من تنظيم مؤسسة سيدي امحمد لترقية وإحياء التراث الخلوتي

يوم دراسي حول دور سيدي امحمد في نشر الطريقة الرحمانية بالجزائر

يوم دراسي حول دور سيدي امحمد في نشر الطريقة الرحمانية بالجزائر
المكتبة الوطنية- يوم دراسي بعنوان: (دور سيدي امحمد بن عبد الرحمن، في نشر الطريقة الرحمانية في الجزائر) لطيفة داريب
  • 2065
لطيفة داريب لطيفة داريب

نظمت مؤسسة سيدي امحمد بن عبد الرحمن لترقية وإحياء التراث الخلوتي، أول أمس بالمكتبة الوطنية، يوما دراسيا بعنوان: (دور سيدي امحمد بن عبد الرحمن، في نشر الطريقة الرحمانية في الجزائر)، شارك فيه ثلاثة دكاترة بحضور أعضاء من تنسيقية الزوايا في منطقة القبائل.

وبهذه المناسبة، قال رئيس سيدي امحمد بن عبد الرحمن لترقية وإحياء التراث الخلوتي السيد عبديش يوسف، لـ (المساء)، إنه تم تأسيس هذه المؤسسة لأجل مقام سيدي امحمد بن عبد الرحمن، ولإعادة إحياء الطريقة، مضيفا أن أول زاوية تم إنشاؤها في الطريقة الرحمانية، توجد في بلكور سابقا، بلوزداد حاليا، وهي المنطقة التي عاش فيها سيدي امحمد لمدة أربع سنوات كاملة، ولهذا تصبو المؤسسة إلى إحياء نشاطاتها.

واعتبر عبديش خلال إلقائه كلمة افتتاحية، أن العولمة أحدثت تحولات جذرية وتوترات ثقافية، نتيجة صعوبة إدراك واستيعاب قيم المنظومات الثقافية للآخر من جهة، والاستعلاء الثقافي والتمركز الذاتي والذي يحول دون الاعتراف بالحق في الاختلاف الثقافي من جهة أخرى، مما فتح الباب لشعور عدة فضاءات ثقافية غير غربية، بضرورة مواجهة المد الثقافي الغربي، وذلك عبر التمركز حول الأصول و«الخصوصيات الثقافية، كسلاح ورد فعل ضد موجة العنف والتطرف. وأضاف أن الهوة الشاسعة في أصناف التعليم على كافة المستويات، جعلت الشعوب الفقيرة تحتمي بالعوالم الثقافية لإثبات الذات والتعبير عن عدم رضاها واستنكارها التخلف وعن قلقها من المستقبل الغامض، مشيرا إلى أنه على اعتبار ذلك، يتمثل استيقاظ وانتعاش الثقافات المحيطة هو سلاح للاحتجاج ضد الاختلالات الثقافية العالمية وضد الآثار السلبية للعولمة.

من جهته، ذكر رئيس تنسيقية الزوايا في منطقة القبائل مصطفاوي، لـ (المساء)، عراقة الزوايا في الجزائر، مشيرا إلى أنها مؤسسات تاريخية تخدم العلم والدين والوطن، وتهتم بشؤون الإنسان الجزائري. وبالمقابل اعتبر المتحدث أن الزوايا ماتزال تنشط في حدود إمكانياتها المحدودة، كما أنها ماتزال تحافظ على بذرة الأصالة. أما عن كلمته خلال هذا اليوم الدراسي فقال الشيخ مصطفاوي إنه يتحدث نيابة عن شيخ الطريقة الرحمانية أرزقي آيت الصديق، كما تناول أبعاد وتاريخ الطريقة الرحمانية وأهدافها أيضا.

من الخلوتية إلى الرحمانية

نشط اليوم الدراسي حول (دور سيدي محمد بن عبد الرحمن في نشر الطريقة الرحمانية في الجزائر)، كل من البروفسور زعيم خنشلاوي والدكتور سعيد جاب الخير والدكتور بن عتو، والبداية بخنشلاوي، الذي ذكر أصل الطريقة الرحمانية، والمتمثل في الطريقة الخلوتية، فقال إن الخلوتية في الجزائر تُعرف عندنا بتسمية (الرحمانية)، ظهرت في نهاية القرن الرابع عشر إلى بداية القرن الخامس عشر، وبدورها تُعد فرعا من فروع طريقة العارف بالله الشيخ عبد القاهر بن عبد الله أبي النجيب السهرودي، الذي أخذ التصوف عن الشيخ أحمد الغزالي.

