قضية إضراب طلبة برج الكيفان
هل إقالة المدير هي الحل؟
- 209
دليلة مالك
تعود قضية إضراب طلبة المعهد العالي لمهن فنون العرض ببرج الكيفان إلى الواجهة بشكل دوري، حاملة معها انشغالات مزمنة يبدو أنّها استعصت على الحلّ منذ أكثر من عقدين. وفي كلّ مرة، تكاد تتكرّر النتيجة نفسها: تدخّل الوصاية عبر إقالة مدير المعهد، استجابة لمطالب الطلبة، دون أن يفضي ذلك إلى معالجة جذرية للمشكل أو تحسين مستدام لأوضاع المؤسّسة.
منذ فترة إدارة الراحل لحبيب أيوب، سنتي 2006 أو 2007، عبّر طلبة المعهد عن مطالبهم بطرق سلمية وشرعية، تمحورت أساسًا حول القضايا البيداغوجية والاجتماعية، وظروف الدراسة والمسار التكويني. آنذاك، انتهى الاحتقان بإقالة المدير، ليعيش المعهد فترة من الهدوء النسبي، دون أن يعني ذلك حلًا نهائيًا للمشاكل المطروحة.
في سنة 2012، عاد الطلبة إلى الاحتجاج مجدّدًا، وهذه المرة للمطالبة بمراجعة طبيعة الشهادة الممنوحة، والتي كانت تُصنّف كشهادة جامعية معادلة لكنّها تفتقر إلى الفعالية في سوق العمل. وقد تُوّج ذلك الإضراب بالاعتراف الرسمي بالشهادة على مستوى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في مكسب يُحسب للحراك الطلابي، لكنّه لم يُنهِ الأزمة البنيوية التي يعانيها المعهد.
أما إقالة الدكتور محمد بوكراس مؤخرًا، فهي بدورها امتداد لمسار طويل من الإضرابات، إذ تعود جذورها إلى حراك سنة 2019، حين رفع الطلبة مطالب شملت تنحية المديرة السابقة فوزية عكاك، وتعويضها بشخصية تنتمي إلى المجال الفني بدل الإعلامي. وقد تحقّقت تلك المطالب حينها، غير أنّ الإشكالات الأساسية بقيت قائمة.
اليوم، يتكرّر المشهد عينه، إضراب جديد، مدير يُستبعد، وآخر يُعيَّن. غير أنّ السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه بإلحاح هو، هل تكمن أزمة المعهد فعلاً في شخص المدير؟ أم أنّ سياسة الإقالات المتكرّرة، بوصفها حلولًا ظرفية وغير مدروسة، لا تؤدي سوى إلى إعادة إنتاج الأزمة في كلّ مرة؟.
لقد تغيّر المديرون مرارًا، لكن واقع المعهد لم يشهد تحوّلًا حقيقيًا يرقى إلى تطلّعات الطلبة أو مكانة المؤسّسة الأكاديمية والفنية. وعليه، يبدو أنّ المشكل أعمق من مجرّد تسيير إداري، ويتجاوز الأشخاص إلى اختلالات هيكلية مزمنة.
ولعلّ من أبرز هذه الاختلالات ضعف الميزانية المخصّصة للمعهد، الأمر الذي انعكس سلبًا على ظروف التكوين، وجودة التأطير، ومستوى التجهيزات، ما أدى إلى تراجع واضح في الأداء البيداغوجي والفني. ومن هنا، فإنّ أيّ مقاربة جادة لإصلاح المعهد تستوجب تشخيصًا شاملًا، وإرادة حقيقية لمعالجة جذور الأزمة، بدل الاكتفاء بحلول آنية سرعان ما تثبت محدوديتها.
وعليه، فإنّ المسؤولية تقع اليوم على عاتق الوصاية لإيجاد حلّ جذري ودائم لأزمة المعهد، من خلال تقوية ميزانيته بما يتلاءم مع خصوصية التكوين الفني ومتطلّباته. فدون موارد مالية كافية، يستحيل تحسين ظروف الدراسة، أو توفير تجهيزات ملائمة، أو استقطاب كفاءات بيداغوجية قادرة على الارتقاء بمستوى التكوين. إنّ دعم الميزانية هو مدخل أساسي لإعادة الاعتبار للمعهد وتمكينه من أداء دوره كصرح أكاديمي وفني يواكب تطلعات طلبته ويستجيب لحاجات الساحة الثقافية الوطنية.