مدينة ندرومة
‘’التربيعة” ساحة تؤرّخ لماض عريق
- 2140
تُعرف مدينة ندرومة (ولاية تلمسان) بطابعها العمراني وأزقتها الضيقة ومنازلها العتيقة وساحة ”التربيعة”؛ ما يجعلها قِبلة للسياح من كل مكان؛ للتعرف على تاريخها وماضيها العريق. وتشتهر هذه المدينة بساحة ”التربيعة” التي يُنسب إليها سكان ندرومة بعبارة ”أولاد التربيعة”، وهي عبارة عن ساحة عمومية، أُطلق عليها هذا الاسم لشكلها المربع، ومساحتها التي تقدر بحوالي ألف متر مربع.
يقول عنها أعيان المدينة إنها سميت بهذا الاسم لأنها مربعة الشكل، وكانت محاطة بأرصفة كانت تفرَش بالحصير؛ لالتقاء أعيان المدينة وشرب القهوة والشاي بها. وتتوفر حاليا على كل مستلزمات الحياة اليومية؛ من هياكل دينية واجتماعية وترفيهية، وفق ما أفاد بذلك وأج، رئيس الجمعية الثقافية ”الموحدية” لمدينة ندرومة ميدون عز الدين.
ولاتزال ساحة ”التربيعة” التي كانت قديما تضم ثلاثة أو أربعة مقاه، تحافظ على المقهى الوحيد بها مقابل الجامع الكبير لندرومة الذي يتوسط الساحة؛ حيث يتفنن صاحبه في تحضير القهوة لزبائنه باستعمال ”الغلاية” أو كما يسميها الندروميون ”الجزوة”، وهي آنية مصنوعة من المعدن، تُطهى فيها القهوة على النار ثلاث مرات؛ للحصول على النكهة التي يبحث عنها الكثير من الزبائن، خاصة قاصدي ساحة ”التربيعة” لأول مرة، وفق نفس المصدر.
وكانت ”التربيعة” قديما محاطة ”بالمصريات”، وهي نواد وغرف صغيرة كانت ملكا لكبار العائلات الندرومية، كان يستغلها أعيان المدينة خاصة من محبي وممارسي الموسيقى الأندلسية، في العزف على مختلف الآلات الموسيقية وترديد نصوصها وقصائدها، منها ”مصرية الشيخ الرمضاني” التي كان يشرف عليها الحاج محمد النقاش المعروف باسم ”غنيم”، و«مصرية الشيخ السي إدريس رحال”، و«مصرية الحاج محمد الغافور” وغيرها.
كما يوجد بهذه الساحة حوالي 8 زوايا قرآنية؛ كالعيساوية والقادرية والهبرية الدرقاوية والسليمانية والزيانية والتجانية.
الحمّام البالي... 9 قرون من الصمود
يُعد ”الحمّام البالي” أو كما يسميه البعض حمام البركة، من أقدم حمّامات مدينة ندرومة، يقع بساحة التربيعة بجانب المسجد الكبير، وقد شُيد منذ 9 قرون، وخضع لعملية ترميم من قبل وزارة الثقافة سنة 2003، لرد الاعتبار له وحمايته من الانهيار.
يتم تسخين ماء هذا الحمام الذي يسلك طريقه من منبع بجبال فلاوسن بضواحي ندرومة، على الحطب بداخل ”الفرنق”. ويمر الماء عبر مجار صغيرة وسط أرضية الحمام وجدرانه لتسخينهما بطريقة طبيعية، استنادا إلى رئيس الجمعية الثقافية ”الموحدية” لمدينة ندرومة.
وبجانب ”الحمّام البالي” فضاء صغير للراحة والاستجمام يسمى ”الماموني”، مزركش بمختلف أنواع الورود والنباتات التي تتشابك مع القصب الملتوي الذي يحيط بهذا الفضاء، وفق السيد ميدون، الذي أشار إلى أن كل عرسان مدينة ندرومة قديما كانوا يستحمون في ”الحمّام البالي”. وعند خروجهم يتجهون مباشرة نحو ”الماموني” لشرب الشاي أو عصير الليمون، وكان الكثير منهم يفضلون انطلاق موكب عرسهم من نفس الموقع.
