صدور "عبد القادر" للمترجم الهادي أدامي
مغامرة طويلة النفس غاصت في المراجع الروسية

- 134

أعلن الكاتب والمترجم الهادي أدامي، مؤخرا، أن كتابه "عبد القادر" سيصدر قريبا عن دار "النهى للنشر والترجمة والتوزيع"، مؤكدا أن ترجمة هذا الكتاب الهام للمؤرخ الروسي الدكتور يولي ستيبانوفيتش أوجانيسيان، كانت مغامرة طويلة النفَس، واجه خلالها صعوبات جمة، إذ تطلّب الأمر منه الرجوع إلى جانب كبير من المراجع التي استند إليها المؤلف، وتتبّع مصادر اقتباساته في لغاتها الأصلية.
كما أضاف المترجم أنه لم يدخر جهدا في تجاوز هذه التحديات. وحرص على أن يولي النص عناية خاصة، علما أنه نص يتشابك فيه البعد الفلسفي مع المعطى السوسيولوجي، والسياسي، والروحي.
وفي سنة 1968، خصصت دار النشر السوفييتية المرموقة مالادايا غفارديا (الحرس الفتي)، كتابا بعنوان "عبد القادر" ضمن سلسلتها الشهيرة "حياة شخصيات بارزة"، التي أسسها الأديب ماكسيم غوركي سنة 1933. وتناولت سير أعلام التاريخ الإنساني.
مؤلف هذا الكتاب هو المؤرخ الروسي الدكتور يولي ستيبانوفيتش أوجانيسيان (1935 – 2020)، أستاذ وباحث رئيسي في معهد علم الاجتماع (أكاديمية العلوم الروسية).
ويمثل كتاب أوجانيسيان مساهمة نوعية في التأريخ لشخصية الأمير عبد القادر، وهو من بين أكثر السير دقة وعمقا، إلى جانب كتاب الضابط البريطاني شارل هنري تشرشل.
وتناول المؤلف شخصية الأمير في أبعادها السياسية، والعسكرية، والروحية. وركز على عدة محاور رئيسة، هي طفولته، وتكوينه العلمي والديني في كنف والده، وصعوده كقائد روحي وعسكري سعى إلى توحيد القبائل لمواجهة الغزو الفرنسي، ومعاركه الأولى التي أظهر فيها شجاعة نادرة، وكاريزما ميدانية، وتأسيسه لدولة منظمة ذات مؤسسات وإدارة حديثة نسبيا، وإرسائه "وشاح الكتائب" كنظام عسكري صارم، فرض الانضباط داخل جيشه، واحترامه حقوق الأسرى، وإلزامه جنوده بمعاملتهم بإنسانية، وتحالفاته وصراعاته مع النخب المحلية والقبائل والجهات الأجنبية، وحرب الاستنزاف الطويلة التي خاضها ضد فرنسا طيلة 15 سنة، زيادة على المعاهدات، وأهمها معاهدة التافنة (1837) التي انتهكتها فرنسا لاحقا، واستسلامه، وسجنه إثر خيانة العهود المقطوعة له، ومؤلفاته بعد الإفراج عنه، ومنها "ذكرى العاقل وتنبيه الغافل"، وإقامته في دمشق، حيث لعب دورا أخلاقيا بارزا، لا سيما خلال مجازر 1860.
الكتاب في نسخته الأصلية، حسب المترجم الهادي أدامي، متوسط الحجم (172 صفحة)، مرفق بصور ورسوم تبرز الأمير، وأهم الشخصيات والمدن والمواقع العسكرية.
ومن بين الصور البارزة لوحة لقاء الأمير مع محرره من الأسر، ومشهد بوابات الحديد، إلى جانب خريطة عملياته العسكرية، وصورة حفل تدشين قناة السويس، يظهر فيها شاميل، ودوليسيبس، وملك مصر.
وقد اعتمد المؤلف الروسي على مصادر بلغات عدة، هي الفرنسية، والإنجليزية، والعربية، والروسية. ومن بينها مصدر نادر هو مقالة للجنرال الروسي كوكوفتسوف سنة 1787 بعنوان "أنباء موثوقة عن الجزائر" .
وقد أكد الأستاذ الهادي مدى إعجابه كمترجم بشهادة أوجانيسيان في خاتمة كتابه، بالعبارات التي وردت حرفيا في كتاب "تحفة الزائر" لمؤلفه محمد بن الأمير عبد القادر، متسائلا كيف اهتدى إليها، " وهو الجدير بأن تنشَر أحاديثه وتحرَّر، وتُتلى آياته مدى الدهر، وتُكرر، بل حري بأن ترقَّم بالتبر جميع أحواله وأموره، وتُضبط وقائع أيامه وأعوامه وشهوره".
وأشار الأستاذ الهادي أدامي أيضا، إلى أن كتاب "عبد القادر" ليولي آغانيسيان يمثل عصارة الاِهتمام العلمي بالأمير في الدراسات الاستشراقية الروسية، وهو في رأي الباحثين منهم الدكتور عماد حاتم، من الكتب التي لا تستوفي حقها إلا الترجمة الكاملة، لأنه لا يشمل على فكرة واحدة يمكن تلخيصها في صفحة صغيرة، بل يتحدث عن حياة غنية حافلة، كان كل فصل فيها تجربة إنسانية خالدة، حافلة بالمعاني.
كما استشهد المترجم بمقولة الأستاذ الجامعي والمترجم عبد العزيز بوباكير، إن " الكتاب صفحة مشرقة في التاريخ العربي والإنساني، ساهم في إحيائها إنسان من بلاد بعيدة، وضع فيها الكثير من روحه، وتعبه، وجهده، وصاغها قدوة يحتذي بها كل إنسان حر مؤمن، يمثل الحق، والعدالة، والكرامة الإنسانية ".
ومن ضمن ما قاله المترجم أدامي: "أشعر اليوم بفخر مزدوج: أولهما أن أسهمت في تقديم رؤية نزيهة وموضوعية لشخصية عظيمة بحجم الأمير عبد القادر. وثانيهما كوني ترجمت عملا علميا موسوعيا كُتب بقلم باحث روسي مرموق، ونُشر ضمن واحدة من أبرز دُور النشر في الحقبة السوفييتية، تحت إشراف قامة أدبية كبرى، هو الأديب ماكسيم غوركي" .
للإشارة، ورد اسم الأمير عبد القادر مبكرا في روسيا؛ أي منذ سنة 1849 في كتاب " الجزائر في العصر الحديث " للعقيد مودست إيفانوفيتش بوغدانوفيتش، الذي حلل فيه المعارك بين الأمير عبد القادر والجيش الفرنسي. ثم أشار إليه الكابتن كوروباتكين في كتابه " الجزائر " عام 1877. وكانت المجلات الروسية مثل سوفريمنِّيك (المعاصر) وسين أوتيتشستفا (ابن الوطن) تنشر مقالات عن الجزائر.