ندوة الصوفية إرث حضاري ومقاومة

رفع لواء الجهاد وتعزيز مقومات الوحدة والهوية

رفع لواء الجهاد وتعزيز مقومات الوحدة والهوية
  • 122
مريم. ن مريم. ن

ربطت "ندوة الصوفية إرث حضاري ومقاومة" بالصالون الدولي للكتاب، أوّل أمس، بين الزوايا وحركة المقاومة التي تعدّدت أوجهها حسب الزمن والمكان، وكيف استطاعت الزوايا أن تكون الحصن الحافظ للأوطان والمجتمعات خاصة في زمن الاستعمار الذي دخل القارة السمراء، وعاث فيها فسادا.

تناولت الندوة أهم الطرق الصوفية في إفريقيا ذات المنشأ الجزائري منها التجانية والرحمانية والقادرية والشيخية والزيانية والهبرية والرقانية والعزوزية وغيرها، وعرض الدكتور رشيد بوسعادة المختص في علم الاجتماع والانثروبولوجيا إشكالية التصوّف في تصور علماء الاجتماع، مؤكّدا أنّ هذا العلم له الكثير من النظريات والمقاربات منها العقلية والتجريبية الميدانية والمنهجية، ذكر منها مقاربة القلب ودوره في حياة الإنسان، علما أنّ علماء الطب اليوم أثبتوا نظرية القلب وأنه هو من يتحكّم في الإنسان.

طرح المتحدّث "إشكالية الزوايا في المجتمع الجزائري" من خلال مقاربة سيوسيو-أنثروبولوجية، معتبرا أنّ مجتمع الزوايا الذي أنتج تراثا فكريا علميا دقيقا ومعقّدا، يحتاج إلى أدوات منهجية صائبة تعكس مضمون هذا الفكر، وعليه فإنّ أيّ دراسة للمجتمع الجزائري لابدّ أن تعود إلى مجتمع الزوايا، التي هي، حسبه، أكبر من حزب وأصغر من دولة وهي ذات نظام ملتزم يكفل التربية والتعليم والاستقرار الاجتماعي، مؤكّدا أنّ كلّ الثورات عندنا كان وراءها الزوايا وذلك إلى آخر مقاومة سنة 1916(معركة البشير بن الحاج الرحمانية). اعتبر الدكتور رشيد بوسعادة أنّ التصوّف نظام حياة أساسه روحي يربط بين الجانب الملموس الدنيوي والعالم الروحي، يتميّز بالتسامح، مبيّنا دور الزوايا كمؤسسات دينية دافعت عن الجزائر من خلال المقاومات الشعبية.

أما الأستاذ خضر عبد الباقي محمد من النيجر، مدير المركز النيجيري للبحوث العربية، فذكر أنّ فكر الزوايا تغلغل في العمق الإفريقي منذ القرن الـ15 خاصة في غرب إفريقيا، علما أنّ من بين أسباب هذا الانتشار هو الارتباط بالغيبيات وكذا إتباع الناس أعيانهم الذين اعتنقوا الصوفية.
في إفريقيا، كما يضيف المتحدث النيجيري، فإنّ الصوفية ارتبطت أكثر مع القيم والمثل والأخلاق في بعدها الفرداني ولم ترتبط بأيّ منحى سياسي واقتصر مفهومها على جهاد النفس وكفى، بينما التيار المقاوم المتمثّل في الزاوية السنوسية بليبيا وكذا في التجانية بغرب افريقيا (بوركينافاسو)، فعّل مفهوم المقاومة، فيما هناك تيار آخر براغماتي يدعو للمقاومة، حسب المرحلة والمتغيرات والظروف (حرب، تسوية، مهادنة)، وقال المتحدث إنّ رجال التصوّف كانوا لا يقربون السياسة باعتبارها عملا نجسا، لكن بعدها تغيّر الحال وأصبحت مناهضة للاستعمار وحامية للأقليات المسلمة ومقاومة لحملات التنصير، لترتبط أكثر بعدها في المقاومة الثقافية.

بدوره، تحدّث الدكتور عبد المنعم قاسمي من جامعة ورقلة عن زاوية الهامل وعن لالة زينب التي جابهت المستعمر وأبطلت مخطّطاته بالمنطقة، مؤكّدا أنّ العديد من الدراسات أجريت حول نضالها في أمريكا وأوروبا ولا تزال حتى هذه الأيام، كما قال إنّ هذه الزاوية كانت الأغنى ماليا في الجزائر حتى نهاية القرن الـ19 م، ودعا أيضا إلى التفريق بين المدرسة وبين الزاوية. أما المؤرّخ محند أرزقي فراد فتحدّث عن "دور الطريقة الرحمانية في مواجهة الاستعمار بمنطقة زواوة، وترسّخ تراثها باللسان الأمازيغي الذي ظلّ محفوظا في المدائح والأشعار (قصائد صوفية) التي تؤدى في كلّ مناسبة اجتماعية.

عن زواوة، قال إنّها مربوطة بالجهاد منذ أن نزل المستعمر بسيدي فرج، حيث شارك منها 25 ألف مقاتل في معركة سطوالي أي بنسبة 50 بالمائة من القوات غير النظامية للداي حسين، مستشهدا أيضا بكتابات "جوزيف نيل روبان" الخاصة بالفترة ما بين 1830و1838 حيث سرد بالتفصيل زوايا زواوة وكذا "ثيمعمرث" التي هي المؤسّسة التعليمية، كما ذكر فراد أسماء لامعة من الزاوية الرحمانية بالمنطقة في القرن الـ19منها محند السعيد أثريثا ومزاعم وصديق بن عراب، وأيضا أسماء قبلها منها عيسى المنقلاتي الوحيد الذي عاصر وجادل ابن تيمية، وذكر أيضا زوايا ذات شهرة كبيرة سواها المستعمر بالأرض منها زاوية بن عبد الرحمن الجرجري التي لم يبق منها سوى شجرة زيتون يزورها الناس، ناهيك عن النهب ومصادرة الأوقاف والأراضي، ثم تأسيس مراكز للتنصير، وتوقف عمليات النفي ضد الشيوخ والمقاومين وإحراق المخطوطات، لكن الزوايا ظلت مقاومة تحمل لواء الجهاد، مستشهدا أيضا بكتاب الراحل حسين آيت أحمد في "مذكرات مناضل" حيث أكّد أنّ الزوايا فتحت أبوابها للحركة الوطنية ذاكرا اسم الشيخ طاهر أوعيسى من تقزيرت الذي أعدمته فرنسا رميا بالرصاص وهو يصلي سنة 1956.

تدخل أيضا عبد المهيمن محمد الأمين، رئيس جامعة المغيلي الأهلية بالنيجر، ليتحدّث عن ارتباط الصوفية في افريقيا بالزهد، وأثر الطرق والزوايا في شمال إفريقيا في وجود هذا التصوّف في القارة السمراء منها الطريقة التجانية باعتبارها أكثر حضورا وبساطة في أفكارها، ثم أصبح هذا التصوّف مع الزمن يأخذ بعدا سياسيا وثقافيا، ذاكرا زيارة الإمام المغيلي إلى النيجر ومكوثه في "تقد"، مؤكّدا أنّه قل ما توجد مدينة في النيجر ليس فيها زاوية تجانية، أما في مدن الشمال فهناك القادرية التي حاربت بدورها المستعمر وعزّزت التعليم الحرّ وساهمت في الوحدة الوطنية وفض النزاعات.