الفنان التشكيلي عمر سعد لـ"المساء":
سؤال واحد أعادني إلى رسم تراث منطقة القبائل

- 282

عاد الفنان التشكيلي عمر سعد، هذه المرة، ليطلّ على جمهوره من خلال معرض فني استثنائي، خصَّص فيه العديد من لوحاته الجديدة، لمنطقة القبائل التي ينحدر منها. معرض يختصر في لوحاته حنينه، وذاكرته، وانتماءه بعد غياب دام أكثر من خمسة عشر عاما عن تناول مواضيع متّصلة بالتراث القبائلي رغم قربه منه وجدانيّاً وثقافياً.
في حوار خصّ به "المساء"، تحدّث عمر سعد عن دوافع تنظيمه هذا المعرض، واختياراته الفنية، والتقنيات التي استخدمها، قائلًا إنّ شرارة العودة إلى القبائل انطلقت من موقف بسيط لكنّه مؤثر، حين خاطبته إحدى زائرات معرضه السابق في رواق "محمد راسم" قائلة: "أين هي أعمالك عن بلاد القبائل؟"، سؤال استوقفه طويلًا، وأثار داخله تساؤلات عن ابتعاده الطويل عن ذاكرته البصرية القديمة، فكان القرار بأن يحمل فرشاته، ويعود إلى التراث القبائلي.
ويعرض الفنان في هذا المعرض الموسوم بـ«روح الأماكن" ، العديد من اللوحات الجديدة، رسم معظمها بتقنية الأكريليك، وهي التقنية التي يرى فيها المرونة، وسرعة الإنجاز رغم اشتغاله أحيانا على بعض الأعمال باستخدام الرسم الزيتي. لكن تفضيله للأكريليك يعود إلى كونها أقلّ تكلفة، وأسرع جفافا، وتسمح بإعادة الاشتغال على الطبقات اللونية بسهولة. "لوحة واحدة بالألوان الزيتية قد تأخذ مني أسبوعا، في حين تمنحني الأكريليك حيوية أسرع"، يوضّح الفنان.
ودائما مع تقنية الأكريليك، استعمل الفنان في لوحة "مشبك أزرق" أقلاما خاصة لرسم النتوءات؛ حتى تظهر تفاصيل الحلي بشكل جليّ. كما استخدم في لوحة "واحة جانت" ، عدّة طبقات من الألوان قد تصل إلى العشر؛ بهدف تسليط الضوء على هذا المنظر الطبيعي.
ورسم سعد لوحات عن التراث القبائلي المادي وغير المادي، مثل اللوحات الخمس التي رسمها عن الحليّ في منطقة القبائل، بعض منها انطلاقا من الذاكرة، وأحيانا من حليّ حقيقية وضعها أمامه، وكذا مناظر طبيعية تستعيد مشاهد من قرية والدته "تيزي هيبل" ، وأخرى من محض خياله، بل من ذاكرته، التي تشكّلت من سفرياته المتعدّدة مع والده إلى منطقة القبائل.
ولم تقتصر أعمال عمر سعد في المعرض على منطقة القبائل فقط، بل امتدت لتشمل فضاءات أخرى من الجزائر، بين البحر، والصحراء، والجبل والمدينة. ففي لوحات البحر يعود سعد إلى منطقة بولوغين، حيث عاش جزءا كبيرا من طفولته في بيت أخته الكبرى، ليعيد عرض هذه اللوحات في هذه الفعالية، مثل لوحة "الموجة" التي رسم فيها هيجان البحر، ولوحة "الوحيد" التي رسم فيها رجلا يتقاسم وحدته مع بحر، وشمس توشك على المغيب.
أما الجنوب فقد أسر قلبه، خاصة جانت التي زارها ووصفها بـ "سحر لا يُوصف"، مشيرا إلى أنّه التقط صورا كثيرة في زيارته التي تُعدّ الأولى من نوعها، استوحى منها لوحات عكست انبهاره بجمال المكان.
إحدى أبرز هذه اللوحات تُظهر فارسا يعتلي جملاً في عمق الصحراء، يفيض فخرا، يوجّه الجمل بثقة، ولا يهتم بسماجته، في تجسيد رمزي للعلاقة بين الإنسان والصحراء، بين السيطرة والطبيعة. وقد سبق له أيضا زيارة مناطق مثل تاغيت ومنيعة، لكنها – كما يقول – "لم تترك في نفسي ما تركته جانت".
هناك أيضا لوحات غروب الشمس، ومناظر من غرداية، تخيّل فيها الماضي الجميل، قبل أن تتحوّل الساحات إلى أسواق.
ومن أكثر لوحاته الشخصية تأثيرا، تلك التي تناول فيها أبواب القصبة، خاصة بابا استوحاه من أحد الأزقة القديمة؛ حيث كانت توجد عيادة لطبيب يُدعى مباركي. ويصف عمر سعد الطبيب الراحل بأنّه "رجل محبوب، وسيم، كان يعالج الفقراء دون مقابل. وحين توفي حزن عليه كلّ سكان القصبة".
وفي لحظات الراحة، يقول عمر سعد إنّه يلوذ بالطبيعة؛ يرسمها من خياله الواسع، كما في لوحات "هروب" و«هدوء" و«بحيرة"، وهي من المواضيع التي يحبّها كثيرا، بالإضافة الى لوحة "نيلوفر" التي استلهمها من أسلوب الفنان الكبير كلود مونيه، وكذا لوحتين عن الطبيعة الصامتة.
وبالمقابل، كشف الفنان أنه يُخطّط لمشروع معرض جديد حول الفضاء والكون، لكنّه يحتاج إلى زمن طويل، وصفاء نفسي لتجسيدها على أرض الواقع قائلا: "لوحات بهذا الحجم الفكري والفني تتطلّب عاما على الأقل من التفرّغ" . ويضيف: "بعت، تقريبا، كل لوحاتي. لكن لا أدري مصير اللوحات التي أفكّر في رسمها حول الفضاء".