مسرحية "فارس وألوان العتمة"
رحلة طفل يحوّل فقدان البصر إلى قوة وإلهام

- 154

قدّم الكاتب عبد المنعم بن سايح لـ "المساء"، تفاصيل عن نصه المسرحي "فارس وألوان العتمة" ، الذي وصل الى القائمة القصيرة لجائزة علي جابر للإبداع المسرحي 2025، فرع نصوص أطفال. وقال إن هذه المسرحية لا تقدم رسالتها الإنسانية بشكل مباشر أو على هيئة درس وعظي.
أوضح الكاتب عبد المنعم بن سايح أن نص "فارس وألوان العتمة" هو مسرحية درامية موجَّهة للأطفال من الفئة العمرية (8 – 11 سنة)، تنسج حكايتها في ثلاثة فصول. يضم كل فصل خمسة مشاهد مترابطة. وتدور المسرحية حول طفل صغير اسمه فارس، يجد نفسه، فجأة، أمام منعطف حاد في حياته بعد حادث يومي عابر أفقده بصره بالكامل. لم يحرمه هذا الحادث، فقط، من نور عينيه فحسب، بل هزّ كيانه النفسي، وجعل السلبية والانهزامية تتسلل إلى قلبه الصغير.
في البداية يعيش فارس في صمت ثقيل، أسير شعور بالعجز والانكسار. العالم الذي كان يعرفه بالألوان والضوء، تحوَّل فجأة إلى فضاء ممتد في الظلام ، فبدت له الحياة وكأنها توقفت عند تلك اللحظة المشؤومة.
لكن المسرحية لا تقف عند هذه اللحظة، بل تمضي لتكشف كيف يمكن أن يتحول الألم إلى دافع، وكيف للإعاقة أن تصبح مصدر قوة.
وأضاف أن نقطة التحول تبدأ عندما يكتشف فارس أن الظلام الذي يعيش فيه، ليس نهاية العالم، بل بداية رحلة جديدة يقرر أن يخوضها بشجاعة. وشيئا فشيئا يتحول من طفل منكسر إلى بطل يطلق على نفسه لقب "فارس مملكة الظلام". هذه المملكة التي كانت في البداية رمزا للقيود والمعاناة، تصبح فضاءً يتحدى فيه نفسه، ويتعلم كيف يعتمد على حواسه الأخرى لاستكشاف العالم، والتفاعل مع الحياة بطريقة مختلفة.
وتقدَّم مسرحية "مملكة الظلام" ليس، فقط، كمكان، بل كرمز لحالة يعيشها كل طفل فقد البصر أو يعاني من إعاقة بصرية؛ مملكة مليئة بالتحديات لكنها، في الوقت ذاته، حافلة بالفرص لمن يمتلك الإرادة والعزيمة. ففي هذه المملكة هناك من يظل أسير الظلام، وهناك من يضيء عتمته الداخلية ليصبح متميزا وملهما.
كما تشدد المسرحية على أن هذا التميز لا يمكن أن يتحقق دون دعم المجتمع؛ إذ تلعب الأسرة والمدرسة والأصدقاء، دورا رئيسا في تمكين الطفل الكفيف من الانطلاق.
وفي حالة فارس كانت الأسرة هي الداعم الأكبر، تمد له يد العون، وتغرس فيه الثقة، وتساعده على اكتشاف قدراته الحقيقية.
ومن خلال مشاهد مؤثرة نرى كيف تتحول العائلة إلى شريك في صناعة البطل، وكيف يصبح الحب والقبول والاحتواء أهم أدوات العلاج.
ويؤكد عبد المنعم أن المسرحية على الرغم من رسالتها الإنسانية الواضحة، لا تقدم خطابا مباشرا أو نصائح وعظية، بل تُبنى أحداثها في إطار درامي مشوّق، يجمع بين المواقف المؤثرة واللحظات المضيئة التي تبعث على الأمل.
الحوار بسيط لكنه عميق المعنى. والشخصيات ثرية، ما يجعل الطفل المشاهد يندمج مع المسرحية، ويتأثر بها دون أن يشعر أنه يتلقى خطابا تربويا جافا.
كما يوضح الكاتب أن "فارس وألوان العتمة" ليست مجرد مسرحية عن فقدان البصر، بل هي عن الرؤية الحقيقية التي تتجاوز العيون لتسكن القلب والعقل، وعن الإيمان بأن النور يمكن أن ينبع من الداخل، وأن كل عتمة تحمل في طياتها ألوانا لم نرها بعد.
جدير بالذكر أن هذه المسرحية وصلت إلى القائمة الطويلة، ثم القصيرة لجائزة علاء الجابر الدولية للإبداع المسرحي 2025م – فرع النصوص الموجَّهة للأطفال – دورة المؤلف الكويتي الراحل فايق عبد الجليل.
وقد ضمت القائمة القصيرة كتّابا مبدعين من الجزائر ومصر والعراق واليمن والأردن.
وتمنح هذه الجائزة المراتب الثلاث الأولى إضافة إلى مبلغ مالي، ودرع، وشهادات تقدير لجميع الفائزين والمتأهلين للقائمة القصيرة.
أما عبد المنعم بن السايح فهو كاتب من ولاية تقرت، مؤلف مسرحي وروائي، حائز على العديد من الجوائز، منها: جائزة محمد ديب للإبداع الروائي، وجائزة حورس الإسكندرية بمصر، وجائزة راشد بن حمد الشرقي بالإمارات، وجائزة كاكي الذهبي للكتابة الدرامية، وجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب، والعديد من الجوائز الأخرى، كان آخرها جائزة مهرجان شرم الشيخ الدولي للإبداع المسرحي بمصر، حيث فاز بالمركز الأول دوليا.
وصدر له أكثر من أحد عشر إصدارا بين الرواية والمسرح والمقال، من أبرزها: المتحرر من سلطة السواد، وبقايا أوجاع سماهر، وقد بلغت من الوجع عتيّا، ولنرقص الترانتيلا ثم نموت. وفي المسرح: المبشرون بالجنائز، وشعائر الإبادة، وغواية الشيطان الرحيم والحب، والمحرقة، إلى جانب العديد من الأعمال المسرحية الأخرى.