التواجد اليهودي في المغرب

دور مدارس الرابطة الإسرائيلية العالمية في تكوين الصهاينة المغاربة

دور مدارس الرابطة الإسرائيلية العالمية في تكوين الصهاينة المغاربة
  • 1542
مليكة خلاف مليكة خلاف

كثيرا ما تثار تساؤلات حول التواجد اليهودي القوي في المغرب وتأثيره على سياسة المخزن منذ عقود من الزمن، حيث عادت تداعيات هذا التواجد اليوم إلى العلن، خصوصا بعد إعلان النظام الملكي مؤخرا، التطبيع مع الكيان الصهيوني، مما يدفع أي متتبع إلى البحث عن أسرار التأثير الصهيوني في هذا البلد، الذي استغل وجود الجالية اليهودية من أجل الترويج لأفكاره ودعوتهم للهجرة إلى "أرض الميعاد"، في الوقت الذي فضل قلة منهم البقاء في الأرض التي ترعرعوا فيها.

 

رغم أن تواجد اليهود في المغرب يعود إلى قرون طويلة، وبالخصوص بعد سقوط الأندلس، حيث فروا إلى شمال إفريقيا رفقة المسلمين، إلا أن الدور البارز لهذه الفئة ظهر مع تأسيس الرابطة الإسرائيلية العالمية سنة 1860،من طرف مجموعة من يهود فرنسا، منهم أحبار وأساتذة ومحامون وتجار وأطباء، حيث اختاروا العاصمة باريس مقرا لجمعيتهم، بهدف الدفاع عن الحريات المدنية والدينية للجماعات اليهودية، كما سعوا إلى تنمية مجتمعاتهم المختلفة، عن طريق التعليم والتدريب المهني وإغاثتهم في الأزمات. كان للامتيازات التي يتمتع بها اليهود بالمغرب، بفضل قانون أو ما يسمى بظهير 5 فبراير 1864/1280هـ، في عهد السلطان محمد بن عبد الرحمان (1859- 1873)، الخاص بالحرية لليهود، دور في تأسيس مدارس الرابطة الإسرائيلية بالمغرب.

جاء في الظهير أو القانون المذكور "بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، نأمر من يقف على كتابنا هذا أسماه الله وأَعَزَّ أمرَه، وأَطْلَعَ في سماء المعالي شمسَه المنيرةَ وبدرَه، من سائر خُدَّامِنَا وعُمَّالِنَا والقائمين بوظائف أعمالِنا، أن يعاملوا اليهود الذين بسائر إيالتنا بما أوجبه الله تعالى من نَصْبِ ميزان الحق والتسوية بينهم وبين غيرهم في الأحكام، حتى لا يَلْحَقَ أحدا منهم مثقالُ ذرة من الظلم ولا يُضَام، ولا ينالَهم مكروه ولا اهتضام، وأن لا يَتَعَدَّوْهُمْ ولا غَيْرَهُمْ على أحد منهم لا في أنفسهم ولا في أموالهم، وأن لا يستعملوا أهلَ الحر منهم إلا عن طيب أنفسِهم وعلى شرط تَوْفِيَتِهِمْ بما يَسْتَحِقُّونَهُ على عملهم، لأن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، ونحن لا نوافق عليه لا في حقهم ولا في حق غيرهم، ولا نرضاه، لأن الناس كلَّهُمْ عندنا في الحق سواء، ومن ظَلَمَ أحدًا منهم أو تَعَدَّى عليه فإنا نعاقبُه بحول الله، وهذا الأمر الذي قررناه وأوضحناه وبَيَّنَّاهُ كان مقررًا ومعروفًا مُحَرَّرًا، لكنْ زِدْنَا هذا المسطورَ تقريرًا وتأكيدًا ووَعِيدًا في حق من يريد ظلمَهم، وتشديدًا ليَزِيدَ اليهودُ أَمْنًا إلى أمنِهم، ومن يريد التَّعَدِّيَ عليهم خوفًا إلى خوفِهم، صَدَرَ به أمرنا المعتز بالله في السادس والعشرين من شعبان المبارك عام ثمانين ومائتين وألف".

