السينما الوثائقية تضيء قاعة "مالك بن نبي"

من الفزاعات إلى الكلمات والصلاة

من الفزاعات إلى الكلمات والصلاة
  • 251
مبعوثة "المساء" على تيميمون: نوال جاوت مبعوثة "المساء" على تيميمون: نوال جاوت

شهدت قاعة السينما "مالك بن نبي" في تيميمون عرض مجموعة مميزة من الأفلام القصيرة الوثائقية التي أثبتت قدرة هذا الفن على الجمع بين البُعد الإنساني، التجربة البصرية، والرسائل الاجتماعية العميقة. من تونس إلى أوغندا، ومن غزة إلى الكونغو، كانت الأعمال المشاركة انعكاسًا لتجارب حياتية وثقافية غنية، حملت كل منها رؤية متميزة للمخرج في معالجة موضوعه.

افتتح العرض التونسي بفيلم "فزّاعات المنطقة الحمراء" للمخرج جلال فايزي، وهو فيلم وثائقي مدته 17 دقيقة إنتاج عام 2024. المخرج التونسي العصامي من مدينة سبيطلة، الذي تعلّم الصورة والمونتاج ذاتيًا، قدّم في هذا العمل أول تجربة وثائقية له، منجزًا ضمن إقامة للكتابة في إطار برنامج "تَصِير" (TACIR). يسلط الفيلم الضوء على منطقة حمراء في تونس يعيش سكانها بين الحذر والأمل، من خلال نظرة الفزاعة التي تحرس حقولهم وحياتهم، فتتحول تدريجيًا إلى كائن رمزي يعكس وجوه الخوف والقلق الداخلي للإنسان المعاصر. يميز الفيلم اعتماده على الألوان الباردة والرماديات وغياب الموسيقى في فترات طويلة، لتغدو الفزاعة جزءًا من المكان، وكأنها روح تتجسد من الأرض لتعكس ذاكرة الخراب، فيما أداء الممثل الرئيسي يعكس التوتر الداخلي بصمت ونظرات مشحونة بالارتباك والخوف.

تبع ذلك فيلم "كلمات حرة.. شاعر من غزة" للمخرج عبد الله هارون إلهان، وهو فيلم وثائقي بورتريه مدته 23 دقيقة إنتاج عام 2024، مشترك بين مصر، هولندا، وتركيا. المخرج التركي الحائز على جوائز دولية، والذي عمل في نحو 70 دولة وتلقى تعليمه في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا وكوريا الجنوبية وقطر، تابع من خلال هذا الفيلم حياة الشاعر الغزّي مصعب أبو توهة، الذي تعرض للاعتقال على يد الجيش الإسرائيلي وأصبح صوته رمزًا للمقاومة والنضال من أجل حرية التعبير. يقدم الفيلم صورًا شاعرية لغزّة بعد القصف، مع تسجيل أصوات الأطفال والأمهات والصيادين، ويبرز قدرة الشعر والكلمة على عبور الحدود ونقل رسائل الحرية، حتى عندما يعجز أصحابها عن الحركة. تتداخل القصائد كتعليق صوتي مع المشاهد البصرية، لتخلق تجربة غنية من التفاعل بين الواقع اليومي للحصار وإبداع الإنسان في مواجهة الشدائد.

من الكونغو الديمقراطية جاء فيلم "الصلاة" للمخرج سفاري سينغاير، وهو فيلم وثائقي بورتريه مدته 19 دقيقة إنتاج عام 2024. المخرج الكونغولي تلقى تدريبه في "يولي!أفريكا" في غوما وورشات "أكسيون" في كينشاسا، وقد أخرج عدة أفلام قصيرة سابقة. يعكس الفيلم حياة الطفل موïse في حي شعبي من كينشاسا وسط تحديات اجتماعية وصحية، ويقدّم الصلاة كملاذ روحي يمنحه القدرة على مواجهة الألم والظروف القاسية. يعتمد الفيلم على لقطات قريبة تعانق الملامح الدقيقة للطفل، ويستخدم الضوء الطبيعي لتعكس حرارة الأزقة وشحوب غرف المرضى، بينما تمثل الموسيقى التراتيل المحلية والإيقاعات الكونغولية، ما يخلق فضاءً روحانيًا عميقًا يجمع بين الواقع والفكرة.

