"إشراقة الروح" بالمسرح الوطني الجزائري
عرض رقص ساحر بين الإرث والأمل

- 178

اهتزت جدران المسرح الوطني الجزائري "محيي الدين بشطارزي"، مساء أول أمس، على إيقاع عرض مؤثر بعنوان "إشراقة الروح"، ثمرة تعاون فني بين التعاونية الثقافية "نوارة"، واستوديو "سيلفيد"، والمسرح الوطني، وعلى مدار ساعتين، خاض الجمهور الحاضر بقوة، رحلة كوريغرافية غنية وحساسة، جمعت بين الباليه الكلاسيكي، والرقص المعاصر، والجاز الحديث، والتعبير الجسدي الملتزم.
افتُتح العرض بمشهد جماعي، في لحظة احتفالية تفيض بالتناغم والتنوع، شكلت مدخلا رمزيا لاتحاد الأجيال تحت راية الفن. وقد كانت أولى المحطات الراقصة لوحة بعنوان "رقصة الدمى والباربي"، أدتها الراقصات الصغيرات من المستوى الأول، بأسلوب ناعم يفيض بالبراءة والعذوبة. بخطوات خفيفة وابتسامات خجولة، تلك الرقصة لم تكن مجرد تمرين فني، بل كانت إشراقة نقية للباليه في أنقى حالاته، ومرآة صادقة للطهارة الفنية في بداياتها الأولى.
بعد هذه الافتتاحية الطفولية، تواصل العرض بسلسلة من اللوحات المتنوعة، التي أظهرت مستوى عاليا من الإتقان والتعبير الفني. تميزت كل فقرة بتناسق دقيق بين الموسيقى والحركة، من بينها سولو "كوبية" الذي قدمته سارة برادي ببراعة، أعادت إلى الأذهان رهافة الباليه الرومانسي، تلتها رقصة منفردة مؤثرة من "بحيرة البجع"، أدتها الراقصة أناييس، بينما أضفت لوحات "الجنية ليلك"، و«بيزيكاتو"، و«كيتري"، و«جيزيل" أجواء من النقاء الفني والرشاقة التي تُترجم في آنٍ واحد، التقنية والعاطفة.
لم يقتصر العرض على الكلاسيكيات، بل انتقل بسلاسة إلى الأنماط الحديثة، حيث أبهرت فقرات "أورورا" (جاز حديث للمبتدئات)، و«فوت لوز" (للمستوى الثاني)، و«الجاز الحديث" (للمتقدمات ـ الأزرق والأسود) الحضور بحركية قوية ونضج واضح في الأداء، وهو ما عكس العمل الجاد خلف الكواليس والمستوى الفني المتصاعد لتلميذات الاستوديو.
في مرحلة لاحقة، ارتفعت وتيرة التعبير الدرامي، خاصة مع دخول فقرة التانغو التي تميزت بطاقة مشحونة بالعاطفة والحركة، من خلال مقاطع "ليبر تانغو"، و"تانغو روكسان"، و"إسبادا"، و"ميرسيدس" التي أداها كل من نيلى حدادي وعادل، حيث جسدا مزيجا من الحسية والحدة، ولامسا بأدائهما قمة الانسجام الجسدي والموسيقي.
لم ينس العرض القضية الفلسطينية، وفي لوحة "جذورنا"، الرقصة المعاصرة، أبدع فيها الراقصون من مختلف الأعمار (من 10 إلى 26 سنة) في التعبير عن الألم، والصمود، والأمل. لم تكن مجرد رقصة، بل لحظة مسرحية حقيقية تجاوزت الحدود الجمالية، لتصبح صرخة قلب، وصلاة جماعية، ورسالة فنية ملتزمة. وقد هزت هذه اللوحة مشاعر الحاضرين، الذين وقفوا تحية لها في تصفيق دام طويلاً.
أشرفت على الإخراج الفني للعمل، نوارة إدامي، التي قدمت رؤية متكاملة جمعت بين التراث والحداثة، الطفولة والنضج، الجمال والمتعة الفكرية. وساهم الفنان فريد حوش، في إضفاء طاقة عالية على فقرات الجاز الحديث، بتصميمات كوريغرافية، جسدت الحيوية والإتزان في آنٍ واحد. كما كان لتنسيق سارة مقاوي وفرح بوعلام دور مهم في الحفاظ على سلاسة العرض وتماسكه البصري والفني. أما الجانب الجمالي، فقد اكتمل بأزياء مصممة بعناية من قبل لينا حمادوش، لامية بن سهلي، وشفيقة هماشي، حيث جاءت الألوان والخامات في تناغم تام مع مضمون كل لوحة.