البروفيسور كمال بومنير ضيف "منتدى الكتاب"

عندما يتحول الفن إلى تسلية ونمط استهلاك

عندما يتحول الفن إلى تسلية ونمط استهلاك
البروفيسور كمال بومنير
  • القراءات: 604
مريم. ن مريم. ن

استضاف "منتدى الكتاب"، أول أمس، بالمكتبة الوطنية، البروفيسور كمال بومنير (قسم الفنون بجامعة الجزائر2 ) للحديث عن "الفن في زمن الحداثة المتأخرة والتسارع التقني، مقاربة سوسيو-فلسفية" فصل فيها مآلات الفنون والإبداع في راهن الحداثة، مع تأكيد على الهبوط والتردي الواضح الذي نال من الإبداع الأصيل والإنساني، الذي يطحن اليوم في زمن الرأسمالية المتوحشة.
أكد الدكتور كمال بومنير، أن الفن عبارة عن تجسيد للتناغم الكوني في شكله المصغر، مضيفا أن على الفنان والمبدع أن يحقق هذا التناغم  والتناسب، وإلا غاب الفن، وهي من المعايير التي تناولها الفلاسفة منذ القدم. مقسما مسار الفنون إلى 4 مراحل، تمثلت الأولى منها في تجسيد الكون كما هو، بمعنى تصوير الجمال كما خلقه الله ببعض من التناغم مع هذا الكون، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة القرون الوسطى، حيث طغى الدين على الإبداع ليصبح الصورة الأساسية، ولم يعد الفن معبرا عن ذلك التناغم، بالتالي تغيرت مكانته ووظيفته، وأصبح يجسد العظمة الالهية الموجودة في الكون، علما أن كل الأديان والمعتقدات سارت في هذا المنحى، وهنا أكد المتحدث، أن المرحلتين الأولى والثانية من تاريخ الفنون تبدوان مختلفتين، لكنهما اشتركتا في مسألة "قولبة الفن" وفي النظرة المتعالية للكون والأفكار.
فيما يتعلق بالمرحلة الثالثة، قال البروفيسور بومنير، إنها تخص العصر الحديث الذي اختلف عما سبقه، حيث أصبح "متقوما" (تقويم) على كل ما هو إنساني، ليظهر فن "يتأنسن" قوامه الشعور بكل ما يحسه الإنسان ويتخيله، ليبرز الجانب الذاتي في كل إبداع، وتم الانتقال من صورة لا إنسانية إلى أخرى إنسانية، علما أن ديكارت في هذه المرحلة، دشن فكرة "الذاتية" من خلال "أنا أفكر إذن أنا موجود"، فراجت فكرة أن الذات أساس الكون، وانعكس، حسب المحاضر، كل ذلك على الفن، ليتبنى فكرة "أنا أفكر إذن أنا أحس".
أعطى البروفيسور بومنير مثالا عن "الجميل"، فقال إن القدماء مثل اليونانيين، حصروه في الكون، واعتبروا أن "الجميل" هو الموضوعي، أي الموجود في الواقع، مثل وردة متفتحة، وعزز هذا القول أفلاطون بقوله "الجميل شيء موجود وموضوعي"، وفي العصر الوسيط أعتُبر "الجميل" مخلوق من الله جل جلاله، موجود في الكون والطبيعة، أما في العصر الحديث (المرحلة3) فانقلبت النظرة وأصبح "الجميل" كل ما تعبر عنه الذات الإنسانية وبشكل ذاتي (غير موضوعي بالضرورة)، وهكذا أخذ الفن، كما أضاف المحاضر، طابعا إنسانيا وأصبح الفنانون يعبرون عن كل ما هو إنساني، فمثلا الفن التشكيلي الهولندي أصبح يعرض يوميات حياة الناس، منها مثلا طفلة تقرأ كتابا، بالتالي لم يعد الفن مرتبطا بأبعاد وأفكار متعالية، بقدر ما يعبر عن قيم إنسانية واجتماعية وسياسية وتاريخية وغيرها، ومن ذلك ظهرت عدة مدارس فنية، منها الانطباعية التي اهتمت بمظاهر الحياة الإنسانية وبالطبيعة الصامتة وغيرها.
أكد المحاضر أن الفن ظل مرتبطا بتحولات عصره، ومن ثم استعرض المرحلة الرابعة، أي "المعاصرة" من تاريخ الفنون، والتي برزت معالمها منذ القرن 20 وإلى غاية اليوم، وتم فيها التخلي عن الطابع الإنساني وعن المدارس التقليدية، وأصبح الفن يعكس هشاشة الذات الإنسانية، ومرتبطا بمرحلة التسارع التقني، وهنا استشهد المتحدث بالمفكر الألماني فالتر بن يمين الذي تنبه إلى العمل الفني في عصر الاستنساخ التقني ومآلاته، حيث قال إن الفن في عصر التقنيات فقد هالته وهيبته وأصالته، فأصبح متاحا مستسهلا  ومستنسخا، ورغم إيجابية دمقرطته، لكنه انغمس في الماديات، ليأخذ طابعا تجاريا وسلعيا، وفقد وظيفته في المجتمع، ماعدا نشر قيم العرض والطلب.
أسهب المحاضر في استعراض راهن الفنون اليوم عبر العالم، وكيف تحول الفن إلى صناعة في زمن الرأسمالية المتوحشة، التي تحول الفرد إلى مجرد مستهلك وإنسان سطحي، وتقضي على ذوقه ووعيه، وهو ما سماه "سلعنة الفن" وتحويله لبضاعة مربحة، والقضاء على دوره في بناء وتكوين الفرد والمجتمع، مضيفا أن الفن في جوهره ليس تسلية ولا نمط استهلاك. أثناء المناقشة، سألت "المساء" المحاضر عن دور الفن في استشراف المستقبل، وإعطاء رؤى وحلول لظواهر معينة، فأجاب أن ذلك موجود، لكنه يقتصر على النخبة من الفنانين والمبدعين ذوي الأفكار والرؤى.