الناقد السينمائي عدة شنتوف لـ’’المساء’’:

لا نجد أقلامنا حتى في أقراص مضغوطة

لا نجد أقلامنا حتى في أقراص مضغوطة
  • القراءات: 741

كفاح الأستاذ عدة شنتوف لرفع كلمة السينما الجزائرية عاليا لا ينضب ولا يتوقف ولو لهنيهة، وها هو اليوم ينشر كتابا جديدا في مجال الفن السابع، تحت عنوان؛ «دليل، مخرجي، ممثلي وأفلام السينما الجزائرية «1964-2017)»، الذي صدر حديثا عن المؤسسة الوطنية للاتصال، النشر والإشهار، وبهذه المناسبة، حلّ الأستاذ عدة شنتوف ضيفا على جريدة «المساء»، فكانت فرصة سانحة لإجراء حوار، تحدث فيه الناقد السينمائي عن عدة قضايا خاصة بالفن السابع.

كتاب جديد عن الفن السابع لعدة شنتوف، حدثنا عنه.

❊❊ تناولت في كتابي الجديد؛ «دليل، مخرجي، ممثلي وأفلام السينما الجزائرية (1964-2017)»، كل الممثلين والمخرجين الجزائريين الذين قدموا أفلاما سينمائية طويلة لا غير، منذ سنة 1964 إلى غاية أوت 2017، سواء الذين عاشوا في الجزائر أو في الغربة، مثل محمود زموري، إضافة إلى قائمة الأفلام الطويلة التي أنجزت في نفس الفترة، وأدرجت فيها قائمة للأفلام ذات الإنتاج المشترك، مثل فيلم «عودة الابن الضال» مع يوسف شاهين، وفيلم «زاد» مع كوستا غافراس. في المقابل لم أتناول المخرجين والممثلين الذين قدموا أفلاما تلفزيونية أو سكاتشات أو مسلسلات، فمثلا الفنان ابن سيدي بلعباس، قندسي، لم يقدم أي فيلم سينمائي ونفس الشيء بالنسبة لثلاثي «بلا حدود»، لهذا لم أذكرهم في كتابي.

ما الغاية من تأليف هذا الكتاب في زمن محركات البحث وانتشار الأنترنت؟

❊❊ يمكن الحديث عن فيض المعلومات بالنسبة لفناني الغرب وحتى فناني الولايات المتحدة الأمريكية. وأبعد من ذلك، فالمعلومات متوفرة أيضا بالنسبة لفناني مصر، لكن من الصعب جدا، بل وأحيانا من المستحيل إيجاد معلومات عن فنانينا ومخرجينا، فما بالك بالصور؟ في هذا السياق، أشكر جمعية «الأضواء» التي كان يرأسها المخرج الراحل عمار العسكري على مساعدتها لي، بتزويدي بملصقات وبطاقات فنية وحتى صور لفنانينا. صعوبة أخرى يمكن التحدث عنها، تتمثل في تحديد تواريخ ميلاد بعض الفنانين الذين رفضوا التصريح بها. في المقابل، أقول إن كتابي هذا ثمرة بحث دام خمس سنوات كاملة، وقد ألفته لتعريف الشباب بتراثنا السينمائي، فحينما كنت أدرّس في كلية الحقوق بسعيدة، لاحظت أن طلبتي لا يعرفون الكثير عن فنانينا، وحتى عن أدبائنا، فكنت أخصص دقائق للتعريف بلخضر حمينة وطاهر جاوت وغيرهما، وهو ما كنت أعتبره صدقة جارية، لهذا كان صدور هذا الكتاب الذي يحمل 99 بالمائة من معلومات مضبوطة.

هل تناولت في مؤلفك هذا، السينمائيين البارزين فقط، أم كل من وضع قدميه في عالم الفن السابع؟

❊❊ كل سينمائي سواء كان ممثلا أو مخرجا، قدم فيلما طويلا، جاء ذكره في كتابي، اللهم بعض الهفوات التي يمكن أن تحدث في أي إصدار، فمثلا تناولت فاروق بلوفة، الذي أخرج فيلما واحدا وهو «نهلة»، لكنه حقق به نجاحا كبيرا، كما تطرقت أيضا إلى الممثلين الذين لعبوا أدوارا ثانوية، مع العلم أن البعض منهم برز بشكل واضح في أداء مثل هذه الأدوار. وهكذا أريد أن يكون عملي هذا أداة عمل مفيدة وممتعة للباحثين، خاصة أن عالمي السينما والمسرح يشهدان حركة من خلال تنظيم عدة ورشات تكوينية. كما تم فتح عدة كليات للفنون مثلما هو عليه الأمر في ولاية سعيدة وفي العديد من الولايات، مما يساعد على نشر هذه الفنون. في إطار آخر، فضلت أن أكتب مؤلفي الأخير باللغة العربية، حتى يطلع عليه الشباب الذي لم يعد يميل للغة الفرنسية، لكنني في الوقت نفسه، سأترجم عملي هذا إلى الفرنسية، مثلما سأقوم بنفس الشيء بالنسبة لكتابي «السينما الجزائرية وثورة التحرير».

