جميلة رحال تقدم روايتها الجديدة وتصرّح:
لنتسامح مع أنفسنا حتى ننعم بالسلام الداخلي
- 369
دعت الكاتبة جميلة رحال إلى الاتصاف بالتسامح للظفر بالسلام الداخلي؛ من خلال تعلم الصفح عن أنفسنا قبل البحث عن رضا الآخرين، وهو ما أوضحته بشكل دقيق في روايتها الصادرة حديثا عن دار شهاب، بعنوان:"أسامحك".
نهلت الكاتبة جميلة رحال من نشاطها الجمعوي بوهران واحتكاكها بالنساء اللواتي يعانين مختلف الأزمات في حياتهن؛ لكي تكتب روايتها الثانية بعد نشرها أول عمل لها بعنوان: "أنت أكثر حرية من جلاديك"، كان عبارة عن رواية تاريخية. بيد أن مؤلَّفها الثاني اجتماعي واقعي، أضفت عليه شيئا من الخيال.
جميلة قالت خلال تقديمها كتابها أول أمس بمقر دار شهاب، إنها استلهمت موضوع روايتها من بعض قصص النساء اللواتي تعرفت عليهن خلال نشاطها الجمعوي، لكنها لم تقتبس من واقعهن كل ما ورد في روايتها، بل أضفت على مؤلَّفها الكثير من الخيال وإن لوّنته بالكثير من الأحداث الواقعية.
وتحكي رواية جميلة في 24 فصلا، قصة امرأة من عائلة ميسورة الحال، تخلت عن دراستها وتزوجت. وبعد مرور سنوات من العيش في سعادة، تعرضت للخيانة من زوجها خلال العشرية السوداء، بالإضافة إلى معاناتها من طرف أفراد عائلتها، فلم تجد في زوجها السند، ولا في عائلتها الملاذ، بل عاشت ظروفا قاسية حتى إنها اضطرت للعمل خادمة، إلا أنها قاومت الحياة، وجابهت الصعاب لتصل إلى نتيجة أن الحياة دروس، وأن عفوها على الآخرين وفي مقدمتهم عن نفسها، هو الخلاص بحد ذاته، وأول الطريق نحو السلام النفسي.
وهكذا كانت بداية أحداث الرواية بائسة إلى حد اليأس. أما خاتمتها فتفاؤل إلى درجة الشعور بالنعيم، والإصرار على الصمود مهما كلف ذلك من جهد ومشقة. وفي هذا قالت جميلة: "أدعو من خلال روايتي هذه، إلى التخلص من الحقد، والتعاطف مع الآخرين، وكذا العفو عن النفس أولا، ثم عن الآخرين لإعادة بناء الذات؛ فالغضب يحطم ذواتنا، ويأخذ بها إلى التهلكة. أطالب بالاتصاف بشيء من الأنانية؛ حتى نهتم بأنفسنا، ونعفو عن زلاتنا".
أما عن سبب عدم وضع اسم للشخصية الرئيسة للرواية عكس بقية الشخصيات، فقالت جميلة إنها تعمدت ذلك؛ بغية إيجاد القارئ نفسه في هذه الشخصية التي شهدت على مساوئ الإنسان؛ مثل الغيرة، والظلم، والخيانة، والدخول في صراعات غير منتهية. وتابعت أن هذه المرأة تساءلت عن أصل هذه المساوئ في حياة الإنسان؛ هل هي عفوية طبيعية، أم أنها ثمرة ظروف عصيبة وآلام رهيبة؟ إلا أن بطلتنا تقرر في آخر الأمر، تجاوز كل شيء، وتحطيم دائرة الأحزان، وتكسير قيود الهموم، ومد يدها للآخرين.
وقالت جميلة إن روايتها هذه هي أيضا، عبارة عن وسيلة لوضع الكلمات فوق طبقات من الصمت الذي تعتمده أغلب النساء الجزائريات، والذي قد يتضاعف إلى حد الانفجار، وكذا نهج لتحرير الكلام، بالإضافة إلى مد الكلمة لنساء يعملن خادمات في البيوت والمكاتب، لا نهتم في العادة بهن، وقد نتعالى عليهن، بيد أنهن يتميزن بذكاء اجتماعي كبير، ويتحلين بإرادة في رفع التحديات. أما عن سبب اختيارها صيغة المتكلم المفرد في روايتها، فهذا يعود إلى رغبتها في أن يشعر القارئ بالمشاعر الفياضة لهذه المرأة، وأن يتعمق في أفكارها المنيرة.
وبالمقابل، أكدت جميلة عدم مقدرتها على كتابة مؤلَّف لها من دون أن يتغلغل التاريخ فيه؛ لهذا تناولت في روايتها هذه، محطات من العشرية السوداء التي عرفتها الجزائر، وقبلها ما اقترفته منظمة الجيش السري من جرائم قبيل استقلال الجزائر.كما تطرقت في عملها هذا أيضا، لمدينة وهران، وأعلامها، وفنانيها، ومثقفيها، خاصة الذين تعرضوا للاغتيال من طرف الإرهابيين؛ مثل عبد القادر علولة، والشاب حسني، مشيرة إلى قلة تناولوا وهران في الأعمال الأدبية؛ لهذا ابتغت أن تعطي صوتا لوهران؛ المدينة التي لم تولد فيها ولا ترعرعت على أرضها، إلا أنها تعشقها فعلا.