واسيني الأعرج ضيف معرض الكتاب العربي
شواهد عن الأمير ومي...وحيزية في الطريق
![شواهد عن الأمير ومي...وحيزية في الطريق](/dz/media/k2/items/cache/a0096c7bded0b8be57dabab73d340296_XL.jpg)
- 731
![مريم.ن](/dz/components/com_k2/images/placeholder/user.png)
تحدث الروائي واسيني الأعرج عند نزوله، أول أمس، ضيفا على معرض الكتاب العربي بقصر الثقافة، ضمن جلسة فكرية بعنوان "الرواية بوصفها بحثا إبداعيا"، عن مشروعه الجديد "حيزية"، الذي لم يكتمل بعد، رغم رحلة البحث التي قادته إلى منطقة بسكرة، تماما كما كان الحال قبلها مع روايات تاريخية أخرى، حققت التميز وكشفت المستور في خبايا التاريخ ما حول مسرى السرد.
قال واسيني، إنه يشتغل على روايته "حيزية"، وأجرى بحثه من خلال تنقله لمسقط رأسها، وهناك قابل عجوزا ذات 96 عاما، غيرت نظرته لهذه القصة الشعبية، علما أن واسيني لم يكن مقتنعا بما ألف سماعه عن حيزية، فلقد كانت فارسة ومن عائلة ثورية في منطقة الزيبان، أما سعيد فكان موظفا في الإدارة الفرنسية، وقيل إنه تزوجها، وبعد موتها حكى لبن قيطون الشاعر ما عاشه مع حبيبته، لكن المنطق يقول، إن لا رجلا يحكي حميمياته مع زوجته لبن قيطون، خاصة في تلك الفترة، مما يعني أن القصة غامضة، وربما كان بن قيطون هو حبيب حيزية، والدليل القصيدة الجنائزية التي كتبها بهذا العمق، علما أنه كان فارسا ومقربا من عائلة حيزية، وما ذكرته العجوز أن حيزية قتلت من طرف نسوة عائلتها، كي لا تظهر علاقتها الحميمية مع بن قيطون، علما أن 5 أبيات تم حذفها، نتيجة مجونها، ليسجلها سنة 1899، الفرنسي صمويل في مجلة الدراسات الشرقية، ثم دونت القصيدة كاملة سنة 1904 من طرف نفس الشخص، وبعدها في 1907 مات بن قيطون، كل تلك المعلومات وغيرها قد تغير قصة حيزية، وربما تقلب المواجع وتثير الجدل، الأمر الذي يتجنبه حاليا واسيني.
الرواية العربية لم تبدأ مع "زينب"
أشار واسيني إلى أن الإبداع يكمن في قوة الاستكشاف، ويتطلب الكثير من البحث والتنقيب، والرواية التاريخية ـ حسبه- لا بد أن يكون لها بعد درامي، والروائي له حجة المخيال، ويقول ما يريده ولا يحاسب كما يحاسب المؤرخ. مضيفا أنه تأثر في حياته الإبداعية بنصين هما؛ "دون كيشوت" لسيرفانتس و"ألف ليلة وليلة"، ففي القصة الأولى يظهر انهيار المرجعية الكنائسية والتأثر بالنموذج الأندلسي، ثم السخرية من العالم الغربي المتعصب ومن الذات، وهو ما تجلى في محاربة طواحين الهواء وإدانة محاكم التفتيش، ثم كان التلاقي مع الآخر، من خلال العلاقة مع حسن آغا فظهر في رواية دونكيشوت 3 فصول عن جزائر القرن الـ17، وليدافع أيضا عن الموريسكيين وغيرها من التفاصيل المدهشة. ورواية "ألف ليلة وليلة" هي الأخرى تحمل عمقا ثقافيا مشتركا، حقق طفرة في السرد ووقع بعدها أثره على رواد الرواية الفرنسيين.
