«الاجتثاث» رواية لآرزقي ديداني
وجودٌ مدمر لشاب مثقف اجتُث من جذوره
- 896
تتسم الرواية الجزائرية بثراء وتنوع مجالاتها، وتجسّد عمق الإبداع الجزائري الضارب في التاريخ. من بين تلك الروايات رواية «الاجتثاث» التي عُرضت مؤخرا بجناح المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية بمعرض الكتاب في الجزائر العاصمة، وكان ظهورها لافتا لموضوعها المؤلم، وهو الهجرة إلى خارج الوطن ليس طوعا بل قسرا. «الاجتثاث» الرواية الثانية المنشورة للكاتب آرزقي ديداني كسيرة ذاتية تبحث عن الذات. ومن خلال الحكايات والمآثر والحنين إلى المكان المفقود، والتساؤل حول المكان غير المفقود، بحيث كانت في السيرة الذاتية روايات ملفتة وصياغات سردية.
يمس العمل السردي الاغتراب؛ ليس الاغتراب الوجودي فحسب، بل اغتراب الهوية المقتلعة من تربتها الأصلية، لتُغرس بفعل قوة الأشياء في تربة غيرها التي تصبح المنشأ الأصلي لعائلة، وهي الظاهرة المؤلمة في هذه الرواية، بحيث تتجه عائلة جزائرية نحو تونس بسبب القهر المسلط من الاستعمار وتستقر بمنطقة بنزرت، ويحمل الحفيد اسم الجد، وتشاء الأقدار أن يعكس الهجرة نحو بلد الجد.
وما تجلّيه الأحداث في هذه الرواية في سرد متشابك، كيفية ترك الجد آيت أومالو بمنطقة تيزي وزو، وكل الأهوال التي رافقت عملية الهجرة بفعل التهجير، وبالتالي ضياع وسط طريق غير معروف، بحيث يتصور الأشخاص خروج الوحوش لهم في أي لحظة وخيالات دشرة الجد بآيت أومالو، حيث يتيقن الجميع بعد ذلك أنها بقيت بعيدة جدا ولا أمل في العثور عليها إلا في الاسترجاع المؤلم للهضاب الجميلة للأربعاء ناث إيراثن.
يحس الحفيد عند مرحلة وعيه بالدراسة والثورة قائمة بمنزل بورقيبة، وهي مدينة حذو بنزرت قديما، كانت تحمل اسم شخصيه استعمارية (فيري فيل) بوجوده المقلق، لأنه عرف أن هذه البلاد ليست بلاده، بينما بلاده بالمنشأ الغربي؛ أي الجزائر، كما كانوا يطلقون عليها في ذلك الزمان، متجاهلين اسمه ناهيك عن لقبه، وكانت هذه أول مفارقة وجودية اكتوى بها، وصار يتساءل كيف؟ ولماذا؟ وما السبب؟ ونظرا لوعيه الذي اكتسبه من الثقافة أصبحت وضعيته غير مريحة وهو يعيش في حب مسقط رأسه، طفولته وذاته التي يراها كينونته.
النص يصور الأحداث، ويجسد حالات الوجود وحالات الانكسار والفرح الذي غمر الجميع يوم التاسع عشر من مارس في عام اثنين وستين من القرن الماضي، والاستقلال؛ هل صارت الحرية حقيقة، ووسط الفرح الذي عم الأطفال الجزائريين والليبيين والتونسيين، كان الحفيد يرى الجزائر وقد عرفها بفضل مكتب جبهة التحرير، بحيث كان مسؤوله إبراهيم لا يبخل عليه في أي شيء من أبسط سؤال إلى أكبره، كان قد عرف الجزائر ولكنه لم ير البلاد، كان يرسمها في الخيال، وكان ينشر صورها من فيلم «معركة الجزائر» الذي شاهده في صائفة 1966، كما كان يراها في صور الأحداث المصورة بالسينما، وهنا صار لكينونته هوية أي جزائري حر.
❊وردة زرقين