الأستاذ أحمد تواقين يفتح قلبه لـ"المساء":
على الجزائري أن يشعر بما تبذله الدولة في سبيل الرقي والتطور
- 373
زخر الساحة الفكرية والأدبية والتاريخية في تندوف، بنماذج وأسماء كثيرة، حلقت في سماء الإبداع وعانقت الثورة، وترنمت بشذى المعرفة، حتى أصبحت ذات صيت في عالم الفكر والإبداع، وحققت في مسارها الطويل مكانة ضمن النضال والثورة، فكان لها علاقات وطيدة مع صناع الفكر تارة، ومع المناضلين في صفوف الثورة، فذاقت المر وتنقلت من مكان إلى مكان بحثا عن العلم ونشرا للمعارف، وسجلت في سجل البطولات أسماءها بحروف من ذهب، وتحملت المشاق والإقامة الجبرية والمعتقلات.
على هامش الاحتفالات المخلدة للذكرى السبعين لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة، اتصلت "المساء" بالأستاذ والمناضل والمفكر ابن تندوف، أحمد تواقين، الذي ظل متمسكا بتربة حي الرماضين "لحفيرة"، كما يحلو للبعض أن يسموها، خاصة الذين تطول مدة الغياب عنها، أمثال الأستاذ أحمد الذي فتح قلبه وباح بكل ما لديه من أسرار وحكايات عن الثورة والنضال والسجن والثقافة والتنمية.
وتشاء الصدف، أن نلتقي بالأستاذ تواقين، ونجري معه هذا الحوار الشجي، الذي اتسم بالصراحة والبساطة، وكم كان تحمسه وانبساطه يومها للفكرة، خاصة من جريدة عريقة في عداد العناوين الصحفية الرائدة بمحتواها الإعلامي الراقي، يقول أحمد، وهو يستعد للإبحار معنا في عوالم نجهلها ضمن جلسة إعلامية، أردنا من خلالها تسليط الضوء على أحد الشخصيات المحلية بتندوف، والوطنية في بعدها الانتمائي والوطني العميق، ولعل الكثير من ساكنة تندوف يجهلون أشياء كثيرة، عن الأستاذ الذي يزورهم كلما سمحت له الفرص لذلك، للاطلاع على أحوالهم واسترجاع مع كبارهم وشيوخهم ذكريات يقتسم معهم حلوها ومرها.
ولعل أول ما تبادر إلينا ونحن في لقاء مع ضيفنا، وهو يستعد للإحاطة بما سنطرحه عليه من أسئلة، تبدو لنا هامة لاطلاع القارئ الكريم بشخصية صقلتها رمال تندوف، وشبت على أريج نخلها وداعبت آبارها وتجولت بين قصورها وآثارها، وبنبرة الواثق مما يقول، تحدث تواقين عن طفولته وتعليمه ونشاطه السياسي، وآماله وتطلعاته، ورؤيته للواقع التنموي الذي آلت إليه بلدته، تندوف، وكم كان الحديث معه ممتعا.
من يكون أحمد تواقين باختصار؟
أنا من مواليد تندوف، بداية الأربعينيات من القرن الماضي، أي سنة 1942، تعلمت في الكتاتيب القرآنية المختلفة بمسقط رأسي. من هؤلاء أذكر على سبيل الحصر، دحمان ولد الناجم، مولود ولد لعرب، سيدي علي ولد الطالب، محمد العيد، كان ذلك في الفترة الممتدة من سنة 1942 إلى غاية 1947، وبخصوص الدراسة، درست بالمدرسة الفرنسية الأولى المعروفة بمدرسة القبة، وهي مكان بلدية القبة الآن، كان ذلك من سنة 1947 إلى غاية 1952.
ألم يولد فيكم هذا التعلم نشاطا نضاليا ما؟
فعلا، بالإضافة إلى مرحلة الدراسة، كنت عضوا بالكشافة لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وكنا آنذاك حوالي 16 كشافا من مدينة تندوف، من بينهم الطاهر لحبيب، عبد القادر عطاب، حمو سليماني، صباح بن محمد، الشهيد عبد الوهاب الطاهر، وكذا ابراهيم ولد مولود، والقائمة طويلة..
