ندوة "الزي التقليدي الفلسطيني مقاومة وصمود" بقصر رياس البحر

عندما يتحول اللباس لفدائي يحمي الهوية والأرض

عندما يتحول اللباس لفدائي يحمي الهوية والأرض
الأستاذة نسرين مقداد، رئيسة الاتحاد العام لنساء فلسطين بالجزائر
  • القراءات: 132 مرات
مريم. ن مريم. ن

نشطت الأستاذة نسرين مقداد، رئيسة الاتحاد العام لنساء فلسطين بالجزائر، أول أمس، ندوة بعنوان "الزي التقليدي الفلسطيني مقاومة وصمود"، في إطار فعاليات المهرجان الثقافي الوطني للزي التقليدي، متوقفة عند خصوصية هذا الثوب الذي يمثل الهوية، ويواجه كل أشكال الطمس والاستيلاء منذ نكبة 48.

افتتحت اللقاء الدكتورة عائشة حنفي، حيث أشارت في كلمتها، إلى أن اللباس التقليدي الفلسطيني يعتبر من أهم الركائز الأساسية التي تشكل الهوية الفلسطينية وشاهد حي على مختلف التغيرات التي عرفتها فلسطين على مر التاريخ، مضيفة أن الثوب الفلسطيني بمثابة وثيقة تاريخية حية .
قالت السيدة مقداد، إن الطرز الفلسطيني هوية وبقاء تحفظه المرأة حيثما كانت، سواء في الداخل الفلسطيني أو في المخيمات أو في الشتات، وأن هذا الطرز يحارب الاحتلال الإسرائيلي كأنه فدائي، كونه تمثيلا للهوية تماما كما هو حال الكوفية. مؤكدة أن الزي بمثابة سجل تاريخي، وهو أيضا مؤشر اجتماعي وثقافي يدل على مهنة أو وظيفة صاحبه، وعن عمره ورتبته الاجتماعية، كما أنه توثيق لمرحلته التاريخية، وأشارت إلى أن الأزياء الشعبية دليل على تراث الشعوب، حيث أنها تسجل فيها أفراحها وتعبيراتها الاجتماعية والهوياتية، كرمز للبقاء على أرض الأجداد، بالتالي كان استهدافه لطمسه ومحوه، لكن المرأة الفلسطينية ظلت ثابتة ومصرة على توريثه للأجيال.
قالت المتدخلة "كان عمري عشرون عاما عندما عرفت هذا اللباس عن قرب، فلا أمي ولا جدتي ورثه، كون العائلة خرجت من بيتها (يافا) ككل الفلسطينيين في 1948 أثناء النكبة، ولم يحمل أحد معه أغراضه، ظنا أن العودة ستكون بعد 6 أيام، ومما تم تركه الزي التقليدي الفلسطيني الأصيل الموروث من زمن الكنعانيين"، وأضافت أن اليهود حينها حرقوا البيوت، ونسبوا لهم هذا الزي، بعدما حرفوا معالمه وخصوصياته، كترسيخ اللون الأزرق فيه، وكذا النجمة السداسية في الغرز، لكن كل ذلك لم يثن عزيمة الفلسطينيات، إذ قمن بعد النكبة بتجميع القطع وخياطتها وأحيانا إعادة طرزها، علما أن بعض تلك المبادرات تطلبت 5 سنوات من الجهد والبحث.
كما أكدت المحاضرة أن الزي الفلسطيني يحاكي الحالة الاجتماعية للمرأة، ويبين هل هي أرملة أو متزوجة أو فتاة عزباء، وكلما كانت الحياة صعبة وقاسية، كلما ترسخت الألوان القاتمة، كما أن مدن الشمال الفلسطيني، حسبها، منها يافا وعكا، تميزت عبر الزمن بالرفاهية، وبذلك تطرز اللباس بالخيط المذهب الإيراني وبالقصب (فتلة ممزوجة بخيط الحرير)، مشيرة إلى أن اللباس الفلسطيني يعود إلى 4 آلاف سنة، وهو ما يتجلى مثلا في لوحة بمعبد فرعوني في القاهرة، تظهر كنعانيين يحملون ثيابا حمراء مطرزة، هدية للملك فرعون.
أوضحت المتحدثة أيضا، أن المرأة في الشتات مرتبطة بهذا الإرث، علما أن وسائل طرزه بسيطة لا تتطلب سوى إبرة وخيط، وفيه 3 غرز، وهي الفلاحي (التصليب)، وهي من أشهر الغرز الدقيقة والمطلوبة، وكذا السلسلة الخاصة بطرز الأطراف وتستعمل فيما يسمى بالتطريف، وأيضا غرزة التحريري مشهورة بمنطقة بيت لحم ويافا والقدس، وهي مملوءة بالنسيج، كذلك الأكمام التي تعرف بـ٣البنيقة".
