بحري يكتب عن حمار الدراما ويؤكّد:

ضرورة الخروج من المواضيع النمطية لمنجزات الدراما الجزائرية

ضرورة الخروج من المواضيع النمطية لمنجزات الدراما الجزائرية
الناقد والأستاذ الجامعي محمد الأمين بحري
  • القراءات: 796
 لطيفة داريب لطيفة داريب

دعا الناقد والأستاذ الجامعي محمد الأمين بحري في مقال مطول كتبه في صفحته الفايسبوكية، صانعي الدراما الجزائرية التي عُرضت في شهر رمضان، إلى الخروج من أسوار قصورهم وفيلاتهم وشركاتهم السيليكونية، أو، على الأقل، التخلي ولو قليلا عنها؛ فلربما وجدوا الدراما الحقيقية التي تلامس أرض الجماهير التي يتجهون إليها.

بحري في مقاله الذي عنونه بـ "حمار الدراما.. أو موضوع من لا موضوع له"، أضاف: "إن شئتم فاخرجوا من شهر رمضان، وقدّموا عملاً غير موسمي؛ فالجمهور يمتلك تلفازا في بقية الشهور، والكثير منهم يستطيعون مشاهدة اليوتيوب على هواتفهم؛ عسى أن يفهموا ما تقدّمونه لهم، ويقيّموه بمواصلة الفرجة والإيجاب". وتابع مجددا: "فالعيب ليس في تناول الموضوع، بل في إظهار للمشاهد وللفنانين الصاعدين أنه لا موضوع غيره، فيكون ذلك مبرّراً لهرع جميع الكتّاب والمنتجين والمخرجين لتناوله بنفس الطريقة.. والدليل على إمكانية تغيير هذه المتلازمة، هو وجود أعمال درامية وكوميدية خرجت من هذا السجن الذي انحبست فيه الدراما الجزائرية لعقود من التوحّد والتكرار القاتل".

وفي هذا السياق، تطرّق بحري لأعمال بحث صانعوها عن موضوعات مختلفة، فكانت أكثر تفاعلاً مع الجمهور في جلسات الشارع والمواقع، والبداية مع سلسلة "بنت البلاد" للمخرج يوسف محساس، فكتب أنّ المتغيّر المختلف في هذه السلسلة هو موضوعها الدائر في المجتمع الريفي، أو بلغة أدقّ في المشاكل الاجتماعية للعائلة الريفية النووية (العائلة النووية تعني تعدّد الأسر الناشئة والملتفة حول عائلة كبرى يقودها أب واحد)، التي تجاهد نحو التماسك بينما يهدّدها الانقسام مع جراثيم الحضارة والتمدن وأمراض العصر والجريمة التي تحيط بها وتتغلغل في جسدها تدريجياً، فتبدأ السلسلة بالتماسك، وتشرع سفينتها في الغرق شيئاً فشيئاً. كما أنّ الممتع فيها هو أنّ فريق التجديف الذي يجاهد لإنقاذ سفينة العائلة من الغرق، هو نفسه من يزيدها غرقاً وتورطاً، يضيف الناقد.

وتابع: "الجديد المختلف الذي رفع أسهم هذا العمل عند الجمهور المشاهد، هو أنّ الموضوع يلامس الطبقات العميقة والشعبية للمجتمع، وهو الأصل والمنبت الطبيعي للدراما. ومما زادها اختلافاً اختيارها المجتمع الريفي تحديداً، وهو خيار استراتيجي من السيناريست أولاً، الذي لاحظ، بدون شك، الكثرة النمطية المبالغ فيها لدراما المدن والشركات، التي صارت أحمرة يركبها من هبّ ودبّ، فاتّجهت نحو الريف ومجتمع الأطراف والجزائر العميقة، وهو خيار أيّده المنتج والمخرج معاً رغم أنّ السيناريو مستنسخ من سلسلة "الزوجة الجديدة" التركية، إلاّ أن الجديد والمختلف فيه يغطي على كثير من العيوب.

والجديد المختلف الآخر هو الفريق الجديد من الممثلين؛ إذ لم تعتمد هذه السلسلة على ممثلين بارزين أو كبار في الدراما الجزائرية، بل راهنت على هواة، وحقّقت بهم الفارق والتميّز، بل والإبهار في أحيان كثيرة، وهذا جهد يعود، بالدرجة الأولى، للمخرج". أما العمل الثاني المختلف فيحمل عنوان "سبع حجرات"، وهنا كتب بحري أن من حيث الفكرة والتصوّر الأسطوري والفكرة الفلسفية أو الوجودية للعمل= الخطيئة/ التكفير/ اللعنة/ العقاب أو الجزاء، أعطى ذلك قيمة فنية بالغة لنوعية الموضوع المتناول رغم الوجود النوعي لفكرة حمار الدراما (الشركة) الذي انطلق منه العمل، وتمرجع به في صنع العقدة والحلّ والأحداث.