وذكر خنشلاوي أن المؤسس الأول لطريق الخلوتية هو، حسبما يظهر، أبو عبد الله سراج الدين عمر بن الشيخ أكمل الدين الأهيجي المعروف باسم بيبر عمر الخلوتي (البيبر كلمة فارسية يُقصد بها شيخ التربية والسلوك)، في حين هناك من يعتقد أن المؤسس الأول للطريقة اسمه محمد بن نور الخوارزمي أحد مشايخ الطريقة الأبهرية الزاهدية المعروف هو الآخر، باسم الخلوتي، في حين جميع القرائن التاريخية تشير إلى أن المؤسس الفعلي للطريقة هو شخص ثالث، معروف بالبيبر الثاني، والمسمى بسيد جمال الدين يحيى الشيرونيالباكوبي المولود بقرية شماخه بإقليم شروان باكو، عاصمة أذربيجان. وأضاف خنشلاوي أن سيد جمال الدين أخذ الطريقة على يد الشيخ صدر الدين الجياني قبل أن يصير صهره، ويستقر به المقام في باكو، التي منها عرفت الطريقة انتشارا واسعا في حياته، كما ينسب له الحزب الشهير بورد الستار.

واعتبر خنشلاوي من الغريب أن الطريقة الخلوتية لم يستقر بها المقام في موطنها الأصلي بالقوقاز، بل سرعان ما تشعبت بها السبل عبر الأناضول ومنها إلى مصر والبلقان، لتصل إلى الجزائر في القرن الثامن عشر من لدن الشيخ بن عبد الرحمن، وتنتقل بعدها إلى تونس، مؤكدا في السياق ذاته، اعتبار الجزائر إلى جانب إسطنبول والقاهرة، ثالث قطب للطريقة الخلوتية. وأضاف خنشلاوي أن الطريقة الخلوتية انتشرت في كامل بقاع الجزائر، وسميت بالرحمانية نسبة لحاملها، كما أنها أكثر الطرق الجزائرية نفوذا، حتى صارت تُعرف في الأدبيات الفرنسية باسم (كنيسة الجزائر)، كما أن من بين سبعين طريقة مسجلة رسميا على مستوى مشيخة الطرق الصوفية في مصر سنة 1993، توجد تسعة عشرة طريقة خلوتية. كما عدّد المتحدث خصائص الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية، مثل تفتّحها على سائر شرائح المجتمع كالعلماء والأميين وسكان الريف والمدينة، كما أن جل مشايخ الخلوتية هم من العلماء القائمين على أمور الشريعة، مما أكسب هذه الطريقة احترام الحكام والسلاطين وهيبة في نظر الخصوم من فقهاء الظاهر وعلماء الرسوم. أما عن أصولها العامة فتكمن أساسا في الالتزام بآداب الخلوة ومراسم الاعتكاف وإن اشتركت في ذلك مع سائر الطرق الصوفية إلى حد ما خصوصية ذكر الأسماء السبعة على الترتيب المقابل للطائف السبعة أو حواني الأنفس السبعة والمقامات السبعة والتلونات السبعة.

الرحمانية طريقة متفتحة ومتسامحة

من جهته، قال الدكتور سعيد جاب الخير إن أبا هاشم الصوفي هو أول من أُطلق عليه لقب الصوفي بعد مرور عشرين سنة عن حكم العباسيين، مضيفا أن انتظام الظاهرة الصوفية لم يحدث إلا في القرن السادس الهجري. كما ركز الصوفية على العمل أكثر بكثير من الاهتمام بالجوانب النظرية، في حين عرفت الطرق الصوفية ـ حسب المتحدث ـ رواجا بعد الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها المنطقة العربية.

وعاد جاب الخير ليؤكد على تفتح الطريقة الرحمانية، التي ضمت تحت ردائها العديد من الثقافات واللغات والمناطق. كما أن هناك العديد من الفروع النسبية للسند الواحد، علاوة على تركيز تعاليمهم على الظاهر، المتمثل في التربية، والباطن المتمثل في الحقيقة.

النزعة الصوفية تصبو إلى التحلي بالأخلاق والعمل الخيري

أما الدكتور بن عتو فقال إن الحركة الصوفية هي حركة إدراكية وسلوك اجتماعي خاص، يؤدي إلى الإشباع والتخليق الروحي والممارسات الروحية. كما أن هدفها هو الرجوع إلى الله، مضيفا أن الحركة الصوفية هي حركة دينية تختلف عن الرؤية الإسلامية، من حيث شعورها وعلاقتها بعالمي الدنيا والآخرة، واعتبارها أن الدنيا خُلقت لبذل الجهود، ومن ثم الرجوع إلى الله في الآخرة.

وأشار الدكتور إلى رجوع العديد من المهن والحرف مثل التاجر الصوفي وخادم الضريح وغيرها. وبالمقابل أكد أن التصوف يُعد تجربة روحية عميقة، كما أن النزعة الصوفية لدى البعض تمثل ميلا طبيعيا للتطبيق الصارم للأخلاق الدينية والأعمال الخيرية، وتدعى بالخميرة الأزلية التي يتمكن فقط الحاذق من استخراجها. وطالب بن عتو بالعودة إلى التصوف، والتي تمليها اعتبارات الحداثة ومتطلبات العولمة، وتمثل أيضا وعيا ذاتيا بأهمية اتخاذها نمطا حياتيا جديدا، فرضته الأزمات التي يمر بها العالم الذي تَحضر ماديا فقط. كما أن الدعوة الإسلامية الصوفية هي وقاء للمحافظة على الثقافة الإسلامية والهوية الوطنية.