في الذكرى الثالثة لرحيله

ياسين بوجملين.. الهادئ الأنيق

ياسين بوجملين.. الهادئ الأنيق
الراحل ياسين بوجملين
  • 2435
مريم. ن مريم. ن

أحيا بعض الفنانين، بمناسبة اليوم الوطني للفنان، الذكرى الثالثة لوفاة الممثل ياسين بوجملين، معتبرين وفاته خسارة للفن، تماما كما كان الشأن مع فنانين آخرين، كان رحيلهم خسارة كبيرة للمشهد الفني الجزائري، وكان من الصعب تعويضهم، لتبقى أعمالهم خالدة وممتدة للأجيال..

أشار البعض من هؤلاء الفنانين، إلى "أننا نقترب من الذكرى الثالثة لوفاة الفنان ياسين بن جملين.. الفنان الذي زرع البسمة وملأ الشاشة الجزائرية بأدواره المميزة، في زمن الخوف والعشرية السوداء، والذي تجلى حضوره المتميز في أسمى صورة".

الراحل من مواليد 1961 بالعاصمة، رحل بعد مسيرة عطاء لا تفنى، واشتغل في السينما والمسرح، حيث تقمص أدوارا لشخصيات لا زالت الشاهد الأمين على نجوميته، وشاهده الجمهور في الكثير من الأعمال التلفزيونية، حيث عرف بأدائه الرزين فيها، وحبه العميق للتمثيل والعمل على الرقي بالأعمال التي شارك فيها، ففاقت تجربته في التمثيل 29 سنة، حيث تقمص عدة أدوار في أفلام ومسلسلات قبل خوض تجربة الإخراج، وعالجت جل أعماله هموم المواطن وقضايا الوطن ومتغيرات المجتمع، على غرار مسلسل "ثمن الحلم"، "شهرة"، فيلم "الهجرة"، "الانحراف" و"البوابون".. وغيرها.

كان خلال هذه الأدوار يتابع باهتمام طريقة كل مخرج تعامل معه، فمن كل واحد تعلم بعض التقنيات، ومن خلالها دخل مجال الإخراج، وقدم أعمالا جديدة أداها باقتدار وتحد، من بينها الفيلمين السينيمائيين "اللعبة" و"حنين"، وكذا العديد من الأفلام التي لاقت حُضورا واسعا بقاعات السينما الجزائرية، كونها عالجت أهم القضايا الراهنة، والتي حرص ياسين كثيرا على إدراجها بأجندات أعمالهِ، حيث كانت محل إشادة واعتراف.

غادر الفنان الساحة عن عمر ناهز 56 سنة، حيث وقع خبر وفاته صدمة على كل محبيه، بعد تعرضه لأزمة نفسية جراء التهميش والبطالة، رغم حبه الكبير للتمثيل، لكنه لم يجد مكانه في الساحة الفنية في سنواته الأخيرة، وهو ما أودى به إلى فراش المرض، ثم إلى دار الفناء، ليتوفى في 17 جوان من سنة 2017، بعد أن دخل في غيبوبة بمستشفى "فرانس فانون" بالبليدة، إثر جلطة دماغية متقدمة..

يتذكره زملاؤه وجمهوره الوفي في عيد الفنان، ليترحموا على روحه، ويسألوا الله له رحمته الواسعة، وأن يرزقه الفردوس الأعلى، حيث كان الراحل مثالا لكل الفنانين المهمشين، الذين رفضوا الرداءة والمحسوبية والاستسهال في العمل.

ارتبط هذا الفنان بالدراما الاجتماعية التي أدخلته من أوسع الأبواب للعائلات الجزائرية، علما أن بعض أعماله، منها مثلا فيلم "حنين"، تبث باستمرار على التلفزيون الجزائري، كما كان الراحل أنيقا وهادئا، مما يعكس المعدن الأصيل للرجل الجزائري الشهم، حيث كان يقول في تصريحاته، إنه لا يجب أن ننظر إلى الفنان المحلي على أنه "براني"، مؤكدا أن المبدعين يرحلون في صمت النسيان، غير أن أعمالهم تبقى خالدة وعبرة للأجيال.

كان الراحل يؤمن بالفن الجزائري، لذلك ألح على الاهتمام بالفنان وانشغالاته، وتهيئة الظروف المناسبة له، حتى يتمكن من الإبداع وخدمة الجزائر، وله تجارب في كتابة السيناريو والتمثيل والإخراج، وتجاوز مشواره 26 سنة، وكان يؤمن بالتكوين وبالمدارس الفنية المتخصصة، لكنه لم يفوت فرصة تعلم مختلف التقنيات من كبار الفنانين والمخرجين.

أحبت العائلات هذا الفنان الهادئ والحكيم، وهذا الأب الطيب الذي علم أبناءه قيمة الفن الهادف والجميل، ومثل بعضهم (سن صغيرة) في بعض أعماله، وهو الذي يتناول قضايا اجتماعية جادة وبطرح راق، وكان دوما يتابع جديد الأعمال الفنية، خاصة في الشهر الفضيل، حيث يكثر الإنتاج، إلى جانب متابعة مختلف البرامج والمسلسلات الدرامية الجزائرية والعربية، وكان يصفها بالتجارية، ولا تحترم أذواق المشاهدين ولا القيم، ويغلب عليها العنف والصراخ وكثرة البكاء، والكثير منها تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن برامج بثت سابقا، خاصة عبر القنوات الخاصة التي شوهت صورة المجتمع الجزائري.

يظل هذا الفنان يحمل صورة جميلة عند جمهوره، تعكس أدواره شخصيته وطيبته وحب الوسط الفني له، وهو الذي جمع فنانين من أجيال مختلفة في أفلامه، ومثل معهم وأحبهم.