كيف نما حب الفن السابع في قلب الإداري والأستاذ الجامعي عدّة شنتوف؟

❊❊ أنا خريج مدرسة الإدارة، دفعة الوزير ميهوبي والوالي زوخ والفنان بن دعماش، لكن حب الفن السابع لم يبرح مكانه في أعماق قلبي، وفي شبابي، كنت أكتب الكثير من المقالات النقدية الخاصة بالأفلام التي كنت أشاهدها، سواء الجزائرية أو العالمية، لكن هذه المقالات لم تبرح أدراجي، اللهم إلا التي كنت أقدمها لأصدقائي. كما كنت أطالع الكثير من المجلات الفنية، ومنه حان الأوان لكي أنتقل من عالم القراءة إلى عالم الكتابة، فكان ميلاد أول كتاب لي باللغة الفرنسية؛ «الذائب في الأسود»، وقد اخترت هذا العنوان نسبة إلى تقنية في عالم السينما، وكان ميلاد أول مولود لي سنة 2009 يضم مجموعة من مقالاتي النقدية، وسيصدر الجزء الثاني منها هذه السنة بحول الله، مع العلم أن الجزء الأول من كتابي هذا، كتب مقدمته الفنان المعروف جان بول بلماندو، فعرف كتابي بعضا من النجاح، كما قدمته أيضا في مهرجانات بتونس والمغرب، باعتبار أنني أعشق حضور المهرجانات ولو على حسابي الخاص، لأنها فرصة للاحتكاك بالسينمائيين ومشاهدة الأفلام الجديدة، ويبقى حلم زيارة مهرجان «كان السينمائي» صعب المنال، لأنه يتطلب إمكانيات كبيرة لا أتوفر عليها. في المقابل، أشارك أيضا في المهرجانات التي تنظم داخل الوطن، خاصة أنني وبحكم إقامتي في مدينة سعيدة لا تتوفر لدي فرص مشاهدة الأفلام، وحتى في وهران، رغم أنها مدينة كبيرة، وأتساءل؛ كيف لقاعة سينما بسعيدة ترمم بمبلغ يصل إلى سبعة ملايير سنتيم، لا يستغلها سكان المنطقة؟

ماذا عن كتابك الثاني؛ «السينما الجزائرية بين الأمس واليوم»؟

❊❊  نعم، كتابي الثاني المعنون؛ «السينما الجزائرية بين الأمس واليوم»، كتبته سنة 2012، مع العلم أن الكتابات الجزائرية حول الفن السابع في الجزائر، قليلة جدا، أذكر كتاب «السينما الجزائرية» للطفي محرزي  الثرى «كتبه سنة 1980، و»مرآة القبرات» لعبد الغني مغاربي، إضافة إلى كتاب «عودة عمر قتلاتو» لوسيلة تمزالي، لهذا كان لا بد من الكتابة عن السينما الجزائرية، فكان كتابي الثاني دائما عن «دار الغرب»، يمثل إطلالة شاملة حول السينما الجزائرية منذ الاستقلال. لأنتقل سنة 2013 إلى كتابة مؤلف بعنوان: «السينما الجزائرية وثورة التحرير»، بعد جهد فردي كبير، لأنك لو ذهبت إلى المركز الوطني للسينما والسمعي البصري وطالبت بلائحة الأفلام المنتجة منذ الاستقلال لما تحقق طلبك، في حين أن المركز الفرنسي للسينما يمكن له أن يقدم قائمة بكل الأفلام الفرنسية التي أنتجت منذ عام 1895 وبمختلف أنواعها (16ملم، 35ملم وغيرها)، ووصلت بفعل هذا الجهد إلى تحديد عدد  الأفلام المنتجة منذ الاستقلال والتي بلغت 200 فيلم جزائري، بما فيها الأفلام المشتركة، وأضيف أن الفترة الذهبية للسينما كانت في سنوات السبعينات، حيث تم إنتاج قرابة 30 فيلما روائيا، كما كنا نملك 400 قاعة سينما ونستورد 300 فيلم أجنبي. أما عدد الجمهور فكان يفوق 45 مليون، في حين عرف قطاع الفن السابع، تراجعا رهيبا في العشرية السوداء، حيث لم يتم إنتاج إلا خمسة أو ستة أفلام، علاوة على بروز الأفلام الأمازيغية، كما عادت السينما الجزائرية في سنوات الألفية، إلا أنه وبحكم قلة القاعات، لا يشاهدها الجمهور.

