"راي نايشن" في باريس

رحلة عبر الزمن مع إيقاعات الفن الجزائري

رحلة عبر الزمن مع إيقاعات الفن الجزائري
  • 349
 د. مالك د. مالك

استقبل قصر المؤتمرات في باريس، الجمعة الماضي، حدثا موسيقيا استثنائيا، تَمثل في النسخة الأولى من "راي نايشن"، هذا الحفل الكبير، الذي صُمم ليعيد إحياء تراث موسيقى "الراي" الجزائري، جذب آلاف الحاضرين من مختلف أنحاء أوروبا، الذين قدموا ليعيشوا لحظات من الفخر والاعتزاز بالهوية الثقافية الجزائرية.

هذا الحدث، الذي جمع عشرات الفنانين الجزائريين، وجرى بدعم فريق فني وتقني جزائري، كان بمثابة رحلة غامرة في جذور وتطور هذه الموسيقى الشعبية، التي أصبحت اليوم، مدرجة ضمن التراث الثقافي غير المادي لـ«اليونسكو" باسم الجزائر.

بدأت الأمسية بلمسة إبداعية، من خلال تكريم الراحلة الشيخة ريمتي، إحدى رائدات "الراي"، عبر أداء افتراضي ثنائي غير مسبوق. هذا المشهد المهيب، أعاد الحضور إلى أصول هذه الموسيقى، التي نشأت من تلاقح بين فن الملحون والألحان البدوية لآلة القصبة، إلى جانب التأثيرات الحديثة. وشارك كل فنان على خشبة المسرح بإحياء مراحل مختلفة من تطور "الراي"، من خلال أداء مقطوعات خالدة، شكلت ذاكرة أجيال متعاقبة.

من بين اللحظات البارزة، كانت هناك فقرة خاصة بأغاني الشاب حسني، أسطورة "الراي" العاطفي. كما تم تكريم الملحن محمد مغني، الذي حضر الحفل، واشتهر بتعاونه مع كبار فناني "الراي"، مثل الشاب حسني، الشاب مامي، الشاب نصرو والشيخة ريمتي.  

وتم الاحتفاء أيضا بصافي بوتلة، أحد أعمدة الموسيقى الجزائرية، الذي لعب دورا رئيسيا في انفتاح موسيقى "الراي" على الساحة العالمية. وقد أظهرت هذه التكريمات أهمية المبدعين، الذين ساهموا بإبداعاتهم في جعل "الراي" يتجاوز الحدود الجغرافية، ليصبح رمزا عالميا.

طوال الحفل، عبر الحاضرون عن فخرهم، من خلال رفع مئات الأعلام الجزائرية، وإطلاق الزغاريد والهتافات الشهيرة "وان، تو، ثري، فيفا لالجيري!"، في وقت تتعرض الجزائر لحملات إعلامية من اليمين المتطرف في فرنسا. وقد ارتدت الفنانات المشاركات في الحفل أزياء تقليدية جزائرية، مثل "البلوزة" الوهرانية وأزياء الاحتفالات من شرق الجزائر الكبير، مع ارتداء مجوهرات كـ"خيط الروح"، احتفاءً بالتراث الجزائري الأصيل.

شهد الحفل حضورا كبيرا من الجالية الجزائرية بفرنسا، بما في ذلك عدد من الشخصيات البارزة في مجالات الفن والرياضة والتمثيل. هذه المشاركة المكثفة، أكدت على الروابط المتينة التي تجمع الجزائريين المغتربين بثقافتهم الأم.

وتولى البروفيسور فيصل صاحبي، أحد المساهمين في إدراج "الراي" ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لـ«اليونسكو"، الإشراف على الإدارة الفنية للحدث. من خلال رؤيته الفنية متميزة، صُمم العرض ليكون رحلة استكشافية نحو أصول "الراي" وتطوره عبر العقود.

وبالتعاون الوثيق مع المايسترو أمين دهان، قائد الأوركسترا ومنتج موسيقي للحفل، قدم فريق مكون من 14 موسيقيا، تجربة أدائية فريدة، جمع الأداء بين الآلات الموسيقية التقليدية والحديثة، ما أبرز غنى وتنوع الألحان التي شكلت هوية "الراي" عبر الزمن.

في ختام السهرة، وبعد أكثر من ثلاث ساعات من العروض المتواصلة، التي عاش فيها 4000 متفرج تفاصيل تاريخ "الراي" الجزائري، اجتمع الفنانون الاثنا عشر، المشاركون في صورة جماعية، وهم يرفعون العلم الجزائري بفخر واتحاد. ولم تتوقف الاحتفالات عند هذا الحد، إذ تم الإعلان عن جولة فنية جديدة، ستأخذ "راي نايشن" إلى العديد من المدن الجزائرية والأوروبية والعربية، مواصلة بذلك مهمتها في إبراز التراث الموسيقي الجزائري.

أكدت "راي نايشن" على حيوية وتطور موسيقى الراي، مع التأكيد على ارتباط هذا الفن الوثيق بالهوية الجزائرية. لقد أثبت الحدث أن "الراي" ليس مجرد لون موسيقي، بل هو أداة لنقل الهوية، وتعزيز الروابط بين الأجيال عبر قيم المشاركة والتواصل.