وأين يتموقع الأستاذ أحمد ضمن هذه الأسماء، كمجاهد أو مناضل؟
** خلال الفترة من 1956 إلى غاية 1962، ومع بداية الاستقلال، واصلت الدراسة بجامعة الجزائر المركزية، كما أنني من تلاميذه المدرسة العليا للأساتذة بالقبة القديمة الجزائر، كان ذلك من 1964 إلى غاية 1968.
تحصلت بعد ذلك على دبلوم الدراسات المعمقة ـ قسم علم النفس التربوي، حيث درست بثانوية "الأمير عبد القادر" بالجزائر العاصمة، وثانوية "عائشة"، بعد ذلك، انتقلت خلال الفترة من 1969 إلى 1970، إلى مدينة معسكر، إذ التحقت بها كأستاذ في مادة الفلسفة بثانوية معسكر إلى غاية 1987، ثم أستاذا بجامعة معسكر إلى غاية أواسط التسعينات، وتحديدا عام 1995.
أنت الآن محال على التقاعد، هل تغير النشاط الفكري لأحمد؟
منذ إحالتي على التقاعد، أصبحت أستاذا زائرا في عدة جامعات بالغرب الجزائري، إلى جانب أستاذ محاضر عبر جامعات الوطن في مادة الفلسفة - تاريخ الحركة الوطنية ـ المقاومات الشعبية من 1830- 1954، ثم أصبحت متخصصا في تاريخ الحركات الوطنية المغاربية.
نعود إلى نشاطك السياسي، من أين البداية؟
عضو مؤسس لجمعية "08 ماي 1945"، إلى جانب المرحوم المناضل وأول رئيس لمجلس الأمة، الراحل بشير بومعزة، كنت مسؤولا بالجمعية على مستوى الغرب والجنوب الغربي أيضا.
لا شك في أن ماضيك النضالي عرف صمودا في وجه الاعتقال؟ ما حكايتك مع السجون؟
** لقد مررت بعدة سجون ومعتقلات، من أبرزها السجن المدني بمعسكر - معتقل أفلو من 1956/ 1957، إضافة إلى معتقل أركول بوهران، وهو يسمى الآن ببير الجير، كان ذلك سنة 1957، وكذا معتقل بوسوي (الضاية) بولاية سيدي بعلباس، ومعتقل سيدي معروف، المسمى سيدي الشحمي سابقا، ومعتقل كان دو ماريشال، وهي منطقة تادمايت بالقبائل اليوم، إلى جانب معتقل بول قزال بالجلفة، عين وسارة اليوم.
بماذا اتصفت تلك الفترة؟
تعتبر هذه الفترة، من أكثر الفترات العصيبة التي عشتها، وأعتبر نفسي، فضلا عن كل ذلك، خريج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، تحت راية جبهة التحرير الوطني بالمعتقلات.
هل يتذكر الأستاذ أحمد بعض أساتذته آنذاك، ممن تلقى عليهم المعرفة بالسجون؟
نعم أتذكر الكثير منهم ، كأحمد سحنون، الشيخ عبد القادر الباجوري، الشيخ سعيد الصالحي، محمد الشبوكي، الشيخ الطاهر الأطرش، الشيخ إسماعيل، الشيح قادة الشاذلي، الشيح محمد المجاجي، عمار الشكيري والقائمة طويلة.
ماذا كان يقدم لكم هؤلاء؟
كان يقوم هؤلاء بتدريس برنامج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، تحت لواء جبهة التحرير الوطني، داخل المعتقلات. للإشارة، فالمعتقل آنذاك يتبع الإقامة الجبرية. وكانت فترة الاعتقال 42 شهرا، بداية من 1956 إلى 1959، ولدي كل الوثائق والمعلومات المتعلقة بتلك الفترة، التي قضيتها بالإقامة الجبرية إلى يومنا هذا.
يعود أحمد إلى مسقط رأسه من حين إلى آخر، كيف يجد تندوف؟
على مستوى النمو والمؤسسات والهياكل الإدارية والمعاهد، ومؤسسات تسهيل حياة المواطنين، لاحظت ثمة وتيرة رأيتها عيانا تنمو بكيفية مدروسة ومتماشية مع ساكنة تندوف، لكن عندما زرت، منذ 10 شهور، القطب الثقافي (أعني المركز الجامعي) تيقنت أن الدينار الجزائري الذي يدفع من أجل تثبيت ثقافة الناشئة الجزائرية هنا بتندوف، سيكون له المردود المرجو في سبيل تطوير هذه الولاية، التي هي آخر ما تغرب عنه الشمس.
