"صدى الملامح" برواق الفنون "محمد تمام"

شخوص وأحداث ممتدة عبر الذاكرة

شخوص وأحداث ممتدة عبر الذاكرة
  • 273
مريم. ن  مريم. ن 

أُسدل الستار برواق "محمد تمام" على معرض "صدى الملامح" للفنان الشاب نسيم أوزو، الذي اختار تشكيلة من لوحاته المعتمدة على الشخوص والأحداث، تعبّر عن العلاقة بين الإنسان والحياة، في جدال مفتوح يمتدّ لأسوار عاتية من الميتافيزيقا، وجانب آخر رسمه التاريخ على وجوه صنّاعه.

قدّم الفنان نسيم العصامي في تكوينه، باقة من اللوحات جلّها بالأبيض والأسود، خاصة تلك التي تعكس جانبا من ذاكرة الجزائر الفنية والثورية، حيث كان التعاطي معها بالغ الإحساس والحذر أيضا؛ كي لا يتم تشويه الشخوص ولا الأحداث، لكن ذلك لم يُلغ بصمة الفنان، التي تجعل للوحة روحا وحركة لا نجدها في الصورة الفتوغرافية التي اعتمدتها اللوحات. وتتجلى في المعرض قضية الإنسان كمخلوق راق، يبقى أثره رغم الرحيل، ليبني الوعي ويذكّر بما كان. وفي ذلك تعبير اعتمد الواقعية والانطباعية الحديثة والتجريد والسريالية معا. 

ما يلاحَظ في لوحات الفنان نسيم هو ذلك الترتيب في الشكل والمضمون للوحاته؛ كي تتجلى الفكرة العامة للعمل، ولا يضيع موضوعها بين زحمة التفاصيل، ولا فوضى الألوان. وغالبا ما تكون اللقطة البصرية الأولى للزائر هي الفاعل الأوّل الموجّه للذاكرة والإحساس معا.

المعرض في عمومه عودة للماضي الجميل وما فيه من هوية ووطنية وذكريات لم تعد كائنة، علما أنّ تلك الأعمال ليست استنساخا للماضي بقدر ما هي ترسيخ له، وعرفان لهؤلاء الذين عبَروا من خلاله إلى الوجدان الجمعي للجزائريين دون استثناء.

توظيف تشكيلي للماضي

وظّف الفنان هذا الماضي تشكيليا برؤيته الفنية الفتية، المعبّرة عن جيل اليوم، الذي يحب أن يكتشف ذلك الماضي، ويعيد الفرجة من جديد؛ عله يكتشف ذاته، لينطلق بها نحو تجارب مستقبلية، وبالتالي يتحقّق الامتداد في ملحمة أزلية.

نجح الفنان نسيم في هذا الابتكار إلى حدّ بعيد؛ فرغم أنّه صوّر مشاهد مألوفة للجزائريين، إلا أنّه تجنّب التكرار، وبسّط التقنيات حتى لا تكون على حساب الأصل؛ فهو، مثلا، في لوحة رسم مشهدا سينمائيا من فيلم "معركة الجزائر" ، يصوّر لحظات قبيل تفجير مخبأ الأبطال وهم حسيبة بن بوعلي وعلي لابوانت وعمر ياسف ومحمود بوحميدي. ورغم أنّ اللوحة بالأبيض والأسود وكأنّها أرشيف، إلا أن الحياة فيها قائمة، حيث يظهر هؤلاء بكامل القوّة والإيمان رغم ظلمة المخبأ. 

وكذلك في لوحة مظاهرات القصبة وخروج الحشود في وجه المستعمر وصولا إلى حاملات القنابل، اللواتي كن يتلقين التعليمات من ياسف سعدي ومن طالب عبد الرحمن، ويخرجن لمصيرهن، لتبدو اللوحة وكأنّها تصوير مباشر من الكاميرا من فرط إتقانها.

وتعمّد الفنان في نفس اللوحة رسم العلم الوطني بالألوان؛ كدليل على بقائه وحياته رغم رحيل هؤلاء؛ ما يوحي بالتضحية المكلَّلة بالنصر.

كما تجنّب الفنان الرموز الجاهزة في التعبير، خاصة تلك التي لا تحمل روحا ولا معنى عميقا، بل التزم بإعطاء كلّ مشهد الروح التي تناسبه، مع لمسة من التجديد التي تعكس الماضي برؤية الحاضر. 

بورتريهات من الزمن الجميل

يلتفت بعدها الفنان إلى بورتريهات قامات ومعالم من الثقافة والفن الجزائري، يتقدّمهم الحاج العنقى، ثم دحمان الحراشي ورويشد، إلى سيد أحمد أقومي الذي رسمه بالألوان؛ ربّما لأنّه مايزال بيننا يُرزق، لكنّه تفنّن في إظهار تقاسيم وجهه، وخطوطه التي حفرتها سنوات العمر المتقدّم.

واستعمل الفنان في لوحات أخرى الألوان الحارة، منها الأزرق والأصفر والأخضر، تختلف في دلالاتها الرمزية، وتتباين في تعبيراتها، مع توظيف الشخوص والملامح؛ في متعة بصرية خلابة يفرض حضورها نفسه، بعضها تطغى عليه الأنفة، وتكاد بعض الشخوص وكأنّها تدير وجهها تفاديا للاحتكاك البصري مع الزائر، ثم بورتريهات أخرى ملوّنة لكائنات مختلفة، منها الكلاب والنباتات المتوحّشة المفترسة وغيرها، لكلّ منها رمزيتها، وملامحها المختلفة.