ندوة "قضية فلسطين في فكر علماء الجزائر"
ميراث نضال وما أشبه الأمس بالراهن!

- 355

نظّم المجلس الإسلامي الأعلى، مؤخرا، ندوة فكرية بعنوان "قضية فلسطين في فكر علماء الجزائر، الشيخ البشير الإبراهيمي والشيخ شريفي سعيد المعروف بالشيخ عدون، أنموذجا"، نشطها الدكتور مصطفى بن الشيخ صالح باجو، بحضور عدة شخصيات وطنية. وتم فيها استعراض جوانب مهمة من التاريخ المشترك بين فلسطين والجزائر، مع تثمين للمقاومة كسبيل لتحرير الأرض، واستعادة المقدسات.
افتتح الندوة رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الدكتور الشيخ مبروك زيد الخير، بكلمة تناول فيها أهمية استلهام نهج علماء الجزائر الأجلاء، الذين جمعوا بين عمق الفكر ونقاء المنهج، في زمن باتت فيه الساحة الفكرية تعاني من صراع الإيديولوجيات، وتفشي الفراغ الروحي، والخواء الوجداني. كما أشاد الدكتور بمكانة العلماء في التاريخ الجزائري، متوقفا عند معالم لامعة كان لها الأثر البالغ، مثل هود بن محكم الهواري الإباضي، أول مفسر للقرآن الكريم في شمال إفريقيا، ومحمد بن نصر الداودي التلمساني أول من شرح صحيح البخاري.
جهود علماء الجزائر من أجل القضية
استعرض، بعدها، الدكتور مصطفى باجو جوانب من نضال وفكر الشيخ البشير الإبراهيمي والشيخ شريفي سعيد المعروف بالشيخ عدون، وجهودهما في دعم القضية الفلسطينية، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي.
وقال المحاضر إن الشيخين ارتبطت مواقفهما بالدفاع عن فلسطين كقضية إسلامية وإنسانية. وكان ذلك، مثلا، من خلال الخطب والمقالات والنشاطات الميدانية، مؤكدا أن فلسطين كانت حاضرة بقوة في وجدان علماء الجزائر، وامتدادا طبيعيا لروحهم التحررية.
وتحدّث الدكتور باجو عن شخصية أمين الحسيني وعلاقته بالجزائر وعلمائها، متوقفا عند المؤتمر الإسلامي الذي انعقد تضامنا مع فلسطين حين احتلالها. ثم استعرض مواقف رجال الجزائر، منهم العلماء والمناضلون الذين رغم بطش الاستعمار الفرنسي حينها، قدَّموا الدعم لفلسطين، علما أن المئات من الجزائريين رحلوا إلى فلسطين للجهاد خاصة في عام 1948. وكوّن الجزائريون عدّة لجان وجمعيات للدعم؛ منها اللجنة العليا لإغاثة فلسطين. واستعرض المتحدث بالمناسبة، كتابات الشيخ الإبراهيمي عن فلسطين. وكان يصفها بجامعة المسلمين. وكان الجزائريون يقفون مع الفلسطينيين حتى قبل إعلان قيام دولة إسرائيل.
ثم تَقدم الأستاذ إسماعيل سعدي إمام مسجد "السلام" بالمحمدية، ليقرأ قصيدته عن فلسطين وغزة. ولم يستطع مقاومة دموعه. ومما قرأ في "طوفان الأقصى":
"أنا لا أعجب من أعرابنا إن انكفأوا، والدهر يجري والأزمان تنصرم، لكنهم ارتكنوا للظلم حاشا الجزائر، الأعذار واهية، إذا تباعد عنك الجود والكرم وجحدت النعم".
وشهدت الندوة عدة مداخلات قيمة من شخصيات وطنية معروفة، وأساتذة جامعيين، وشيوخ بارزين، أثرت النقاش، وأضافت عمقا للندوة، افتتحها السيد بوعلام شريفي ممثل الأمانة الوطنية للمجاهدين، الذي أكد أن خلفية الصراع دينية حضارية بامتياز، مطالبا بالتمسك بهويتنا في القدس، وعدم الخجل من إعلان المسلمين دعمهم لفلسطين على أساس عقائدي، مثلما لا يستحي اليهود من الجهر بشعائرهم.
