"ربيع الرموز" بقصر رياس البحر

ظلال كاشفة لتفاصيل المعاني

ظلال كاشفة لتفاصيل المعاني
  • 796
مريم. ن مريم. ن
يستضيف قصر "رياس البحر" إلى غاية 11 أفريل القادم، "ربيع الرموز" المجسّد في معرض وقّعه الفنانان سعدون ياسمينة وكمال بن شماخ، وظّفا فيه بأتّم الإبداع، دلالات الرمزية من خلال الأشكال والألوان والظلال، مع حضور خاص للمسة الثقافية العاكسة لتراث عريق. 
تتوالى اللوحات من مختلف الأحجام والألوان بطريقة أخّاذة تجلب الناظر وتشدّه لا إراديا من لوحة إلى أخرى، وقد يجد نفسه أحيانا مشدودا للخطوط والأشكال العريضة، لكنه سرعان ما يدقّق النظر في أدق التفاصيل التي لا تبرز من النظرة الأولى.
تتسابق لوحات الفنانة سعدون ياسمينة متّجهة إلى الجمهور؛ كي تبوح له بأسرار ألوانها الكاشفة لكلّ ما هو مستور في مجتمعنا، خاصة ما تعلّق بالمرأة رمز الجمال والصبر؛ فهي مختصر كلّ تناقضات الحياة؛ قادرة على تحمّل الأثقال رغم أنوثتها وضعفها. واعتمدت الفنانة ياسمين في معرضها على الأسلوب التجريدي، الذي بدا يعكس تكوينا فنيا راقيا وتجربة ثرية، كما يبدو أنّها متأثّرة جدا بالراحل إسياخم، وتميل أيضا في رسمها إلى تقنية البورتري.
تبوح الألوان بجميع أسرارها، ويسردها الحوار المباشر مع العين، وتتزيّن الجدران العتيقة للقصر بلوحات جديدة غنية بالصور والدلالات، كما تعطي للجمهور فسحة من التأمّل، وتظهر التموّجات بين الصور الظلية للنساء التي تبرزها لوحات هذه الفنانة التشكيلية، والمنتقاة بتمكّن ورقيّ وحس وجداني سام، تدعو الزائر بصمت إلى استكشاف الأسرار الخفية للمرأة من خلال سيمفونية الألوان المتفجّرة والعابرة بحرية من العتمة إلى الأنوار؛ وكأنّها تعبر من اليأس والخفية إلى رحب الحياة والأمل.
تركّز الفنانة ياسمينة أكثر على الملامح المستترة في الوجوه والشخوص، أحيانا تلاحظ أنّ بعض الملامح تتلاشى خاصة في لوحة "3 نساء"؛ حيث تتلاشى الملامح شيئا فشيئا من وجه لآخر، ليعوّضها اللون البرتقالي الصاخب، بينما تكون الملامح أكثر وضوحا في لوحة "سفر امرأة"؛ إذ تتطلّع بوجهها نحو كبد السماء، تلفّها الألوان القاتمة والمتداخلة، ثم تأتي لوحة المرأة الجزائرية الأصيلة بلباسها التقليدي الجميل والبسيط، تزيّنه الرموز والأشكال المختلفة.
عرضت الفنانة أيضا ضمن تشكيلتها المختارة لوحة "يا قمر يا عالي ندّيك لبلادي"، وركّزت فيها على القمر الذي يظهر بجلاء وهو في كامل دارته وإشعاعه، يرقب نساء باسقات بوجوههن الذهبية، يحاولن إدراكه مهما كانت الحال. وأبدعت ياسمينة أيضا فيما يتعلّق بالجنس الناعم، لوحة هي عبارة عن بورتري سيدة ذات لباس قاتم يحوي رموزا مربّعة؛ كدليل، ربما، على انغلاق المحيط الذي تعيش بداخله، ونجد فمها مغلقا، يكاد يختفي أثره من اللوحة، وبالتالي يختفي صوتها ويُقهر. وترصد في لوحة أخرى دربا مائلا تجلس فيه النسوة من كلّ الأعمار والأطياف. وفي لوحة مجاورة تظهر المرأة وكأنّها لفيف دوّار، يحاول أن يفرّ إلى فضاءات أخرى.
ويشارك في المعرض أيضا الفنان كمال بن شمّاخ، ملتزما من جانبه بالأسلوب التجريدي، ومعتمدا أيضا على الألوان الصاخبة كأساس للوحة، وكذا على الإضاءة والظلال الذي تتناوب فيما بينها في انسجام مدهش وانسيابي. ويعطي الفنان الحضور الكامل للون في قلب اللوحة بدون الاستعانة بشركاء؛ بمعنى أنّه كثيرا ما يركّز على لون ما بعينه كالأخضر أو الأحمر أو غيرهما، ويضعه كما هو بدون تشكيل أو تنقيع، بينما يخصّص هوامش اللوحة للرموز الهندسية والثقافية بمختلف الأحجام والأشكال والألوان.
ومن ضمن ما قدّم الفنان لوحة كبيرة بعنوان "منتصف النهار إلاّ ربع"، يظهر فيها رأس كبير مربع وأسود قاتم، يجسّد معاناة الأم مع الأسرة، وهي تستعد لوجبة الغداء، ونرى يديها مغروستين في مهام كثيرة في آن واحد.
لوحات بن شماخ بمستوى تقني عال ملفت للانتباه، تتوفّر فيها معظم المهارات. يعتمد أيضا على التجديد الذي يؤثّر إيجابيا على تطوّر بنية عمله اللونية وحركة خطوطه التي تتموّج وتنكسر أحيانا، صانعة أشكالا غير متوقّعة، وفي أغلب الأحيان تتموقع بالتقاطع مع دائرة أو حلق، يأخذ بمساحته أهمية بالغة بين باقي الفضاءات ذات الأبعاد اللونية الارتدادية المتموجة.
للفنان كمال نظام تخطيطي ولوني مستمد من فوضى خلاقة تميز عمله التشكيلي المعروض بحضور اللون الداكن بملمس بارز الأثر والظل والتعاريج، تقدم للناظر جملا تشكيلية تسحر نظره وتستدرجه بنعومة إلى مركز اللوحة الذي تتوزّع وتتفرّع منه مراكز أخرى مثيرة للبصر والتأمّل.
للإشارة، تحصّلت ياسمينة سعدون على شهادة الدراسات العليا في الفنون الجميلة بالجزائر العاصمة. كما حازت على جائزة الرسم النسوي لدول البحر المتوسط في 2007 بوهران، والجائزة الأولى للجنة الحفلات لمدينة الجزائر العاصمة 1998، إضافة إلى العديد من الشهادات التقديرية، كما لها مشاركات في معارض وطنية ودولية خصوصا بتونس ورين وباريس وسان تروبي الفرنسية، ودبي والشارقة والسعودية وسلطنة عمان.