فلسطين في هوليوود
نصف قرن من التحول الإيجابي

- 112

رغم الهيمنة الصهيونية التي تبدو مطلقة على مفاصل هوليوود، فإن النظرة إلى القضية الفلسطينية شهدت تحولا لافتا في الثقافة الأمريكية، خلال نصف القرن الأخير. هذا ما توثقه الباحثة الأمريكية، أمية كابل، الأستاذة المساعدة في الثقافة الأمريكية والسينما والتلفزيون والإعلام في جامعة ميشيغن ـ آن آربور، في كتابها "دمج فلسطين: النشاط السينمائي وسياسات التضامن في الولايات المتحدة".
تعود كابل إلى عام 1978، عندما قوبلت الممثلة البريطانية فانيسا ريدغريف بصيحات استهجان، خلال حفل توزيع جوائز "أوسكار"، عقب خطاب انتقدت فيه الصهيونية. وعلى النقيض، في مارس 2024، لقي المخرج البريطاني جوناثان غليزر تصفيقاً وهتافات مؤيدة، حين ألقى كلمة تندد بـ"اختطاف الاحتلال للمحرقة"، في أثناء تسلمه جائزة "أوسكار".
توضح كابل، في مقال مقتبس من الكتاب، نشره موقع "تروث آوت"، أن مجرد ذكر فلسطين في الفضاءات العامة الأمريكية، سواء في التفاعلات الاجتماعية أو الإعلام أو الفنون، كان يُقابل لعقود بالاستنكار، وربما النبذ، في ظل هيمنة رواية صهيونية رسمية. لكن، على مدار خمسين عاما، ساهمت جهود متضافرة لمجموعات متعددة في تغيير هذا الواقع، من فنانين وناشطين ومجتمعات عربية أمريكية ومجتمع الميم ومجموعات يهودية مناهضة للصهيونية، إلى باحثين في دراسات فلسطين والعرب الأمريكيين، وصانعي أفلام فلسطينيين ومتضامنين.
استُخدمت السينما، حسب كابل، أداة لنقل خطاب التحرير الفلسطيني إلى الجمهور الأمريكي، من خلال تنظيم عروض أفلام، وحشد احتجاجات، ومقاطعة المؤسسات السينمائية المتواطئة في قمع الفلسطينيين، وإطلاق مهرجانات سنوية ومنظمات تعزز التمثيل الثقافي للفلسطينيين. وواجهت هذه التحركات رقابة صهيونية، سعت إلى فرض الصمت أو التشويه أو المحو، لكن الناشطين السينمائيين ابتكروا أساليب مقاومة مضادة، ولا يزالون يفعلون ذلك.
وبات من الطبيعي اليوم، أن تُعلن أسماء بارزة في عالم التمثيل والإخراج، من أوروبا والولايات المتحدة وجنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، مشاركتها في مزاد خيري بعنوان "سينما من أجل غزة"، مثل ستيف مارتن ومارتن شورت وسيلينا غوميز، في حملة جمعت أكثر من 315 ألف دولار، لدعم الإغاثة الطبية للفلسطينيين. وتكثفت مظاهر التضامن أيضا في منشورات النجوم على مواقع التواصل، وتوقيع الرسائل المطالبة بوقف إطلاق النار، وتصريحات السجادات الحمراء، وخطابات الجوائز.
وترى كابل، أن هذا التحول لا يقتصر على هوليوود فحسب، بل يمس الثقافة الأمريكية برمتها. فمنذ بدء حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة في 7 أكتوبر 2023، ومع نشر الفلسطينيين أدلة بصرية توثق جرائم الاحتلال عبر منصات التواصل، شهدت الولايات المتحدة موجات تضامن غير مسبوقة، تجلت في انتفاضة طلاب الجامعات، والتظاهرات، وإغلاق الطرقات في عشرات المدن، إلى جانب الأثر الاقتصادي لحملات المقاطعة، مثل تراجع القيمة السوقية لشركة "ستاربكس" بمقدار 11 مليار دولار. وتؤكد كابل، أن هذا التغير في المزاج الشعبي الأمريكي لصالح الفلسطينيين، لم ينشأ من فراغ بعد 7 أكتوبر 2023، بل هو نتيجة مسار تراكمي، بدأ قبل ذلك بزمن.