وبالمقابل، اعتبر بحري أنّ المتغير اللافت في الأعمال الكوميدية تمثل في سلسلة "لاكازا ديال كمال" (إخراج رفيق عني) من حيث الموضوع طبعاً، المرتكز على المجتمع الهامشي المنتقل من الريف إلى المدينة، بما يحمل من مفارقات اجتماعية، تحوّلت فنيا إلى مفارقات درامية، نجح فيها السيناريست رغم كارثة الإخراج والتركيب، أو بالأحرى التفتيت الذي أفقد الحلقات عناوينها، ومزّق خطها الدرامي. وذكر الناقد أن ما فشل فيه مخرج "لاكازا ديال كمال" نجح فيه من حيث التركيب والتقسيم الموضوعاتي مخرج السلسة الهزلية الراقصة؛ "فـالتسعين" إخراج عبد القادر جريو التي كانت مقسّمة موضوعاتياً بشكل دقيق (كلّ حلقة وموضوعها الخاص وأحياناً بضيوف خاصين بها)؛ باعتبارها سلسلة فكاهية بأسلوب نقدي ساخر لمختلف السلوكات الاجتماعية التي تجري في الأحياء الشعبية الخلفية، ومحاولة كسر الطبقية بفنون التحايل، والحذلقة التي ترسم بأسلوب كوميدي ساخر وراقص وتهريجي الطابع، محاولات الطبقات الكادحة تَسلق السلّم الاجتماعي بطرقها الملتوية حين استحالت عليها الطرق المنطقية.

وعلى الرغم مما يمكن قوله في هذا النوع، إلا أنه يُعتبر جديداً من حيث الطابع الكوميدي، والثيمة النقدية لرسالة العمل. وتناول بحري سلسلة "دقيوس ومقيوس- إخراج muhammet Guk" التي غيّرت من موضوعها، عن الموسمين السابقين بعثورها على موضوع جديد كلياً، ولكنها خرجت، من جهة أخرى، من جنس السيتكوم، لتدخل في جنس الغونيول le guignol أو المحاكاة الإسقاطية الساخرة والمباشرة لأشكال ووجوه الشخصيات التي تتمثلها، مضيفا أنه طبيعي في فن الغونيول أن يتغلب التجسيد المشخصن ويشوّش على الفرجة ومتابعة الموضوع في حد ذاته.. ومع ذلك استطاعت أن تخرج من موضوعها القديم وتبحث عن موضوع جديد.. وهذا هو المهم من الناحية التيماتولوجية على الأقل.

حمار الدراما

للإشارة، أكد بحري في مقاله "حمار الدراما.. أو موضوع من لا موضوع له"، اهتمامه الحصري بموضوع الثيمة (la thématique) دون غيرها؛ باعتبارها منطلقا وإطاراً للفعل والحدث والعلاقات الدرامية؛ أي محتوى وموضوع العمل، وليس لشكله وتقنيات إنتاجه؛ باعتبار تقنيات الإنتاج أمرا نسبيا ومتغيرا يتبع ظروفاً خارج العمل، بينما المحتوى الموضوعاتي أمر حاسم في تحديد مصير العمل، ينجح بالنجاح في اختيار ثيمته، ويسقط بالفشل فيها، أو في تجسيدها. كما ذكر أن كلمة "حمار" ليست تشبيهاً بالحيوان، وإنّما هي مصطلح نقدي يقصد به كلّ مطية سهلة لركوب فن معيّن من طرف من صعبت عليهم الدروب الشاقة، مشيرا إلى أنّ المعنى الاصطلاحي الأجدر بالحمار الفني هذا، ذلك الابتذال وفقدان المعنى الذي يصيب الأعمال الإبداعية عندما تفقد الموضوع، فتلجأ إلى الطريق الأسهل، لتجده في ذلك الموضوع الأسهل منالاً والأقل جهداً وتكلفة وتفكيراً، لتتشبّث به وتدخل هذا الميدان الفني أو ذاك، فتصير جميع الأعمال التي ركبت هذه المطية التي في متناول من هب ودب، نسخاً لصقاً عن بعضها البعض، متماثلة من حيث الجوهر (كونها اختارت نفس الموضوع) مع بعض الفوارق الشكلية.

وبالمقابل، قسّم محمد الأمين بحري مقاله المطول إلى ستة أقسام، وهي حمار الدراما؛ المفهوم والمصطلح، والشركة البورجوازية كتيمة إطارية (نمطية) خالقة للسيناريو، والعمود الفقري للحمار، والتوّحد الدرامي؛ من التوّحد الدرامي إلى قتل الحمار، ونداء استغاثة.