عرفاناً بمن سقطوا في ساحة الشرف

"شايب دزاير" تثير"الكتابة، الذاكرة، أو كيف نمجد شهداءنا"

"شايب دزاير" تثير"الكتابة، الذاكرة، أو كيف نمجد شهداءنا"
  • 342
مريم. ن مريم. ن

احتضنت مكتبة "شايب دزاير" بالجزائر العاصمة، أول أمس، بمناسبة اليوم الوطني للشهيد، ندوة بعنوان "الكتابة، الذاكرة، أو كيف نمجد شهداءنا" ، نشّطها كتّاب تناولوا تجاربهم في سرد وقائع الثورة.

أوّل المتدخّلين كان الباحث امحمد هواورة الذي استعرض كتابه "يمينة عوادي.. البطلة المنسية" ، الذي كتبت مقدّمته المجاهدة لويزة إغيل أحريز، وترجمه للعربية محمد ساري. تضمّن حياة الشهيدة يمينة عوادي (اسمها الثوري لاّلة زليخة) زوجة الشهيد الحاج أحمد عوادي، الذي سقط في ميدان الشرف في 1956 بشرشال.

 يمينة عوادي.. البطلة المنسية

كانت هذه الشهيدة مكلَّفة بتسيير خلية شرشال التابعة للتنظيم السياسي والعسكري لجيش وجبهة التحرير الوطني. عُرفت بالشجاعة التي لا مثيل لها. وحين استشهاد زوجها ذهبت إلى الضابط المسؤول عن تعذيبه لاسترداد مبلغ 300 ألف فرنك، وساعة. واستعانت بالمحامي "روك" . وعند حصولها على ما طلبت قدمته للثورة. كما سقط ابنها الحبيب في ميدان الشرف. وكان يملك محلا لتنظيف الملابس بالبليدة، وبالتالي يغيّر ثيابه لتمويل العدو. وانتقم لاستشهاد والده (رُمي من الطائرة)، فقام بعمليات بالعفرون، وموزاية، والبليدة، ولم يعرف قبره إلى اليوم.

ووصف المتحدث شجاعة الشهيدة، خاصة في عمليات التمشيط للعدو، ثم إدارتها العمليات في كوخ بجبل بضواحي شرشال. وهنا توقف الأستاذ هواورة عند شجاعة المرأة الجزائرية التي لا مثيل لها، وكيف كان يتم التجنيد، مستحضرا اسم "البية" ، وهي عرافة كان محلها قبالة الأكاديمية العسكرية الفرنسية بشرشال، وكان في المحل غرفة للشهيدة يمينة، تدير منها العمليات.

ومن الجوانب الإنسانية التي ذكرها المتحدث، تخفِّي الشهيدة، وذهابها ليلا لرؤية صغارها. ثم أسهب في الحديث عن ظروف اعتقالها منذ أن التحقت بها ابنتها خديجة بالجبل والمكوث معها 3 أيام، للاحتفال بالمولد النبوي. ثم اعتقالها في 15 أكتوبر 1957 ليقتادوها إلى ثكنة شرشال، فعذّبوها بوحشية لمدة 10 أيام. ثم نقلوها إلى المدينة كي يراها الناس وتكون عبرة لهم، لكنّها حثتهم على مواصلة الكفاح، وبصقت في وجه الضابط المسؤول، ليقول إنّه تم رميها من الطائرة بعد أن تم التنكيل بجثتها في مرتفعات بلدية مناصر بالقرب من شرشال، علما أنّ رواية أخرى تقول إنّها استشهدت تحت التعذيب.   

وأشار الكاتب إلى أنّه جمع الشهادات ممن عرفوها وكذا من ابنتها الراحلة السيدة خديجة، مستحضرا، بالمناسبة، الأديبة آسيا جبار، التي كتبت عن يمينة عوادي مؤلَّفا عنوانه "امرأة بلا قبر" ؛ إحياء لبطولتها، علما أن الشهيدة كانت تسكن غير بعيد عن جدَّي الراحلة آسيا جبار بشرشال.