الفيلم يطرح سؤالاً جوهريًا عن قدرة الأطفال على مواجهة الأزمات بالإيمان والصبر، ويبرز كيف تتحول الصلاة إلى قوة داخلية تمنحهم القدرة على الصمود.أما أوغندا، فقدّمت عبر المخرج تيموثي نيامانيا فيلمًا وثائقيًا مدته 40 دقيقة إنتاج عام 2024 بعنوان "تاريخ السينما في أوغندا". الفيلم يقدّم دراسة تأملية لنشأة وتطور السينما والتلفزيون في أوغندا منذ الحقبة الاستعمارية وحتى اليوم، ويستعرض الحركات الفنية والفكرية والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي شكّلت المشهد السينمائي الأوغندي المعاصر. من خلال مقابلة مع أسطورة المسرح والسينما حاج أشرف سموغيريري، ينقل الفيلم تجربة متكاملة حول صناعة السينما في أوغندا، موضحًّا كيف انعكست تطوّرات المجتمع على الفنون البصرية والإعلامية، وما هي التحديات التي واجهها المبدعون في الحفاظ على إرثهم الفني والثقافي.

بهذا التنوّع في التجارب والمواضيع، أثبتت الدورة الأولى لمهرجان تيميمون الدولي للفيلم القصير أنّ السينما الوثائقية القصيرة ليست مجرّد تسجيل للواقع، بل وسيلة فعّالة للتأمل، التأريخ، والمقاومة، سواء من خلال استكشاف الخوف والرمزية في تونس، أو الكلمة والشعر في غزة، أو الإيمان والصمود في الكونغو، أو التوثيق التاريخي في أوغندا. كل فيلم أتاح للجمهور فرصة للغوص في عالم يدمج بين الواقع والرمزية، ويجعل من السينما القصيرة أداة حية لفهم الإنسان ومجتمعه عبر صور صادقة ومؤثرة.


ورشة طرايدية وتاكوشت

تعزيز ثقة الطفل بنفسه وتنمي مهاراته السينمائية

شهدت ولاية تيميمون، على هامش الدورة الأولى للمهرجان الدولي للفيلم القصير، تنظيم دورة تكوينية خاصة بأطفال نادي الصحفي الصغير التابع لجمعية لفڨاريش لنشاطات الهواء الطلق. شارك في الدورة عشرة أطفال، بإشراف المخرج السينمائي ومكوّن الأطفال الفنان حكيم طرايدية، بمشاركة الفنانة ريم تاكوشت.

ركّزت الدورة على تعليم الأطفال أساسيات الإعلام والسينما، مع التركيز على تطوير الثقة بالنفس، التي تُعدّ من أهمّ المهارات التي يجب غرسها منذ الصغر. فالطفل الذي ينشأ في بيئة تعزّز ثقته بنفسه يكتسب قدرة على مواجهة المواقف والتحديات بثقة وفاعلية، ما يجعله قادراً على المشاركة الفاعلة في مجتمعه لاحقاً. ومن هذا المنطلق، جاءت الدورة لتربط بين تعلّم مهارات السينما والإعلام، وبين بناء شخصية الطفل وتعزيز ثقته بنفسه خطوة بخطوة، لتصبح هذه المهارة منهج حياة مستقبليتأتي هذه المبادرة في إطار السعي لبناء الفرد والمجتمع، وإعلاء قيم الثقافة والفنون بين الناشئة، في خطوة تعكس اهتمام مهرجان تيميمون بتطوير قدرات الأطفال وإعداد جيل واعٍ ومؤثر في مجاله، بما يعكس الأهداف السامية للمهرجان في ربط الفن بالتربية والقيم المجتمعية.