"روح الجزائر" في الذكرى 70 لاندلاع الثورة التحريرية
عرض بالإسقاط الضوئي يخلد مسيرة الكفاح الجزائري
- 380
استضافت القاعة البيضاوية في المركب الأولمبي "محمد بوضياف" بالجزائر العاصمة، مساء الأربعاء الأخير، عرضا فنيا ملحميا بعنوان "روح الجزائر"، للمخرج أحمد رزاق، بمناسبة إحياء الذكرى السبعين لانطلاق الثورة التحريرية المجيدة. قدم العرض بصور مشهدية ودرامية مذهلة، تأريخا لمسيرة الجزائر من العصور القديمة حتى الاستقلال، وقد تم إنتاج هذا العمل من قبل وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، بحضور رفيع المستوى من شخصيات وطنية ودبلوماسية ووزارية، بالإضافة إلى ممثلي المقاومة ورموز النضال الوطني.
جذب العرض حضورا واسعا من المسؤولين والجمهور على حد سواء، حيث حضره رئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، والوزير الأول، نذير العرباوي، ورئيس المحكمة الدستورية، عمر بلحاج، ووزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، إلى جانب العديد من الشخصيات الوطنية والفنية، وعدد من السفراء المعتمدين في الجزائر، وقد أشاد الحاضرون بروعة العرض وقدرته على دمج مكونات التاريخ الجزائري، بإبداع واحترافية عالية، مما أثرى روح الذكرى الوطنية وأبقى على وهجها في وجدان الحاضرين.
وفي تصريح له قبل انطلاق العرض، أكد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، أن "الذكرى السبعين لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة، تشكل محطة مهمة في تاريخ الجزائر، حيث نحيي فيها قيم التضحية والفداء التي جسدها أبطال الثورة الذين قدموا الغالي والنفيس لاستعادة السيادة الوطنية". وأشار إلى أن هذه المناسبة، تحظى بدعم من رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي وجه الاهتمام البالغ بتاريخ الجزائر المجيد، والعمل على تخليده للأجيال القادمة.
تأريخ بصري وسمعي متكامل
يعتبر "روح الجزائر" عرضا ملحميا بتقنيات حديثة متعددة ومتكاملة، تمثل في مزج الكوريغرافيا، الموسيقى، الصوت، والإضاءة بتقنية 360 درجة، مما خلق تجربة فنية متكاملة، أبهرت الحضور، وعلى مدار أكثر من ساعتين، استطاع العرض أن يقدم مشاهد متنوعة من تاريخ الجزائر في 13 لوحة متتابعة.
واستطاع العرض من خلال سرد قصصي مبدع، تسليط الضوء على المحطات التاريخية الرئيسية في تاريخ الجزائر، بداية من العصور القديمة، مرورا بالفتح الإسلامي والدولة الرستمية والحكم العثماني، وصولا إلى فترة الاستعمار الفرنسي، وبرزت الثورة التحريرية في مشاهد مؤثرة، تجسد اللحظات الحاسمة التي عاشها الشعب الجزائري لنيل الحرية والاستقلال.
رحلة تاريخية عبر التكنولوجيا والرقص
بدأ العرض بلمسة روحية، حيث استحضرت لحظة خلق الكون، من خلال ذكر الأسماء الحسنى لله مكتوبة على سقف القاعة، مع موسيقى أصيلة تلامس القلوب. تبعتها لوحات تحاكي العصور القديمة، العصر الروماني، معارك الوندال والنوميديين، حروب الملكة تينهينان في الهقار، دخول الإسلام، والدول الرستمية والحمادية والزيانية. تواصلت الأحداث لتشمل الحقبة العثمانية، ثم الاستعمار الفرنسي ومعارك المقاومة الشعبية، وعلى رأسها مقاومة الأمير عبد القادر، إضافة إلى كفاح رجال مجموعة 22 و6، الذين كانوا ضمن طليعة الثورة التحريرية.
وكانت اللوحات الكوريغرافية، التي أشرف عليها كل من سمر بن داود، سناء شامي، أمين كينيوار، زكرياء حاج أحمد وخالد قورينات، محط إعجاب الحاضرين، وتفاعلوا مع أحداث العمل، معربين عن إعجابهم بالحركات الكوريغرافية والأكروباتية، والتي تجلت أكثر في لوحة فترة الحروب النوميدية الوندالية، إذ ظهر انسجام بديع بين الراقصين، رغم عددهم الكبير على الخشبة.
استعراض تقني وإبداعي بامتياز
تميز العرض باستخدام أحدث تقنيات العرض، بما في ذلك المؤثرات البصرية، مثل الإسقاط الضوئي بتقنية 360 درجة، والشاشات التفاعلية، والهولوغرام، مما خلق تجربة بصرية وسمعية مبتكرة، كما شارك في هذا العمل الضخم، فنانون من عدة دول عربية، مما أعطى للعرض طابعا إقليميا، يعكس روابط الجزائر بالعالم العربي.
وقد كان للأداء الجماعي والطاقات الفنية المتنوعة، دور كبير في إضفاء الطابع الملحمي على العمل، حيث شارك حوالي 1000 فنان وتقني من الجزائر ودول عربية أخرى، مما جعل العرض يجسد روح الوحدة والإصرار.
رسالة عالمية في سبيل الحرية للشعوب المقهورة
أبعد من كونه مجرد استعراض تاريخي، حمل "روح الجزائر" بُعدا عالميا، حيث جسد الثورة الجزائرية كمثال لجميع الشعوب الساعية إلى الحرية. فصمود الشعب الجزائري يرتبط ارتباطا وثيقا بنضال شعوب مضطهدة في جميع أنحاء العالم، وبالأخص الشعبين الفلسطيني والصحراوي. وقد أبدع الراقصون والمغنون في التعبير عن هذا الشعور، جاعلين من العرض رسالة عالمية للصمود والحرية.
وسلط العرض الضوء أيضا على أبعاد الثورة التحريرية، التي تجاوزت الحدود الوطنية، وأصبحت رمزا عالميا للحرية والاستقلال، حيث تأثرت بها حركات التحرر العالمية، خاصة في فلسطين والصحراء الغربية. وركز العرض على دور الجزائر كوجهة للثوار ومحطة للعديد من الشخصيات الثورية الكبرى في العالم.
وتطلب العرض أكثر من شهرين من التحضيرات المكثفة، وضم فريقا يشمل 138 مختصا من مصممي الديكور والمؤلفين الموسيقيين ومصممي الأزياء والفنيين، الذين عملوا جميعا على ضمان تقديم عرض يليق بالمناسبة. في هذا الشأن، أكد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، على أهمية الحدث كمناسبة لتكريم تضحيات الجزائريين من أجل الاستقلال، مشيدا باهتمام الرئيس عبد المجيد تبون بالحفاظ على الذاكرة الوطنية.
"روح الجزائر" ليس مجرد سرد للتاريخ، بل إحياء له، من خلال احتفال فني يعكس الإرث الأبدي للجزائر. هذا العرض العظيم، الذي يسلط الضوء على شجاعة وقيم الشعب الجزائري، يقف كتذكار حي للذاكرة الجماعية، التي ستظل مصدر فخر للأجيال المقبلة.