بالنسبة لتراثنا العربي الذي كان رائدا على المستوى الإنساني، فقد بقي مهمشا من أهله، واستبدلوه بكل ما هو غربي، بالتالي لا هم أصبحوا غربيين ولا عربا فحصلت القطيعة، ليؤكد المحاضر أن الرواية العربية لم تبدأ مع "زينب" لحسنين هيكل سنة 1913، بل عرفت قبلها بقرون، وعلى الأقل بألف سنة مع "رحلة بن جبير" و"ألف ليلة وليلة" و"ابن يقظان" وكتابات ابن خلدون وغيرها كثير، مضيفا أن هذه القطيعة دمرت الكيانات الثقافية العربية، وتم اجتثاثها لتبني ثقافة السيد، وهكذا وضع تراث ألف عام على الأقل في القمامة، بينما الشعوب الأخرى اليوم، تستثمر في ثقافتها كحال مركيز صاحب "نوبل"، الذي لا يستحي بخصوصيته ويمارسها في إبداعه، وكعنصر بنيوي في السرد، وهنا قال واسيني "نحن العرب لو استثمرنا في ثقافة الجن فقط، ونمارسها ثقافيا، لكان العجب".
للإشارة، أسهب الروائي في الحديث عن رواياته، خاصة التاريخية منها، وبالمناسبة، عبر عن سعادته لتحويل روايته مي زيادة لمسلسل (أمضى العقود منذ عام)، علما أن له 7 أعمال ترجمت مسرحيا، كما تفاءل بالفنانة منة شلبي التي رآها الأنسب للدور، وذكر بعض الشخصيات التي لم يسلط عليها الضوء، منها شخصية مصطفى صادق الرافعي الذي عشق مي، وقد قالت حفيدته لواسيني "شكرا لقد أعطيته حقه".
تطرق واسيني للموت، وهل هو هزيمة، ليؤكد أن الكتابة نوع من الانتصار عليه، وتجاوزه كما كان الحال في "كورونا" وفي العشرية السوداء، بمعنى أن الكتابة كانت وسيلة للحياة، فمثلا رواية "سيدة المقام" كتبت في عز زمن الإرهاب، وكان واسيني يتفادى أي خطر، خوفا على حياته وحرصا على إنهاء الرواية، وعندما انتهت كان الانتصار، كذلك مع "كورونا"، عندما كتب عن الطبيبات اللواتي وقفن في وجه الوباء، ومنهن من منحت الحياة لتموت هي كطبيبة سطيف، وجاءت "ليليات رمادة" مؤنسة ومقاومة، تنقل الحياة للقارئ من خلال التفاؤل وتخرجه من الظلمة إلى الحلم.
علاقة بالمكان وبالأمير ومي زيادة
كما قال واسيني، إن ما دفعه للكتابة عن مي ومأساتها، هو عبارة كتبتها قبل موتها، تقول "أتمنى أن يأتي بعدي من ينصفني"، فراح يبحث عن مأساتها في أمكنتها بفلسطين ولبنان، ووجد حبيبها الحقيقي جوزيف الذي دمرها، ووجد بيتها بالناصرة ووقف على شرفتها التي تطل على أكبر كنيسة في الشرق، هي كنيسة بشارة، وقبلها الجامع الأبيض، مما ولد فيها التسامح وحب الأديان، وزار قريتها بضيعة شجتول، مما أكسبها نصوصها الغنائية، ثم زار "العصفورية" ببيروت (مصحة الأمراض العقلية)، التي اشتراها الحريري وصدته الحركات الاجتماعية، بالتالي جاءت الرواية من أرض الواقع، وكذلك الحال مع الأمير عبد القادر، حين زار واسيني قصر لومبواز وأحس بالبرد، وتحسس روائح العفن التي كتب عنها الأمير السجين، ومات منها أهله المدفونون بالقصر، وكلها آثار تتحرك وتحكي وتتغلغل إلى السرد دون استئذان.
كان منشط اللقاء الدكتور مشري بن خليفة (تلميذ واسيني)، قد أحضر معه حوارا أجراه مع واسيني، نشر سنة 1986 بجريدة "المساء"، ورغم ذلك، فإن ما جاء فيه لا يزال يصلح لهذا الراهن المعاش، يحمل قيمة معرفية مستمرة، وهو ما يدل على أن واسيني لم يكن روائيا عاديا، بل هو أيضا باحث وناقد مشهود له.
للتذكير، شهد اللقاء حضورا مكثفا، ودام النقاش لساعات، كان فيها الضيف مسترسلا ومتجاوبا وقريبا من قرائه وتلاميذه، الذين قدموا لتحيته والتحدث معه من عدة ولايات.