أما ممثل السفارة الفلسطينية بالجزائر فنوَّه باللقاء، خاصة في هذه الظروف التي تستهدف تصفية قضية فلسطين، واقتلاع شعبها من أرضهم، والنيل من القدس. وكل ذلك، كما أضاف، يجري تحت أعين العالم المتفرج!.
"نحن ورثة الوعد الإلهي"
المتدخل ثمّن موقف الجزائر الدائم منذ عقود ومنذ أن كانت تحت نير الاستعمار، وقال: "نقول لكل من يقف على الحق في زمن الانبطاح والتشكيك في مكانة القدس ليداري العجز، نحن ورثة الوعد الإلهي؛ لا ننكسر ولا ننخذل. وإذا خذلتنا عدالة الأرض فلا تخذلنا عدالة السماء. وفلسطين أظهرت زيف العالم بمبادئه التي هي حبر على ورق"، فيما أشار رئيس المؤسسة الجزائرية لصناعة الغد الدكتور بشير مصيطفى، إلى أنّ مخزون التاريخ يساعد في صنع المستقبل، وأن قضية فلسطين تحتاج اليوم، لنظرة مستقبلية لتطوير وسائل المقاومة، مع إدارة الصراع من خلال معرفة أسلوب تفكير العدو، الذي يفكر باستراتيجية ممتدة لـ100 سنة قادمة. كما دعا إلى دعم التماسك الإسلامي، وتعزيز الاستقلالية الاقتصادية والتكنولوجية، والتسلح، مع إشراك المجتمع المدني في الدعم وتوحيد صفوف الفلسطينيين، ثم تفعيل ديبلوماسية المبادئ والمقاومة الثقافية والفكرية.
وبدوره، أكد الدكتور عمار طالبي على دعم الجزائر لفلسطين؛ على اعتبارها قضية مركزية، وجهادا من أجل المقدسات. وقال إنه جمع كل ما كتبه رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من 1937 حتى 1952. وتتضمن عدة مقالات، منها كتابات توفيق المدني في "الشهاب"، مستحضرا، بالمناسبة، دعم الفلسطينيين لأهل قسنطينة حينما نشب نزاع بينهم وبين اليهود في زمن ابن باديس سنة 1934، وتبرعوا لهم بقيادة الأمين الحسيني مفتي الديار الفلسطينية. ثم قدّم الجزائريون، بدورهم، الدعم والتبرعات لفلسطين أثناء النكبة. وحملها إليهم الطيب العقبي. وفي 1947 تأسست اللجنة العليا لدعم وإغاثة فلسطين بفضل جمعية العلماء وحزب الشعب الجزائري. واستمرت المواقف المشرفة حتى اليوم، ليحيّي المتحدث سفير الجزائر بالأمم المتحدة عمار بن جامع، على مواقفه البطولية التي شرفت بلادنا، وذلك بالحجج وليس بالكلام.
وتوالت التدخلات؛ منها تدخّل الدكتور بوجلال وكذا الدكتور عبد المجيد شيخي، الذي ذكر أسماء علماء ذهبوا للجهاد في فلسطين، وكذا تدخّل السيد رائد (الفلسطيني)، الذي استعرض مواقف الفلسطينيين من أصول جزائرية، الذين رفضوا إغراءات التهجير والمغادرة ومشاركتهم في المقاومة مع الشيخ القسام، ومن هؤلاء الزعماء الجزائريون كان الشيخ الدلسي.
للإشارة، يأتي هذا النشاط في سياق سعي المجلس الإسلامي الأعلى لإبراز التراث الفكري الجزائري، وتجديد الوعي بقضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين، التي تظل محورا مركزيا في ضمير الشعوب الإسلامية.