أكدت السيدة مقداد أيضا، أن التطريز بعد 48، ارتبط بالمقاومة وبالوضع السياسي، مع الاعتماد على ألوان العلم الفلسطيني، ونقش خريطة فلسطين كاملة، كما سجل هذا الثوب انتفاضة الحجارة بنقوش بسيطة، علما أن هذا الثوب كان يعبر بألوانه وتزهيره عن الأفراح، لكن بعد الأحداث أصبح يقتصر على الأسود والأحمر القاتم، ليعكس حالة المجتمع.
خلال عرضها المصور على الشاشة لمختلف الغرز والأزياء، أظهرت المحاضرة عرضا إسرائيليا للأزياء شوه اللباس الفلسطيني، غابت عنه الروح والحياء الفلسطيني. وأبرزت المحاضرة أيضا، التفاصيل التي تميز بين مناطق فلسطين مستعرضة لباس عروس يشبه اللباس الجزائري، منها "الغليلة بالفتلة" والطاقية (الطربوش) والمحرمة، وكذلك الحال مع غرزة الحساب الجزائرية، خاصة بمنطقة شرشال، كما قدمت اللباس البدوي بالتطريز المكثف، مع الملاية ذات الطرز المذهب والأحمر، فيه دليل على المتزوجة، والأزرق على الأرملة، وتبرز الأشكال المنمقة التي تشبه اللعب في لباس العزباء، أما لباس غزة بعد النكبة، فهو بدون تطريز واكتفى فقط بالألوان (أصفر وأحمر وأسود).
أكدت المحاضرة أيضا، أن وزارة خارجية دولة فلسطين، قدمت ملف تصنيف اللباس الفلسطيني في "اليونسكو"، لتؤكد هذه المنظمة فلسطينيته كتراث وطني. وعن ثوب يافا قالت، إنه "المجنذل" بتطريز أمامي وبسلاسل وعواميد مطرزة مع نجمة كنعان وأوراق البرتقال والزيتون، كما يتضمن لباس القدس بعد النكبة، معالم دينية إسلامية منها آيات قرآنية ونجمة وهلال وكذا مسيحية بالصليب.
عن المقاومة دائما، قالت إن الثوب تضمن رسائل مشفرة تراسل بها الفدائيون والعائلات، خاصة في وقت الحصار أثناء النكبة، ثم أصبح وثيقة تاريخية. وفيما يتعلق بالنسيج الآلي لهذا الثوب، فأكدت أنه ساعد على انتشاره معطية بعض تقنياته.
أثناء المناقشة، سألت "المساء" المحاضرة عن الفرق بين اللباس الفلسطيني وباقي بلدان منطقة الشام، فردت "لعلك لاحظت حفل الحناء خلال عرس العائلة الملكية الأردنية، حيث تم ارتداء هذا الثوب، لكنه مختلف، إذ أنه يحوي أكثر على التطريز الهندسي، أما عندنا فهو التزهير والرموز وغيرها، مع استعمال غرزة التحرير والقصب، علما أن في نابلس المسماة بالشام الصغرى، هناك أيضا الملاية والتحرير بلمسة سورية، كما أن قاعدة اللباس الفلسطيني هو الأسود، ماعدا للعروس فهو أبيض".
فصلت المحاضرة أيضا في هذا اللباس، منه الفلاحي العريض ذو الحزام المناسب للزراعة، مؤكدة أن اللباس الفلسطيني يطرز في قطع، ثم يخاط وليس العكس، وهو مُتْعِب يتطلب الصبر والرؤية السليمة، وهو يورث للصغيرات من عمر 6 سنوات وما فوق، وهناك ورشات صيفية في المخيمات بسوريا ولبنان، كذلك كان الحديث عن الزي الرجالي منه القنباز (جلابية) والسروال والغليلة والكوفية البيضاء التي أصبحت رمزا للمقاومة منذ العشرينيات.
عبرت السيدة نسرين مقداد عن حبها للجزائر، التي تقيم بها، وكيف أنها تشربت حب وطنها من الجزائريين الأوفياء، وكذا من تاريخ ثورة الجزائر، كما ربطت رئيسة مهرجان الزي التقليدي السيدة فايزة رياش في كلمتها، بين المقاومة التي انتهجتها المرأة الجزائرية للحفاظ على تراثها، بالتالي هويتها، وهو الحاصل مع المرأة الفلسطينية المقاومة والثابتة.
في الأخير، تم تكريم المحاضرة التي كانت تقاسيم وجهها تخفي شجنا وحزنا، بسبب ما يحدث في بلادها، علما أنها فقدت 52 فردا من عائلتها، كما كانت الندوة مناسبة ارتدت فيه بعض منظمات مهرجان الزي الفلسطيني.