فجر الشجعان وثق شهداء معركة الجزائر

تدخّل بعدها المجاهد (فدائي بالمنطقة الحرة) أرزقي آيت ميمون، ليقرأ صفحات من كتابه "فجر الشجعان" ، الذي قال إنّه تكريم لمن سقطوا في ساحة الشرف، ولمن قطعت المقصلة رؤوسهم وهم في سن الزهور، مؤكدا أنّ غلاف كتابه يحمل 5 صور لبعض هؤلاء الشهداء الذين عرفهم، وعمل مع بعضهم، وكان أصغرهم بوعلام رحال، الذي أُعدم بعد قضية قنبلة ملعب العناصر.

وتوقف كثيرا عند بطولات الشهداء بولمين محمد، وسعيد تواتي، وردي احميدة، متأثرا، أيضا، بشجاعة الشهيدة باية حسين، التي اعتُقل معها ومع باقي الزملاء، وكيف جادلت الضابط قائلة له: "احترمني؛ فأنا مناضلة في جبهة التحرير" . ثم رفضت الخبز، وطلبت مكانا محترما للنوم بدل الأرض. وقالت لجلاديها: "أنا لم أندم على ما فعلت، ومستعدة لإعادة الكرّة (أي وضع القنابل)؛ فأنتم ترمون بقنابلكم على الأبرياء من شعبنا الأعزل! ". وتناول المتحدث، أيضا، نضال بن حميدة آخر مسؤول في معركة الجزائر. ثم صعود كوكبة من شباب ما بعد معركة الجزائر، قرروا الانتقام لذويهم من الشعب الذي عُذب وقُتل خلال هذه الفترة. 

ومن الأسماء التي ذكرها الشهداء عبازة بوعلام، وخليفة بوخالفة الذي قاوم في اشتباك مسلح بـ«ميسونيي" لمدة 7 ساعات كاملة، ثم استشهد، وبن شيحة الذي سقط في حي "فوبون" . وانتقمت فرنسا بإخراج أبرياء من حمّام عمومي وقتلهم رميا بالرصاص، وحاليا يسمى هذا المكان "المعدومين" ، وسعيداني محمد الصغير. كما ذكر شهداء آخرين سقطوا والسلاح في أيديهم، منهم حاجي عثمان، ودبيح الشريف، وبن حفيظ نور الدين، وزهية حميطوش، الذين قُتلوا على يدي بيجار الذي حاصرهم ولم يستسلموا، مع ذكر الخائن شعبان الذي كان له دور في كشف فدائيّي معركة الجزائر.

الرواية التاريخية تفصيل ليوميات الناس إبان الثورة

بدوره، تحدّث الروائي محمد ساري عن أشكال الكتابة التاريخية. فالمؤرّخ يهتم بالتواريخ، والأماكن، والأحداث والشخصيات. أما الذاكرة فتروي تفاصيل إنسانية، ويوميات الناس في الثورة، متوقفا عند روايته "نيران وادي عيزر" الذي يتحدث عن الإبادة الفرنسية للجزائريين بالنابالم، وتهجيرهم الجماعي في السنوات الأخيرة للثورة التحريرية، والزج بهم في المحتشدات، أو دفعهم نحو المدن، كما كانت الحال مع عائلته، وظروف التهجير القاسية عبر المسالك الوعرة وبرودة الشتاء التي أدت إلى موت أخيه الصغير وهو على ظهر أمه. كما يتناول مسيرة والده المسؤول في الثورة، ووادي عيزر الذي يسقط فيه الشهداء.

وتناول الروائي، أيضا، الأعمال التي ترجمها؛ منها مذكرات زهرة ظريف، مؤكدا أنه كان يترجم بمعدل 12 ساعة يوميا من شهر جانفي حتى جوان. وكان يحس بالمتعة والذهول أمام تضحيات جيل الثورة. وكذلك مذكرات عبد الحميد قرفي الذي كان خلال الثورة يؤدي دورين؛ يعيش مع الفرنسيين نهارا، ويكون فدائيا في الليل؛ لتصفية الضباط والخونة. وأكد المتحدث أن كتابة الرواية التاريخية تعتمد على الشهادات والأحداث أيضا. وهي تقدم تفاصيل لا تشد المؤرخ، تعتمد على يوميات الناس وأحوالهم.