ماذا تقول لطلبة المركز الجامعي بتندوف بعد أن زرتهم؟
على طلبة المدارس والمتوسطات والثانويات، خاصة المركز الجامعي، أن يدفعوا ضريبة التكوين العلمي، حتى يصبح المواطن الجزائري يشعر بما تبذله الدولة في سبيل أن تتبوأ الجزائر مكانتها المرموقة بين الأمم علما وحضارة.
لقد تحدثت مع مدير المركز الجامعي بتندوف، الدكتور عبد الحميد تهامي، منذ 10 شهور تقريبا، وأكدت له استعدادي لأن أساهم، قدر المستطاع، وحسب تخصصي، وبما يمكن أن أقدمه في ميدان المعرفة الإنسانية ـ فلسفة ـ أدبا ـ لاسيما تاريخ المنطقة، إلى جانب مساهماتي عندما ينظم المركز ملتقياته العلمية والفكرية.
بماذا تشعر عندما تحط قدماك أرض تندوف؟
شيء عظيم، الشعور أولا، إحساسي بالقيام بصلة الرحم والتعرف على أحوال ساكنة تندوف، على اختلاف شرائحهم، ثم أنني وأنا أتجول عبر شوارع وأحياء المدينة الجديدة "النهضة"، "المستقبل"، "لطفي" و«النصر"، أحس بأن رجالا شبابا وكهولا وراء إصلاحات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، لكن عندما يأتي وقت السحر ووقت السمر، أتذكر أنشطة المسجد العتيق وزاوية "بلعمش" وزاوية "أهل العبد"، وما كانت عليه ساكنة تندوف في حياة القوافل والرحل، والأسواق السنوية، قديما، حيث أتذكر حياتي الطفولية من كُتاب إلى كُتاب، ومن نخلة إلى نخلة، ومن بئر إلى بئر.
ماذا يولد فيك هذا الكم الهائل من الذكريات؟
أشعر بتلك اللحمة والتضامن المجتمعي، رغم شظف العيش الذي كان يجمع سكان تندوف دون استثناء، وإنه لشعور نابع من طفولة تنزل في التاريخ إلى 60 سنة من الزمان، لذا، فإن الحنين إلى تندوف يراودني، رغم كبر السن ورغم الغربة والبعاد والمسافات الطوال، لكي أعود إلى مسقط رأسي لألعب اللعبة الكبرى. وأنهل من عواطف هذه المدينة المباركة، حتى يصبح ذلكم اللعب وقودا يشجعني على مواصلة الحياة.
لا شك في أن هذا المسار الطويل مشجع على معرفة برنامج الأستاذ أحمد المستقبلي؟
طبعا، لدي أجندة مليئة بالبرامج والطموحات في حقل المعرفة والفكر، منها على سبيل الحصر، تحضير مداخلة بدار الثقافة في ولاية معسكر، حول موضوع "تفكير مع إقبال، الجانب الاجتماعي"، بالإضافة إلى تقديم سلسلة من المحاضرات تتناول جملة من القضايا الفكرية، كـ«نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالمعتقلات السياسية"، في عدة ولايات، إضافة إلى برنامج آخر حول دور الحركة الوطنية الاستقلالية، بجامعة سيدي بلعباس، ومحاضرة تتناول أحداث مجازر "08 ماي 1945" بجامعة "الأمير عبد القادر" في قسنطينة.
وهل لك مشاريع إصدارات ومؤلفات في طريقها للقارئ؟
صحيح، لدي آفاق مستقبلية لطبع مجموعة من الأعمال، منها "عادات وتقاليد منطقة تندوف في القرن الماضي"، بالإضافة إلى "التحول الذهني من التبدي إلى التنمية والتحضر" بمنطقة تندوف أيضا، وعلى مستوى التربية، هناك مشروع تأليف كتاب حول "تدريس الفلسفة والعولمة".
كلمة أخيرة؟
بداية، أشكر جريدة "المساء" العريقة، بطاقمها المتميز والمتألق، على إتاحتها لي هذه الفرصة والحيز، ضمن صفحاتها لأكشف عن بعض الأمور التي يجهلها الكثير من أبناء جلدتي، أشكركم على الاستضافة وعاش نوفمبر رمز الشهامة والبطولة وعاشت الجزائر حرة أبية.