عودة إلى كتابك الثالث الذي يحمل عنوان؛ «السينما الجزائرية وثورة التحرير»، هل تعتقد أن تناول المخرج الجزائري موضوع الثورة بشكل لافت، مرده تمجيد الثورة أم الحصول على دعم إضافي من وزارة المجاهدين؟

❊❊ أعتقد أنه من الضروري تناول الشخصيات التاريخية، لكن بدون تمجيد مبالغ فيه، فمثلا حقق فيلم عن بطل الحرب العالمية الثانية، الجنرال باتون في سنوات السبعينات، إيرادات كبيرة، رغم أنه تناول الشخصية بشكل كامل، أي أنه تطرق أيضا إلى الجانب القاسي من شخصية باتون، شويخ أيضا تناول قصة مجاهد في فيلمه «يوسف، أسطورة النائم السابع»، وتطرق إلى جوانب غير مألوفة، لكن الفيلم مر مرور الكرام، لأنه أنجز سنة 1993، لكن أعتقد أن وجود شركات إنتاج خاصة تساعد المخرج على تناول المواضيع التي يجدها مناسبة وبالطريقة المناسبة.

تتحدث عن التمويل، لكن إنتاج فيلم يتطلب مبالغ ضخمة، والمؤسسات سواء العمومية أو الخاصة، لا تساهم في هذه الصناعة، أليس كذلك؟

❊❊ نعم هو كذلك، بلقاسم حجاج، مثلا، قال لي إن فيلمه «لالة فاظمة نسومر» كلف شركته «ماشاهو» 12 مليون أورو، هذا كثير بالنسبة لفيلم جزائري، فتكلفة أي فيلم تعوّض بالإيرادات التي يحققها، لكن أين هي قاعات السينما في الجزائر؟ حتى يتمكن المخرج والمنتج من استعادة أموالهما أو حتى الربح؟ هل تعلمين أن فيلم «عطلة المفتش الطاهر»، حقق مليونين وخمسائة من المشاهدات في السينما، حيث حقق عشر مرات قيمة ميزانيته، كما عرف نجاحا أيضا في تونس والكثير من البرمجة في التلفزيون.

تقصد أن أي مخرج يصنع الفيلم فقط حبا فيه وليس للربح أيضا؟

❊❊ أكيد، تحدثت مرة مع مخرج معروف، وقال لي إن كل ما يطلبه بعد الانتهاء من صنع فيلمه، أن يتم عرضه شرفيا، ومن ثمة لا حدث بعده، وأضاف أنه لو شاهد الفيلم عشرة آلاف شخص، يمكن اعتبار ذلك رمزا للنجاح. في المقابل، ومن جهتي، أقول بأننا لا نجد أفلامنا حتى في أقراص مضغوطة يمكن مشاهدتها في المنزل.

عودة إلى الجمهور الذي كما ذكرت، كان يرتاد السينما بشكل متواصل، لماذا هذه القطيعة اليوم بينه وبين الفن السابع؟

❊❊ صحيح أن القطيعة مردها بصفة كبيرة، نقص القاعات الرهيب، لكن هي قضية إشهار أيضا، فمثلا تعرض قاعة «الموقار» فيلما حديثا «لالاند» لكن الجمهور لا يرتادها تقريبا، والدليل أن حصة الثانية بعد الظهر، في يوم سابق، ألغيت بسبب وجود مشاهد واحد، والمتمثل في المتحدث، إضافة إلى ما حدث في العشرية السوداء، أحدث الكثير من الضرر لكل الفنون والآداب.

ماذا عن دور التكنولوجيات في إحداث هذه القطيعة؟

❊❊ صراحة لا أؤمن بها لأن الفرنسي مثلا الذي يملك أحدث الوسائل التي تمكنه من مشاهدة الأفلام في عقر بيته، يتجه وبشكل متواصل إلى قاعات السينما، فحسب إحصائيات قدمها مركز السينما الفرنسي، فإن ما لا يقل عن 210 ملايين فرنسي اتجه إلى قاعات السينما في السنة الفارطة، وأقدم الأرقام المتعلقة بدول أخرى مثل بريطانيا بـ160 مليون، إسبانيا 100 مليون، الولايات المتحدة الأمريكية مليار و200 مليون، الهند ثلاث ملايير، وغيرها من الدول، إلى جانب الصين التي تشهد كل يوم فتح ثلاث قاعات سينما، أما عن المغرب فكنت في مدينة دار البيضاء وبالضبط في مركب عين ذياب الذي يملك 20 قاعة سينما، تبث أحدث الأفلام، ويمكن أن نقوم نحن أيضا بهذا الأمر. ومن الجميل أن نعرض أفلاما حديثة بقاعة «ابن خلدون»، إلا أن سعر التذكرة مرتفع الثمن، كما أن توقيت عرض الأفلام والمسرحيات في الأمسيات بدلا من السهرات غير مناسب تماما ويقضي على الحميمية التي كانت في السابق، حيث كان الولوج إلى قاعة سينما، يعتبر «خرجة» بأتم معنى الكلمة. في المقابل، ارتفع معدل القرصنة في الجزائر، ويجب أن تتدخل الدولة في توقيف ذلك، صحيح أن هذه الآفة عالمية، إلا أنها تتعرض في أمريكا مثلا،  إلى قوانين صارمة وعقوبات قاسية، لهذا يجب أن ترافق كل الإصلاحات في الفن السابع، إرادة سياسية.

حاورته: لطيفة داريب