في الثقافة الحسانية
دعوة للمشاركة في العدد السادس لمجلة "تراث"

- 201

أطلق مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية (CRASC)، في خطوة علمية وثقافية لافتة، دعوة مفتوحة للباحثين، للمشاركة في العدد السادس من مجلة "تراث"، تحت عنوان "الثقافة الحسانية: تراث مشترك ورهانات حضارية في فضاء إفريقيا والصحراء"، من تنسيق الباحثة مباركة بلحسن، في محاولة لإعادة التفكير في هذا الإرث الثقافي المتجذر ضمن فضاء صحراوي واسع عابر للحدود.
جاء في إشكالية الاكتتاب، التي تصدرت دعوة المشاركة في العدد السادس من مجلة "تراث"، أن الثقافة الحسانية تمثل "ظاهرة ثقافية مركبة، تتداخل فيها أبعاد لغوية واجتماعية ورمزية وروحية"، ما يجعل منها واحدا من أغنى أشكال التراث غير المادي في الفضاء الإفريقي الصحراوي. وإذ تتجاوز هذه الثقافة حدود الانتماء المحلي الضيق، فإنها تفرض نفسها اليوم، بوصفها موضوعا مركزيا في النقاشات الأكاديمية، وبرامج صون الهوية وبناء الذاكرة الجماعية، خصوصا في مناطق تتقاطع فيها رهانات الرمز والسلطة والانتماء.
انطلاقًا من هذا التصور، دعا مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، الباحثين والباحثات، إلى الإسهام في هذا العدد الخاص من مجلة "تراث"، المخصص لـ«الثقافة الحسانية: تراث مشترك ورهانات حضارية في فضاء إفريقيا والصحراء"، وهو مشروع علمي طموح، من تنسيق الأستاذة مباركة بلحسن، يسعى إلى بلورة فهم متعدد الأبعاد لهذا التراث الحي، من خلال زوايا أنثروبولوجية، إثنوغرافية، لسانياتية وتاريخية.
البيان لا يكتفي بوصف الثقافة الحسانية كإرث تراثي، بل يقدمها بوصفها منصة حيوية لإعادة التفكير في أدوات التنمية الثقافية وصيغ الإدماج الاجتماعي، وآليات إنتاج المعنى في مجتمعات ذات خصوصية تاريخية. ففي الفضاء البيضاني، الممتد من موريتانيا إلى الجزائر والصحراء الغربية وشمال مالي والنيجر، تشكل هذه الثقافة وعاءً جامعًا، نُحتت معالمه، من خلال تفاعل طويل بين القبائل، والتجارة، والهجرات، والدين، والشعر، والحكاية، واللغة.
وورد في البيان، أن التظاهرة الأخيرة "الجزائر عاصمة الثقافة الحسانية 2025"، كشفت عن الأهمية القصوى التي يوليها الفاعلون الثقافيون والمؤسساتيون لهذا الإرث، ليس بوصفه ذاكرة محلية مغلقة، بل باعتباره عنصرًا حيا في التفاعل الحضاري المغاربي الإفريقي، ومنصة لإعادة التفكير في أدوات التنمية الثقافية، وصيغ الإدماج الاجتماعي، وآليات إنتاج الرمزية في المجتمعات الصحراوية، إذ يشكل التراث الحساني مكوناً أساسياً من مكونات الثقافة اللامادية، ويعبر عن الامتداد التاريخي والثقافي المجتمع البيضان، وتعد اللغة الحسانية الوعاء الأساسي لهذه الثقافة، حيث تمزج بين العربية الفصحى ولهجات صنهاجة ومفردات من أصول إفريقية، ما يعكس تفاعلا حضاريا عميقا ومركبا، ويحضر هذا التراث في أشكال متعددة، منها الشعر، الأمثال الحكايات والنصوص السردية.
كما يؤكد البيان، على خصوصية الشعر الحساني كأحد أبرز ملامح هذا التراث، حيث يظهر ما يُعرف بـ«الإغراب" اللغوي في استخدام معجم قديم مهجور، ما يمنحه قوة فنية وفكرية، ويجعله مرآة لتحولات المجتمع. كما تُشكل الأمثال الشعبية والحكايات بابًا لفهم البنية الرمزية والأخلاقية للمجتمع الحساني، خصوصًا في تصويرها للعلاقات الاجتماعية، وأدوار المرأة، والحكم المتوارثة.
ويلفت البيان، إلى أن المرأة في الثقافة الحسانية تحظى بمكانة خاصة، تظهر في الأمثال والحكايات كفاعلة، حكيمة، ومؤثرة، وهو ما تدعمه الكتابات النسائية المعاصرة، وتؤكده ممارسات اجتماعية، مثل رفع المهر للمطلقة أو الاحتفال بالطلاق، بما يعكس امتدادًا لتقاليد صنهاجية تعلي من شأن المرأة وتمنحها وضعا اعتباريا مميزّا.
كما أشارت دعوة الاستكتاب هذه، إلى الدراسات الأكاديمية السابقة حول المجتمع الحساني، مثل أعمال بيار بونت في النظام الاجتماعي البيضاني، وصوفي كاراتيني في التحولات السياسية، وكورين فورتي في النوع الاجتماعي والجسد، فضلًا عن بول مارتي وفيليب مارشيزين، ما يعزز الخلفية العلمية للنقاش ويُهيئ الأرضية لحوار معرفي واسع.
ولا تبدو هذه الدعوة إلى الاكتتاب مجرد مناسبة للنشر الأكاديمي، بل تمثل خطوة رمزية نحو استعادة الثقافة الحسانية لمكانتها في الأجندة المعرفية والسياسية، في سياق مغاربي وإفريقي، يتطلب إعادة النظر في تمثيلات الهوية واللغة والانتماء. إنها، كما جاء في نص الدعوة، "محاولة للاقتراب من الثقافة الحسانية من منظور علمي متعدد التخصصات"، يوازي بين الشفاهة والرمز والسلطة والمعنى.
بالمقابل، تم اختيار أربعة محاور رئيسية في العدد السادس لمجلة "تراث"، تعكس الطبيعة المركبة للموضوع وهي" الأنثروبولوجيا الاجتماعية من خلال دراسة البنية القبلية وتنظيم المجتمع الحساني"، و«علاقة الدين بالسلطة الرمزية. وكذا التراث الشفهي" ويقصد به تحليل الشعر الحساني، الأمثال، الحكايات الشعبية، ودورها في مقاومة النسيان الثقافي. بالإضافة إلى "اللسانيات من حيث دراسة اللهجة الحسانية في علاقتها بالعربية الفصحى والأمازيغية، وتحولها في ظل العولمة والرقمنة"، علاوة على محور "الهوية والتدين من خلال دراسة مقاربة الخطاب الديني الحساني، الزوايا، التصوف، والفتوى المحلية في تشكيل المخيال الجمعي".للإشارة، حدد تاريخ 30 سبتمبر المقبل، آخر أجل لتلقي المساهمات، في حين ترسل المقالات عبر منصة ASJP على الرابط: https://asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/920