بفضل هذا القانون، أصبح بإمكان اليهود المغاربة ممارسة أنواع من الأنشطة داخل البلاد بشكل رسمي، مما سمح لهم بإحداث مجموعة من المدارس العصرية الحديثة، التي تلقن تعليما عصريا باللغتين الفرنسية والعبرية. كانت هذه المدارس، ممولة من طرف الرابطة الإسرائيلية العالمية، والصندوق المحلي للجالية ومؤسسات أجنبية، مثل الهيئة المركزية ليهود فرنسا والمؤسسة الإنجليزية اليهودية بإنجلترا، وكان برنامجها في البداية محليا. غير أنه سنة 1882، فرضت اللجنة المركزية للرابطة الإسرائيلية العالمية مقررا عاما في كل مدارسها، يعتمد على تعلم اللغات الأجنبية والتحدث بها بطلاقة، على غرار الإنجليزية، الإسبانية والإيطالية. كما أدرجت في برنامجها التعليمي الحساب، الهندسة، الفيزياء والكيمياء، بالإضافة إلى العبرية والتاريخ اليهودي والتاريخ العام والجغرافيا. أما اللغة العربية، التي يدعي اليهود أنهم ينتمون إلى بلدانها، وأنها لغتهم الأصلية، فظلت غائبةً باستثناء حصص قليلة، حيث أن المدارس الإسرائيلية كانت تقدم من جهة أخرى، تعليما متقدما وعصريا بمساعدة الرابطة الإسرائيلية العالمية، التي كانت تهدف من خلال بندها الأول في الفقرتين الأولى والثانية إلى "العمل في كل مكان على التحرر المعنوي لليهود، وتقديم سند فعال إلى الذين لا يعانون مما يعانون إلا لأنهم يهود". كانت هذه المؤسسات التعليمية مرتبطة بالمقر المركزي للرابطة بباريس، وخاضعة لقراراته وتعليماته، حيث تطلعه على أنشطتها عبر تقارير سنوية وفصلية وأحيانا شهرية، كما أنها تعين مديري المؤسسات التعليمية وهيئاتها.

تمهيد دخول الاستعمار الفرنسي

ذا كانت أهداف الرابطة الإسرائيلية العالمية، حسب قوانينها، تقديم الدعم المعنوي لليهود وتحسين أوضاعهم، فإن لها أيضا أهدافا خفيةً، ويتضح ذلك من خلال انتشار مدارسها بالتراب المغربي، حيث شملت المناطق الساحلية التي تعتبر بوابات للبلاد على الخارج، كما كان هدفها نشر الثقافة واللغة الفرنسيتين، تمهيدا لدخول الاستعمار.  بذلك تحول اليهود إلى جماعات وظيفية منفصلة ثقافيا ووجدانيا عن محيطها العربي، حيث أضحت تعمل من أجل خدمة مصالح الاستعمار الفرنسي في المنطقة، فضلا عن رعاية الطائفة اليهودية والدفاع عن حقوقها، تمهيدا لإقامة وطن قومي لهم، فضلا عن السيطرة على التجارة مع الأوربيين.

وقد سُخرت هذه المدارس، لمد اللجنة المركزية للاتحاد الإسرائيلي العالمي بتقارير مفصلة عن الحالة العامة التي تعيشها البلاد، حيث كانت تقاريرها تتعدى التعريف بأحوال اليهود المزرية، والتي هي حالة عامة عانى منها كل المغاربة من انتشار المجاعات والأوبئة والأمراض، مثلما كانت تتجاهل الامتيازات التي كانت تتمتع بها هذه الفئة، خصوصا المعروفة بتجار السلطان، مع التركيز على وصف الأوضاع السيئة بكثير من المغالطة والتزييف. كان عدد هذه المدارس سنة 1908 عشرين مدرسة، تضم 4000 طفل منهم 2500 من الذكور و1500 من الإناث، كما وصل عدد المدارس إلى نحو 46 مدرسة عام 1939، تضم 15761 طالب، ليرتفع عددهم إلى 28 ألفا عام 1952. مع استقلال المغرب وهجرة اليهود المغاربة نحو فلسطين، بدأت أعداد التلاميذ في الانخفاض بمدارس الرابطة الإسرائيلية العالمية من 30123 عام 1959، إلى 13527 عام 1963، إلى 8054 عام 1968، كذلك قامت الحكومة المغربية بدمج هذه المدارس في نظامها التعليمي الحكومي.

نخلص مما تقدم إلى أن التعليم الإسرائيلي بالمغرب، كان مرهونا بوجود الجالية اليهودية، وساهمت في تطوره ونموه الرابطة الإسرائيلية العالمية، وكانت مدارسه متفوقة إلى حد بعيد على التعليم التقليدي المغربي السائد. كما كان اليهود يتلقون خلال فترة الاحتلال الفرنسي تعليما فائق الاهتمام باللغة العبرية والثقافة الدينية اليهودية، الأمر الذي لم ينعم به المغاربةُ المسلمون فيما يتعلق بلغتهم وثقافتهم. كما كان تعليمهم مسايرا لبرامج التعليم في فرنسا، مما جعله يحظى بتشجيع المحتل الفرنسي، حيث أمده بكل ما يحتاج إليه من مساعدة وأولاه كامل الرعاية والعناية، ويتجلى ذلك بعقد اتفاق سنة 1928، الذي يقضي بوضع مدارس الرابطة تحت إشراف إدارة التعليم العمومي وضمان الدعم لها، مما أهلها لتخريج كفاءات عالية في الميادين الإدارية والاقتصادية والتجارية، وجعل التعليم الإسرائيلي النواة الأولى للتعليم الأوروبي، الذي نما بفضل وجود جاليات أوروبية تولت مهمات سياسية أو اقتصادية، بفعل التنافس الاستعماري على احتلال المغرب إذ شكل التعليم أحد حلقاته.