نصيرة بلولة تقدّم "أرض النساء" بمكتبة "الشهاب"

نبش في ذاكرة "العزريات"

نبش في ذاكرة "العزريات"
  • القراءات: 1353
 مريم. ن مريم. ن
قدّمت الكاتبة نصيرة بلولة، أوّل أمس، بمكتبة "الشهاب" بالعاصمة، آخر إصداراتها وهي رواية تحمل عنوان "أرض النساء" تناولت فيها فئة من النساء بمنطقة الشاوية عرفن بـ"العزريات" تميّزن بحياة مختلفة عن الحياة التقليدية بالمنطقة، لكنهن ظللن منذ الأزل يعاملن باحترام ويقدّرن لأنّهن "فحلات" قاومن سيطرة المجتمع الرجالي والطبيعة وكذلك الاستعمار، وقدّرن قيمة التراب إذ كن يمشين عليه حافيات وكن يخزن بعضه ليغرسنه وردا وفاء لذكرى الزوج.
في كلمته الترحيبية، أشار الأستاذ عز الدين قرفي، إلى أنّ ظهور هذا الكتاب يعدّ إنجازا لأنّه تفرّد بكونه وصف بدقة منطقة الأوراس الأشم التي بقيت الكتابات عنها محتشمة وقليلة، والكتاب يروي قصة خمسة أجيال من نساء المنطقة بقيت قصصهن مثيرة وغريبة يكتنفها الإحساس المرهف والسحر المبهر الذي بسط ظلاله على الذاكرة الجماعية.
بداية أشارت الكاتبة إلى الرباط الوثيق الذي يجمع الشاوية بتراب الأرض والوطن، وذلك منذ الأزل البعيد وبالنسبة إليها فإنّ أصولها من المنطقة وهذا الأصل يبقى مكنونا في وجدانها لا تتخلّص منه لأنّه يمثّل هويتها الجزائرية الأصيلة، وعن فكرة الكتاب أكّدت أنّها تولّدت مع فعل الكتابة الذي لا يعرف لحظة الانفجار والتدفّق ليبدأ بعدها البحث العلمي، لتخرج الرواية مزيجا بين السرد والتاريخ، كما ساهمت حكايات الجدّات وقريبات الكاتبة في تصوّر الرواية. علما أنّ فيها ــ أي الرواية ــ جزءا من تاريخ العائلة.
تروي القصة تاريخا ممتدا عبر 120 سنة أي منذ المرأة زوينة، وهي أحداث واقعية تبدأ من حادثة اغتصاب هذه الفتاة في سن الـ12 سنة فيقوم أخوها بقتل المغتصب، أي أنّ الرواية تبدأ بفعل إجرامي تجعل القارئ يدخل مباشرة في لبّ الموضوع، رغم أنّ الكاتبة أكّدت أنّ القصة لا تتمحور حول فعل الاغتصاب بل بالوقائع التي نتجت عنه، حيث رحلت زوينة، لقرية أخرى لتعيش مع خالتها لتبقى قطرة الدم التي سالت من المقتول محفورة في ذاكرتها الصغيرة، وهنا تقول نصيرة "لم أشأ تحضير القارئ كما يجري في الروايات، ولم أشأ اللف والدوران بل أدخلته مباشرة في الأحداث"، وتضيف "أحداث القصة تبدأ سنة 1847، وبالتالي لم يكن البحث سهلا لقلّة الأرشيف الذي يؤرّخ للمنطقة. علما أنّ هذه السنة عرفت دخول الاستعمار لمنطقة الأوراس وكانت أوّل قرية تدمّر هي "نارا" لتندثر تماما في سنة 1849، وقد هجر من بقي حيا فيها، فلقد صب عليها انتقام فرنسا بعدما وجدت مقاومة شرسة في منطقة الزعاطشة".
في هذه الأجواء تعيش زوينة، عند خالتها "زانا" المرأة العزرية "المتحرّرة" ورغم تمرّدها على التقاليد لم تعاقب وبقيت محترمة تدير حياتها بنفسها تماما كباقي "العزريات" اللواتي كن متحررات وثريات يمارسن العمل والتجارة، وكن محسودات من النساء العاديات اللواتي يقبعن في البيوت، وفي تلك الفترة أيضا توسّعت عمليات مصادرة الأراضي فاشتعلت المقاومة الشعبية، وهجر الشاوية إلى الأراضي القاحلة فأصبح كثيرهم يهجم على الكولون لسرقة المؤونة وكذلك كانت تفعل النساء، في هذه الظروف القاسية ولدت قصة حب بين زوينة وعياش، لكن القبائل المتناحرة رفضت زواجهما لكنه تمّ بفضل امرأة عزرية.
ظاهرة "العزريات" حسب الكاتبة موجودة في المجتمع الشاوي منذ الأزل لكنها غير معمّمة في كلّ القبائل، الكثير من تلك "العزريات" شاركن في المقاومة وصولا إلى الثورة التحريرية منهن السيدة علجية، قريبة الكاتبة التي كافحت بشراسة في حرب التحرير الكبرى، وابنتها من زوجها عريف نارا التي سجنت وعذبت من طرف الاحتلال، لتؤكّد أنّ هذه الظاهرة الاجتماعية تراجعت وتكاد تختفي بعد الاستقلال.
من جهته، قدّم السيد قرفي، ببلوغرافيا لبعض شخصيات الرواية الممتدة أزمانها عبر 5 أجيال أي ابتداء من سنة 1834، سنة ميلاد زوينة ثم تافسوت في 1852، وصولا إلى يلي ابنة زوينة ثم تادلة، من عين التوتة وابنتها علجية، التي هاجرت بعد الحرب إلى باتنة بعدما تكونت سياسيا وثوريا وتزوجت الحقوقي عريف، وصولا إلى نارا، وكلها قصص ذات مغامرات شيّقة وذات بعد إنساني وعاطفي راق، ولا زالت سيرهن تذكر خاصة بمنطقة أولاد عبدي وعين التوتة.
للتذكير فإن الكاتبة من مواليد سنة 1961 بباتنة، وتقيم بكندا نشرت 15 كتابا وعملت في قطاع الإعلام بالجزائر لسنوات، وتجري الآن أبحاثا معمّقة في التاريخ الوطني، ولها مساهمات ودراسات قيّمة في منطقة الكيبك.