ملكة الإبداع

ملكة الإبداع
  • 2227
تكتبه: أحلام محي الدين تكتبه: أحلام محي الدين
يذكر السجل الذهبي للتاريخ المئات من الأسماء الفنية التي تراصت فيه من كل الأزمنة والأمكنة، تاركة أعمالا خالدة، ولكل واحد منها أسلوبه وخصوصياته  التي أهلته لصنع فردانيته أيضا، على غرار لخضر بن خلوف، الشيخ المغراوي، موزار، زرياب، فضيلة الدزيرية وليوناردو ديفنشي، فقد استطاع كل اسم حفظه التاريخ بعزة أن يترك بصمة فنية يمكن الاعتماد عليها كلية أو جزئيا، أو استنشاق بعض نسماتها لتعبق المكان وتطبعه بجماليات في منتهى الدقة والجمال، فمن منا لا يجلس صامتا يتابع نوتات كلاسكية لموزار، الشخص الأصم الذي حير الدنيا وطور الموسيقى الغربية بطريقة رائعة. والمتفرج على لوحة ديفنشي المحيرة التي بقيت نظراتها سرا لم يفك شيفرته أحد عبر الزمان.  
إن الإبداع ملكة ربانية وهبت لأناس استطاعوا أن يطوروا إبدعاتهم بالبحث والتنقيب والإصرار، وعدم الوقوف عند عتبة الحيرة أو الخوف، فكل مبدع من هؤلاء الكبار وقف على عتبة التفوق والنجاح برأس شامخ، لم يبخل ذاته أو سواه في الغوص في أعماق الجوهر الذي لم يكن موجودا قبل إخراجه، وإلا لما نال لقب "إبداع".
إننا اليوم، للأسف، نفتقد لهذا الجوهر الفريد والأساسي في تطور الفن، فالأغلبية تعمل كتلاميذ الابتدائي من خلال "النقل" عن الآخر، حتى أصبحت كل الأعمال وجوها لعملة واحدة متكررة سئمت منها الآذان، وإن حصل وسمعت الجديد، فإنه "مزكوم" بأنفلونزا الجنس الرخيص الذي يحطم المراهقين والصغار بالدرجة الأولى. إننا الآن وأكثر من أي وقت مضى، بحاجة ماسة إلى الروح الإبداعية البناءة، مثل التي تركها أجدادنا وما تزال تسري في معظم الأعمال التي نستمع إليها باحترام.