معرض ناصر قويزي برواق "محمد راسم"

فن متفلسف بمنطق سن الرشد

فن متفلسف بمنطق سن الرشد
  • 742
مريم . ن مريم . ن

يلتفت الفنان التشكيلي ناصر قويزي، للتفاصيل ودقائق الأشكال والقطع المهملة المبعثرة، ليرسم بها معاني الجمال والحياة، ويعبر من خلالها عن أفكار وحالات إنسانية بالغة الإحساس والعمق، مقترحا عبر كل ذلك، إبداعا جديدا لم يلتفت إليه غيره، ليقرر تعبيد طريقه الفني، بعدما تفرغ له مباشرة بعد التقاعد.

التقت "المساء"، الفنان ناصر قويزي، في معرضه المقام إلى غاية 22 مارس الجاري، برواق "محمد راسم"، حيث طاف معها عبر أجنحة المعرض، مقدما بعض الشروح والأفكار. وأشار الفنان إلى أن هذا المعرض هو الثاني له، بعدما كان منذ سنوات يشارك في معارض جماعية، وقد أعطاه عنوان "فونتيزي"، وهو مستمد، حسبه، من الخيال المطلق، ويعتمد في جوهره على الأسلوب التجريدي، وقال الفنان "أنا عصامي وموهبتي آتية من بعيد، أي من زمن طفولتي، واستقر هذا الفن في ركن مكين من وجداني، إلى أن آن أوانه، بعد مشوار مهني طويل، كنت فيه أستاذا للغة الفرنسية بالمدرسة العليا للأساتذة".

أحيانا لا تعني العصامية عدم المعرفة، لكنها لحظة تجعل الموهبة تفرض حضورها وذاتها، والخطوة الثانية هي ترسيخ هذه الموهبة بمعرفة أدوات الاشتغال وتقنياتها، لذلك لا فرق بين لوحات ناصر وفنان متكون أكاديميا، على الأقل بالنسبة لزائري المعرض. وعزم هذا الفنان العصامي على أمره بثقة لم تؤخر من ولوجه الاحترافية، فجسد بتمكن  موهبته وأفكاره وقناعاته، التي هي باكورة تجربة حياة، ويتميز أسلوبه بقوة تعامله مع اللون العاكس للمساحات الشاسعة للحلم، الذي في أعماقه النقية، التي تنشد الحب والأمل، رغم قسوة الراهن مع بعض الرؤية الفلسفية التي تجعل الخيال ممكنا.

محدث "المساء" يضيف "ربطت بين الأشكال والألوان واجتهدت في مزجها، وأقدم الصورة النهائية للجمهور، وأعطي لكل واحد المجال ليقرأ لوحتي كما يشاء، علما أنني أضع لكل لوحة عنوانا حسب تصوري وإلهامي، ولكي أعرّف بنفسي وأسلوبي".

قدم الفنان في هذا المعرض 55 لوحة، منها "الأصل" التي قال عنها إنها مهد الإنسانية والحياة، فمن كل شيء رسم قطعة، من ذلك الحجر والحيوان والنبات والحيوان وغير ذلك، وهو ما عبر عنها بـ"المادة الخام للحياة"، كما يظهر الفنان مدى التلاقح والتناغم بين أساليب فنية مختلفة، في مشهد استعراضي مباشر، تبرز تجربته كأستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة، يلتزم فيها بجانب المنهجية التي تصد الفوضى، حتى وإن كانت خلاقة، كي لا يتغلب أي تشويش على الحقل المغناطيسي الرابط بين اللوحة والعين.

تحدث الفنان عن تقنية اللصق التي لا يلتفت لها الفنانون، والتي يطبقها بلمسته الخاصة، التي لا توجد عند الآخرين من باقي التشكيليين، مستعملا ورقا خاصا يقوم بتقطيعه على أشكال مختلفة، لتعطي في الأخير، فكرة ما وجمالا فنيا راقيا، ثم يقوم بتأطير اللوحة بالخلفية المناسبة، والإطار الخشبي اللازم.

يهتم الفنان ناصر بتزاوج وتناسب الألوان، التي غالبا ما تتحد لتعطي شيئا ما، وهنا قال الفنان، إنه بعدها اتجه للوحات الكبيرة، مقترحا مثلا لوحة "هندسة" ذات الأشكال الهندسية والفنية المتناسقة، وكذلك لوحة "الوالدة" التي تشبه في تداخلها أحشاء بطن المرأة، كدليل على معجزة الأمومة، وقال إنه عند الشروع في تشكيل اللوحة لا يتضح موضوعها تماما، إلا مع انتهائها، ولا يبقى سوى العنوان، كذلك مع لوحة "الطفولة" و"لعبة الصبا" بقطع لصق دائرية وساذجة توحي بالبراءة والنقاء.

يقترح الفنان أيضا تقنية "الزجاج المكسر" في لوحات كثيرة، منها "تهشيم"، وتبدو القطع الزجاجية، كالبلورات أو الأحجار الكريمة في ألوانها وبريقها، علما أنها ذات ألوان جذابة، منها الأحمر والأخضر الداكن والأزرق الفيروزي، وأشار الفنان إلى أنه مارس هذه التقنية في بداياته، ثم قل عمله فيها، بسبب وسائل العمل المكلفة.

انتقل الفنان مع "المساء"، إلى جناح آخر من المعرض، خاص بلوحات الحبر الصيني، وكانت غاية في الإبداع والرقة، ضمت مثلا لوحة "الخط العربي" الذي قال عنه الفنان، إنه معقد ومركب ومتحول، زيادة على لوحة "النحلة" التي تبدو كالطيف الجميل، أو راقصة بالي، تماما كاللوحة الموالية "الراقصة" التي تبدو فيها الراقصة وكأنها تقفز فوق السحاب.

في جناح آخر، تشع الألوان الزاهية، خاصة منها الأنثوية، كالوردي والبنفسجي والأحمر الفاتح، منها لوحة "الأحجار التي تطفو"، وبعض اللوحات تكون خلفيتها بالألوان والأشكال الدقيقة المرسومة بألوان اللوباد، وفيها فراغات بيضاء ذات أشكال مختلفة لها دلالاتها، في حين كانت لوحات أخرى تجريدية بألوان "الأكريليك".