العودة إلى تراثنا العريق وما فيه من أسس لثقافة المقاومة التي لها مكانها اليوم .
وأشار المتحدث إلى أنّ دور المثقف تراجع فيما يتعلّق بقضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين هذه القضية التي انتزعها السياسيون من المثقفين العرب.