"عرس الدم" للمخرج زياني شريف عياد

لعبة القدر المميتة

لعبة القدر المميتة
  • القراءات: 697
دليلة مالك   دليلة مالك
تمضي مسرحية "عرس الدم" للمخرج زياني شريف عياد والنص من روائع كلاسيكيات المسرح العالمي للاسباني فدريكو غارسيا لوركا، في سياق درامي متفاوت، لتروي قصة جرح الأم في فقدان الزوج والأبناء وتبخر أحلامها بسبب الانتقام والحب، حاول المخرج أن تسكن ملامح الجزائرية في العمل الإسباني، غير أن ذلك لم يكن منسجما تماما، بيد أن الخيال الواسع جعل العمل جميلا بفضل الديكور المنوّع بالأشكال والألوان.
يجد المتفرّج نفسه في قصة تجري أطوارها في مدينة تقع في جنوب إسبانيا، لكنه سرعان ما يعيده المخرج إلى الجزائر من خلال بعض الطقوس الاحتفالية المتعلّقة بالأعراس والغناء، فمن غير المعقول سماع زغاريد في الكنيسة، مثلا، ورغم الترجمة المحكمة للنص الذي عكف عليه نور الدين سعودي، إلاّ أنّ إدخال الطبوع الفنية الجزائرية في بعض المشاهد لم يعزز من قوة العرض، ورغم أن القصة تدور أحداثها في بيئة إسبانية، فإن المخرج لم يعتمد على موسيقى الفلامنكو أو رقصته التي كان من شأنها أن تثير الجمهور، خاصة في مشهد لقاء العروسة بليوناردو الذي كان خطيبها الأول، ثم تزوج وأنجب من امرأة أخرى.
وزاد العمل السينوغرافي من قيمة المسرحية، حيث اعتمد المخرج على العديد من اللوحات التشكيلية، وتغيير الديكور في كلّ مرة أثرى المسرح بصور بديعة، كما استعان بعدد من الشخصيات تلبس الأسود وتقوم بعدّة أدوارو كأن تواكب الكلام بالفعل وتحضر الأكسسوارات المتعلّقة بالمشهد، ثم تشارك في لعب الأدواء وتقدّم الشخصيات الأخرى بلمسة إبداعية دقيقة، وتفادى المخرج استعمال الموسيقى واكتفى بالغناء الفردي والجماعي، ومن حيث الإضاءة، لم يوفّق المخرج في جعلها دعامة جيدة للمشاهد، وكانت فيه بعض الأخطاء. 
في مسرحية "عرس الدم"، شخصية الأم هي الرئيسية ومحركها، أكثر من الخطيبين والغريم العاشق ليوناردو، رغم أنّها شخصيات مهيمنة على العمل، والأحداث كلّها مبنية على العلاقات المعقدة بينهم، لكن الأم، هي التي تحمل عبء روح المسرحية، لأنّها في نهاية التحليل هي التي تمثّل يد القدر.
وتدور أحداث المسرحية، التي عرضت سهرة يوم الأربعاء في المسرح الوطني "محي الدين بشطارزي" بالعاصمة، في منطقة ريفية جبلية أندلسية، وفي يوم عرس فتاة حسناء لرجل يعشقها، وأم هذا الرجل التي تُفتتح المسرحية عليها، هي أرملة سبق لزوجها وابنها الأكبر أن قتلا خلال اشتباكات ومعارك ثأر مع "آل فليكس"، تحضّر لعرس ابنها الوحيد المتبقي، وكلّها أمل في أن يتمكّن هذا من أن ينجب لها أحفاداً يملؤون عليها حياتها، تسعد الأم لابنها الذي يعيش حكاية حب عميقة مع عروسه القادمة.
لكن الأم سرعان ما ينتابها التشاؤم، لما تعلم أنّ الخطيبة كانت قبل فترة مخطوبة إلى ليوناردو وهو واحد من أفراد عائلة فليكس العدوة، ورغم أنّ ليوناردو متزوّج الآن، لكن هذا لا يمنع الأم من أن تسأل إذا لم يكن هناك أثر للغرام بينه وبين كنّتها، وفيما تكون الأم غارقة في شكوكها، يحدث أن تقوم، مع ابنها بزيارة للخطيبة، فتفاجأ بأن الفتاة ليست متحمسة للزواج، فيزداد تشاؤم الأم، وكان ليوناردو قد زارها سرا في الليلة الماضية، فهو لم ينس حبه لها.
وترفض الفتاة باسم الشرف، الانصياع لليوناردو والذهاب معه، مقرّرة استئناف مسارها في الزواج من خطيبها، ومع هذا، حينما تحلّ لحظة العرس يغلبها هواها، وقدرها بالتالي أن تهرب مع ليوناردو، وتبدأ الأم بتحريض ابنها الذي يشرع في مطاردة الهاربين عبر الغابات.
وتظهر وسط الغابة امرأة غامضة متشحة بالسواد تمثّل الموت، وخلال حديثها للقمر تكشف أن ليوناردو والخطيب سيمضيان إلى الموت معا، وبالفعل يُقتل الاثنان خلال العراك بينهما، وتعود الخطيبة إلى الأم باكية وهي تحمل صورة الخطيب لتقول لها بأنها على أي حال، بقيت عذراء على طهارتها، وأن تقتلها ولا يشك أحد في شرفها، فتجيبها الأم؛ "وما يجديني طهرك؟ وما ينفعني موتك؟"، ومن جهة أخرى يبرز العمل مأساة زوجة ليوناردو الذي قُتل وترك أبناءه يتامى، بسبب عشيقته السابقة ومضى مع حبه وقضى على حياته وحياة أسرته.