التزام بنضال جسدته الشاشة الفضية

عمار العسكري صفحة من تاريخ السينما الثورية

عمار العسكري صفحة من تاريخ السينما الثورية �
  • القراءات: 714
مريم / ن� مريم / ن

يغادر المناضل عمار العسكري إلى الأبد لكن مواقفه الوطنية والتحررية باقية تصدح في كل المحافل والمعابر والأزمان لأنه سخّر الفن لخدمة قضية الإنسان أينما كان أو وجد، لتظل روائعه التي عبرت القارات وشاهدها زعماء العالم، مدرسة سينمائية متميزة تأسست في أمهات المعارك وفي خضم طواحين الصراع بين الحق والباطل.

مرِض كبير السينما الجزائرية الوطنية حقا ولسنوات طويلة لكن صوته الحق ظل جهوريا يصيح بعلوه منددا بأي تراجع أو التزام للفن السابع الذي كان عليه في كل مرة أن ينعش الذاكرة كي لا تضيع وسط زخم البهرجة والتنويم الذي يفقدها ارتباطها بمقومات هي بمثابة الماء والخبز.

نذكر كيف كان الراحل يوجهنا كإعلاميين للحذر من أي وقوع في خوالب النسيان بحجة أن "اللي فات قد فات" ولا بد من طي صفحة التاريخ، لقد كانت عقيدته الثورة الجزائرية التي بقي وفيا لها ولنضال كل الشعوب الضعيفة التي قهرها أقوياء العالم.

مستحيل أن يجمعك لقاء بعمار العسكري ولا يحدثك فيه عن الثورة والنضال ومن لا يفقه هذه المعالم كان يجادله بالحسنى وبالحماسة كي يهز وجدانه ويخلق عنده الحماسة التي تمكنه من تبني قضايا عادلة وإثارة نقاش حر ونزيه يخدم خطاب الجنوب.

نادرا ما كان الراحل يخاطب الحضور أوالجمهور جالسا بل كان يقف مستغلا في ذلك كل انفعالاته وحواسه من أجل إيصال قناعاته التي كان يراها تصلح لكل زمان ومكان لأن الحق باق ولا يتغير.

عصبيته الوحيدة كانت الثورة الجزائرية، بل كانت من المقدسات التي لا يجب أن يتلاعب بها أحد أويشكك في إنسانيتها وكان يؤكد أن هذه الثورة عليها أن تكون مرجع الشعب لأنها هي من حررته.

شهد العسكري الفترة الذهبية للسينما الجزائرية والتي كان هو واحدا من صناعها، استطاع بها أن يوصل تراثها للشعوب ونتيجة هذا الالتزام احترمه الكثير من القادة الجزائريين وكان من أبرزهم الراحل هواري بومدين، إضافة لزعماء العالم الذين قابلهم منهم الزعيم الفيتنامي هوشيمين الذي قال له ذات مرة "ثورة الجزائر أعظم من ثورة بلادنا نحن لنا حدود مع كل الأصدقاء كروسيا والصين وتصلنا الامدادات في حينها بينما أنتم على أبواب الأطلسي يفعل بكم ما يريد".

لقد استطاع الراحل أن يصوّر إنسانية الثورة بعمق وبصدق بعيدا عن النرجسية والتضخيم، وهو الأمر الذي بدا واضحا في "دورية نحو الشرق" التي صورت جنودا عاديين لهم مواقف ضعف وقوة لكن عندهم إيمان وصبر وتنتصر قضيتهم على الرغم من استشهادهم ليبتعد في كل أعماله عن صور النصر الجاهز المزين بالخدع السينمائية.

كان للراحل أيضا ميزة القدرة على اختيار ممثليه، معتمدا على توظيف الملامح الجزائرية الأصيلة خاصة بالنسبة للفلاح الذي تحمّل أهوال الثورة فكان له السبق في نقل التاريخ خاصة عبر الريف إلى الشاشة الفضية وكان أيضا وفيا لأبطاله السينمائيين وعلى رأسهم الراحل حسن الحسني الذي رافقه حتى أيامه الأخيرة في فيلمه "أبواب الصمت".

تغير كل شيء في العالم لكن العسكري لم يتغير وظل يقول للمسيء "أنت مسيء" في وجهه كان يمقت التنازل والنسيان لذلك لم يكن يتصور مثلا أن تطأ رجل حركي أرض الجزائر الطاهرة وكان يحز في نفسه أن تفقد الأجيال الحصانة التي تشبث بها الأجداد بفضل الثورة خوفا على الشباب من الانزلاق نحو العدم.

للتذكير، فإن المجاهد والمخرج عمار العسكري من مواليد سنة 1942 بمنطقة "عين الباردة" في ولاية قالمة، وهو متحصل على شهادة البكالوريا درجة أولى ودرجة ثانية علوم تجريبية علوم انتقالية. وتابع دراسات عليا في بلغراد "يوغسلافيا" من سنة 1962 إلى 1966. وللمخرج تاريخ نضالي كبير في ثورة التحرير، حيث شارك تحت لواء جبهة التحرير الوطني في إضراب الطلبة الثانويين التلاميذ الجزائريين في 19 ماي 1956 "ثانوية القديس أوغستن بعنابة"، وكان عضوا في جيش التحرير الوطني 1957-1962 والولاية الثانية "جبل هوارة" والمنطقة الثانية "جبل مليلة" وأيضا قاعدة الشرق "غرديماو".

كما شغل منصب أمين عام لنقابة السينمائيين التقنيين والعمال للاتحاد العام للعمّال الجزائريين والمركز الجزائري والصناعة السينماتوغرافية ابتداء من سنة 1980.

شغل أيضا منصب مدير عام المركز الجزائري للفن والصناعة السينماتوغرافية بداية من سنة 1990. وأنجز بإمكانات مادية ضعيفة أعمالا سينمائية كبيرة على غرار فيلمه الثوري الشهير "دورية نحو الشرق" الذي أخرجه سنة 1971، "المفيد" سنة 1978، بالإضافة إلى فيلم "أبواب الصمت" سنة 1989 و "زهرة اللوتس" سنة 1998.

كان للراحل الفضل في استرجاع أرشيف ثورة التحرير المتواجد في مختلف الدول الأوروبية، وخصوصا فرنسا، حيث باشر إجراءات فعلية مع مدير الأرشيف الوطني عبد المجيد شيخي من أجل الشروع في الإجراءات الرسمية لمطالبة هذه الدول بتسليم الأرشيف الذي يمثل مادة لا تقدر بثمن تحمل حقائق كثيرة عن التاريخ الجزائري والثورة لا تزال مجهولة إلى غاية الآن، وتواصل السلطات الفرنسية في التعتيم عليها.