لميس سعيدي ضيفة مهرجان الأدب المتوسطي بمالطا

ركن للشعر وآخر للترجمة

ركن للشعر وآخر للترجمة
الشاعرة لميس سعيدي
  • 457
مريم. ن مريم. ن

قرأت الشاعرة لميس سعيدي، مؤخّرا، قصائد من ديوانها "كقزم يتقدّم ببطء داخل الأسطورة" (الصادر عن دار العين2019)، بخمس لغات (العربية، المالطية، الإسبانية، الأوكرانية والإيطالية)، ضمن حضورها حاليا في فعاليات الدورة 17  من  مهرجان الأدب المتوسطي بمالطا. أنجزت الترجمات وقرأتها مجموعة من الشعراء الرائعين الذين قالت لميس سعيدي إنّها تشرّفت بالمشاركة معهم في المهرجان وفي ورشة الترجمة التي نُظّمت على هامشه، وكان من هؤلاء الكتاب المالطيين أدريان غريما، أنطوانيت بُرج، ألكس فروجة، والكاتب الإسباني خاكوبو بارغارتْسي، والشاعرة الأوكرانية يوليا موزاكوفسكا والشاعر الإيطالي كلاوديو بوتساني .

وأبرزت سعيدي في ديوانها "كقزم يتقدّم ببطء داخل الأسطورة" مشاهدات لمدينة يلتهمها النسيان، علما أنّ كتابة هذا الديوان انطلقت من مكان طفولتها، تحديدا حين عادت إلى العيش في شقتها القديمة في حي "تيليملي" بالعاصمة، وإن كانت طفولتها تتوزّع على أماكن ومدن كثيرة بحكم عمل والدها، إلاّ أنّ مكان الولادة الأولى ترك تلك الآثار الهشة والقوية في آن واحد لتجد طريق البيت. وحين أعادت اكتشاف هذا المشهد بعد سنوات طويلة، رأت أنّه يحمل ملامح مختلفة ومتناقضة لهذه المدينة، انطلاقا من أحياء كولونيالية قديمة آيلة للاختفاء، مروراً بالميناء وصولا إلى "الأعالي" حيث "مقام الشهيد".

وتبدو البنايات بيضاء وجديدة فقط، حسب الكاتبة، لأنّ ملامحها بعيدة وتغطّيها خضرة الغابات، دون أن تنسى الضاحية الشرقية التي تبدو في آخرها سكة الحديد كسحاب البنطلون، هذا المشهد جعلها تستوعب تفاصيل كثيرة من تكوينها الداخلي، هذا الداخل الذي هو مزيج من كتب قديمة يحطّ عليها الغبار طويلا حتى يصبح جزءا منها، ومن مدينة كأنّها تختفي تارة في الأحياء القديمة، ثم تظهر مجدّدا من خلال أحياء جديدة، ثم البحر الذي يبدو من خلال انحناءة الميناء، محني الظهر وهو يحمل مدينة بأكملها.

للإشارة، قدمت لميس سعيدي أيضا خلال فعاليات هذا المهرجان الدولي قراءة لمقطع من ترجمتها لأحد نصوص الكاتب المالطي ألكس فروجة، علما أنّ النصّ هو جزء من مجموعة قصصية أصدرها هذا الكاتب في سنة 2019، بعنوان "لمجد الوطن" يسرد فيها من خلال 20 نصّا قصصيا، حكايات خيالية عن تاريخ مالطا، منذ العصور القديمة حتى اليوم، بأسلوب ساخر وأحيانا تراجيدي، يفكِّك من خلالها ما يعرف بالحقائق التاريخية ويحوِّلها إلى أساطير، الأساطير التي تصنع أيضا الأوبئة، تحديدا وباء النقاء العرقي والتفوّق الحضاري. كما شاركت لميس سعيدي في تنشيط ندوة فكرية عن "تأثير الصراعات على الأدب واللغة"، نظّمت في إطار فعاليات المهرجان، بمشاركة الشاعرة الأوكرانية يوليا موزاكوفسكا والكاتب المالطي أدريان غريما.

وطرحت الندوة تساؤلات جوهرية منها "هل يتحوّل الشعر إلى ذاكرة موازية؟"، و"كيف يصنع الأدب سردية تاريخية وثقافية وسياسية بديلة؟" و"كيف نتعامل مع الإرث اللغوي الاستعماري؟". كان من أبرز الحاضرين الشاعر المالطي أدريان غريما، وهو أحد أبرز روّاد الحركة الشعرية والثقافية الحديثة في مالطا، وأحد أكبر المدافعين عن حقوق الإنسان والمهاجرين وقضاياهم الدينية والمدنية،  وهو أيضا من الأكاديميين القلائل المنادين بإعادة إحياء اللغة المالطية التي لا تبتعد بشقها السّامي كثيرا عن العربية، بل إنّ قلب اللغة المالطية ما زال محتفظا بعربية أصيلة فريدة.

وتزخر المسيرة الأدبية للشاعر والكاتب المالطي أدريان كريما بالعديد من المؤلفات الشعرية والدراسات النقدية، وشارك في الكثير من المؤتمرات والمهرجانات الأدبية في عديد البلدان العربية والمتوسطية. للإشارة، يرى بعض النقّاد أنّ مالطا ولغتها وأدبها لم تحظ بالاهتمام الكافي في المحيط الثقافي والأدبي العربي، رغم فرادة لغتها وتفرّدها في القدرة على إضاءة العديد من أصول المفردات العربية لا سيما الصوتية منها الموغلة في القدم.