ساحة ”التربيعة” كانت قديما مكانا لبيع الورود والنباتات التزيينية كالقرنفل والياسمين، وبعض الفواكه البرية التي كانت تنضج في محيط مدينة ندرومة؛ ”كالساسنو” و«التافغة” وغيرهما من الفواكه البرية الأخرى.
ويحيط بالساحة أربعة أحياء قديمة، كل أزقتها الضيقة تؤدي إلى هذه الساحة العمومية، وهي ”بن عفان” و«أهل السوق” و«بني زيد” و«أهل الخربة”؛ حيث كانت ندرومة محاطة بأسوار وأبواب أربعة، هي ”باب المدينة” الذي يقع في الجهة الشمالية، و«باب القصبة” جنوبا، و«باب تازا” غربا، و«باب الفراقي” شرقا، وكانت جميعها تغلَق في العصور السابقة عند غروب الشمس.
ويوجد بقصر السلطان الموحدي بمدينة ندرومة الذي شيده عبد المومن بن علي مؤسس الدولة الموحدية، ”سرداب” يؤدي إلى غاية ساحة ”التربيعة”. وقد قام ببناء هذا السرداب أبويعقوب يوسف أحد أمراء الدولة الزيانية خلال فترة إقامته بقصر السلطان الموحدي التي دامت 4 سنوات، وفق السيد ميدون، الذي أوضح أن أبا يعقوب يوسف قام كذلك ببناء مسجد داخل هذا القصر، وجعل من هذا السرداب ممرا سريا له، للتنقل بين القصر والمسجد والحمّام البالي الموجود بساحة ”التربيعة”.
مشروع لردّ الاعتبار للأحياء القديمة
ستشهد المنازل القديمة بالأحياء المجاورة لساحة ”التربيعة”، قريبا، عملية ترميم لواجهاتها وأسقفها ضمن برنامج وزارة السكن والعمران والمدينة الذي سيمس حوالي 800 مسكن قديم؛ من أجل رد الاعتبار لهذه المساكن، وإحياء الحركة التي كانت تشتهر بها سابقا ساحة ”التربيعة”، واستقطاب السياح واستقبالهم في أحسن الظروف.
كما ستقوم جمعية ”الموحدية” لندرومة عما قريب، بتكوين 30 شابا ممن تركوا مقاعد الدراسة في مجال تأهيل المباني القديمة ضمن دورتين تكوينيتين، تدوم كل واحدة منها 3 أشهر، لتلقينهم عبر دروس نظرية وتطبيقية كيفية تأهيل البنايات القديمة، تحت إشراف بنّاء مختص في المجال، وذلك بالمنزل العتيق الخاص بعائلة ”السي إدريس رحال”، الذي سيكون ورشة لهؤلاء الشباب لإجراء التطبيقات، كما أشار إليه رئيس الجمعية ميدون عز الدين.
وستسمح هذه الدورة التكوينية بحصول المستفيدين على شهادة تأهيلية بعد اجتيازهم امتحانا بمركز التكوين المهني، يمكّنهم من مزاولة هذا النشاط مع مختلف مؤسسات البناء، التي ستشرف عما قريب، على تجسيد برنامج وزارة السكن والعمران والمدينة الخاص بترميم المنازل القديمة.
وتندرج هذه الدورة التكوينية ضمن مشروع ”القصبة للتعليم المهني للشباب العاطلين” الذي تتبناه جمعية ”صحة سيدي الهواري” لوهران، ضمن البرنامج الوطني ”ملائمة - تكوين - تشغيل - تأهيل” الذي تمت بلورته في إطار التعاون ما بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، ويمس ولايات تلمسان وعين تموشنت والبيّض وورقلة وأدرار وتيزي وزو، وفق نفس المصدر. وأضاف أن جمعية ”الموحدية” حظيت بمبلغ 2 مليون دج من المبلغ الإجمالي لهذا المشروع لتجسيده في الولاية.