معرض صليحة خليفي برواق «عائشة حداد»

قيم نبيلة بلمسة صاحبة الحرف اللهبي

قيم نبيلة بلمسة صاحبة الحرف اللهبي
  • 1611

يحتضن رواق عائشة حداد إلى غاية 14 جوان الجاري معرضا للفنانة المعروفة صليحة خليفي، يتضمن في أغلب لوحاته أسلوب الخط العربي الذي عبقته بأجمل القيم والمعاني، وألبسته حلتها المرصعة بالإبداع والأصالة. وتنتشر في هذا المعرض الحروف والألوان والرموز الأمازيغية لتكتمل الصورة، ولتبدأ الحكاية مع تاريخ حافل قرأته السيدة صليحة بهدوء وأثارت من خلاله بعضا من ذكرياتها.

كانت اللوحات في الموعد تستقبل الوافدين إلى المعرض لكي تفتح معهم حوارا خفيا أساسه لغة العيون، وسرعان ما تتوطد العلاقة ويغوص البصر إلى عمق اللوحة فيكتشف عوالم أخرى يطغى عليها النور ويفيض منها اليقين تبعث على الهدوء والسكينة.

تهتم الفنانة صليحة خليفي بالمواضيع الإنسانية، وتسعى من خلال فنها إلى تثمين القيم المشتركة بين بني البشر، كما تقف منددة بالآفات التي تنخر المجتمع، مستعينة في كل مرة بآيات قرآنية شريفة أو بالشعر أو بالأمثال الشعبية، مما يزيد اللوحة وقارا ومعنى، يضاف إلى جمالها الفني.

تعرف هذه الفنانة بصاحبة «الحرف اللهيبي» الذي يرمز إلى معاناة العصر، وهو خط لهيبي غير حارق تنتهي حروفه بألسنة نارية، هي نار معنوية، ولعل أثر هذا اللهيب تولد منذ طفولتها وبالتالي بقي في مخيلتها منذ حرب التحرير، وكانت هذه الفنانة الجميلة والهادئة تذكر في كل لقاءاتها (بعضها حضرتها «المساء») كيف كانت تعاني كطفلة من المداهمات المتكررة في قريتها ببجاية، واقتياد والدها وعمها، وكيف كانت كتب والدها الفقيه تحرق، وبالتالي بقيت تلك الشرارات متأججة في وجدانها ليتحول مع الزمن إلى أسلوب فني تعبر به عن هذه الذكريات المؤلمة التي تكاد تحرق من يلمسها، حيث لم يستطع الزمن أن يخمدها.

توجد في مدخل المعرض لوحة لفظ الجلالة يشع منها النور ولون التفاؤل والفرح وهو الوردي ورصعته الفنانة باللون المذهب الذي يتماشى والقيمة التي تحملها اللوحة، ثم تتوالى اللوحات لنجد لوحة «القرآن»، بجانبها قصاصة ـ كما في باقي اللوحات - تقول «إذا فهمناه أنارنا وإذا عملنا به أفادنا وإذا استمسكنا به صاننا»، كما رسمت الفنانة كلمات أخرى مثل «الشرف» و»التفاهم» و»الجيش» و»الالتزام» و»الغضب» وغيرها، كما رسمت لوحة «للحب» على شكل أغصان تنمو في قالب وردي، وكتبت في قصاصتها المرافقة «الحب كلمة من حرفين ذات معان عديدة، فهو منبع الخير والأماني السعيدة، كما أنه سبيل الأمل والعطاء والحياة المديدة». وفي لوحة «الحوار» تقول القصاصة «هو يدفع إلى البحث والتفكير والتحليل والاكتشاف، يقود إلى استنباط الحقائق وتطبيقها بالقناعة والاعتراف». وعن لوحة «التفاهم» تقول «به تحل أصعب المشكلات، به تفك أشد المعضلات وبه تحقق المعجزات». أما النجاح «فهو ثمن الجد والكد في العمل»، والفصاحة «صاحبها إذا سئل أجاب وإذا أجاب أصاب». وعن الحنان «به لا تشعر بالأرق ولا تحس بالوحدة، به تنعم بحياة أحلى من عسل الشهد ومن دونه تغيب السعادة وتنهار الحياة الرغدة»، في حين كتبت كلمة «القناعة» باللون الوردي في قالب أخضر، وكتبت أنها أكبر كنز وأعظم عز.

اختارت الفنانة اللون الأزرق للوحتي «العلم» و»التسامح»، أما لوحة «الأم» فعمتها الألوان الهادئة، من برتقالي ووردي وأصفر، وكتبت عنها «الأم في ابتسامتها حب وحنان، وفي حضنها دفء وأمان»، أما لوحة «التفاهم» فشكلت تناسقا بين الألوان والأشكال، كدليل على تحقيق التفاهم، وفي هذا كتبت «التفاهم به تُحل أصعب المشكلات، به تفك أشد المعضلات، به تحقق أكبر المعجزات»، في حين جاءت خلفية لوحة «العمل» سوداء لتبرز بشكل أدق، كلمة العمل الذي كتبت عنه صليحة أنه به «يُكتسب العيش، ولولاه لما حصل نظام، هو عبادة بدونه ما استقام فهم ولا إفهام».

بالنسبة للوحات الأمازيغية فللفنانة باع كبير في هذا الفن، وكان ذلك ثمرة جهد وبحث واستعانت بالرموز الأمازيغية القديمة لتتصدر اللوحات، ومن ذلك لوحة «المرأة» كرمز للحياة والخصوبة، و»النحلة» رمز الصحة والعذوبة والعمل و»الزاد» رمز المصارعة والمعارك والحرية و»صحن الكسكسي» رمز الطبخ والخيرات في الجزائر.

صليحة خليفي من مواليد 1952 ببجاية، شاعرة وفنانة تشكيلية، عضو في الإتحاد الوطني للفنون الثقافية، وبالديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وعضو بمؤسسة أحمد ورابح عسلة، وباتحاد الكتاب، عضو في مؤسسة مفدي زكريا منذ سنة 2004، وعضو المجلس الوطني للموسيقى. تكونت بدار المعلمات ببن عكنون ما بين 1966 و1970، وفي رصيدها العديد من المعارض الفردية والجماعية، كما جابت عواصم العالم لعرض أعمالها الفنية، وفي هذا الإطار، عرضت أعمالها في فرنسا لاسيما بالمركز الثقافي الجزائري ومعهد العالم العربي وفي مدن فرنسية أخرى، كما شاركت في أيام العالم العربي في براغ سنة 2005، وفي بلدان أخرى مثل السعودية وتونس والمركز الثقافي الجزائري بمونريال (كندا). وتحصلت صليحة خليفي خلال مشوارها الفني على عدة جوائز، منها جائزة علي معاشي لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة سنة 2012 وجوائز شرفية من وزارة التربية الوطنية.

مريم . ن