مثل الجزائر في الندوة المتوسطية حول المجتمع المدني.. الخبير مبتول:
أولوية حل النزاعات في المنطقة وإنجاح التحول الطاقوي
- 902
شاركت الجزائر في الندوة المتوسطية التي عقدت أول أمس بباريس عبر تقنية التحاضر عن بعد، حول "المجتمع المدني"، والذي خصص لمناقشة عدة قضايا تخص بلدان الضفة الغربية للمتوسط، وعلى رأسها الانتقال الطاقوي، باعتباره الملف الذي تشرف عليه الجزائر في إطار لجنة الطاقة التي تترأسها. وقد مثل الجزائر في هذه الندوة الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول بتكليف من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
وأوضح بيان للخبير تلقت "المساء" نسخة منه، أن الندوة جمعت ممثلي مجموعة 5+5 والتي تضم كلا من الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا عن الضفة الجنوبية، وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال ومالطا عن الضفة الشمالية.
وترأس الجزائر لجنة الطاقة ضمن هذه المبادرة المتوسطية التي أطلقت العام الماضي، وتخص بلدان غرب المتوسط، حيث سبق وأن احتضنت بلادنا الندوة الأولى حول هذا الملف بداية العام 2019، فيما عقدت الندوة الثانية في مدينة مرسيليا الفرنسية في جوان 2019.
واقترحت الجزائر في هذا الإطار 47 مشروعا نابعا من المجتمع المدني تخص 4 محاور، هي: الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية، الربط الكهربائي، الغاز الطبيعي كمحرك للتحول الطاقوي والتحولات الرقمية في قطاع الطاقة.
وتهدف هذه المبادرة المتوسطية عموما، إلى دراسة إمكانية وضع جملة من المشاريع التنموية في ضفتي المتوسط، بهدف تحقيق الرفاهية والازدهار لشعوب المنطقة، وربط جسور للعمل المشترك ضمن هذه المشاريع، التي يتوقع تمويلها وتنفيذها بالشراكة. ويتم من خلال هذه الندوات تحديد هذا النوع من المشاريع وطريقة تمويلها، سواء تعلق الأمر بالطاقة أو البيئة أو التنمية المستدامة أو دعم المجتمع المدني، فضلا عن طرح مسائل إنسانية مثل تنقل الأشخاص والأمن في هذا الفضاء، إضافة إلى السياحة والشباب والثقافة والابتكار..
كما تسمح مثل هذه اللقاءات بعرض أولويات كل بلد من النواحي الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك بأخذ واقع المنطقة عموما والواقع الخاص بكل بلد من جهة أخرى.
في هذا الإطار، قدمت الجزائر جملة من الاقتراحات، من بينها إنشاء جامعة أورومتوسطية تكون إطارا لإخصاب الثقافات ومكافحة اللاتسامح، وتأسيس بنك وبورصة للمنطقة بأدوات مالية ملائمة تساعد على إنجاز مشاريع ملموسة وتشجع على إحداث شبكات غير مركزية للأطراف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الفاعلة، مع إشراك المؤسسات المالية، إضافة إلى الدعوة إلى إحداث مجلس اقتصادي واجتماعي على مستوى منطقة غرب المتوسط (5+5)، مهمته تجميع مختلف شرائح المجتمع المدني. ويشارك في هذه المبادرة كل من الاتحاد الأوروبي وألمانيا وكذا المنظمات المتوسطية وأهم المنظمات الاقتصادية الدولية بالمنطقة. أما أهم المنظمات الاقتصادية الدولية فتتمثل في البنك العالمي والبنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
وفي الكلمة التي ألقاها في الندوة، أشار الخبير الدولي عبد الرحمان مبتول، إلى أن الوضع الحالي يؤثر على منطقة المتوسط وبلدانها واقتصادياتها، ما يتطلب تكثيف العمل من أجل حل مسألة "الضبط الاجتماعي" التي توفق بين الجدوى الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، بغرض تجنب أي انفجار اجتماعي من شأنه زعزعة استقرار المنطقة.
وجدد التأكيد على عزم الجزائر علىإنجاح هذه المبادرة، مثلما تمت الإشارة إليه في الاجتماع الوزاري الذي عقد في جوان 2019. وذلك بغرض "جعل حوض المتوسط فضاء للسلام والازدهار والرفاهية، مؤسس على الحوار بين الثقافات ومكافحة كل أشكال التمييز والتطرف، مع مساهمة كل الكفاءات المغاربية والإفريقية الموجودة في الخارج".
وقدم ممثل الجزائر في هذا الاتجاه بعض الأفكار، أولها تتعلق بالأمن وفض النزاعات، حيث أشار إلى ضرورة حل النزاعات بالرجوع إلى القانون الدولي، تحت رعاية الأمم المتحدة،مع تفضيل الحوار مثلما تؤكد عليه الجزائر في كل المناطق، سواء بالشرق الأوسط أو ليبيا أو الساحل أو الصحراء الغربية، من أجل تجنب تطور الإرهاب والفقر التي تهدد بزعزعة المنطقة، مشددا على أنه "دون حل هذه النزاعات لا يمكن تجسيد المشاريع التي توضع للمنطقة".
كما أشار الخبير، من جانب آخر، إلى أهمية دمقرطة منطقة المتوسط، مع أخذ خصوصياتها الثقافية والانتروبولوجية بعين الاعتبار، وأخلقة العلاقات الدولية، لاسيما في ظل تفشي ظواهر سلبية مثل الفساد والرشوة والتحويل غير الشرعي للأموال والتهرب الضريبي، مع تهميش فئات عريضة من المجتمع وتفقيرها.ما يخلق جوا لتنامي التوترات الاجتماعية المستقبلية. وهو ما جعله يقترح إنشاء مجلس محاسبة لمجموعة 5+5 عبر شبكات مجالس المحاسبة الوطنية، من أجل مواجهة هذه الظواهر وتحقيق الفعالية في النفقات العمومية.
من جهة أخرى، دعا مبتول إلى وضع رؤية إستراتيجية للعالم الجديد مع تطوير شبكات اجتماعية تفرز سلوكيات وعلاقات اجتماعية جديدة تؤثر على طبيعة الحكم، مؤكدا على ضرورة إشراك أوسع للمجتمع المدني في الفضاء المتوسطي، ليلعب دورا هاما في وضع مشاريع ملموسة لصالح التنمية البشرية، الاقتصادية والمستدامة للمتوسط.
ولدى حديثه عن التحدي البيئي، شدد الخبير على أهمية إنجاح مسار التحول المتحكم فيه، من خلال خلق نموذج نمو عالمي جديد ونموذج استهلاكي جديد، وكذا إنجاح مسار التحول الطاقوي، وهو الملف الذي أشرفت عليه الجزائر، واعتبره "مسألة أمن للضفتين"، بالنظر إلى الاضطرابات التي عرفتها الخارطة الطاقوية على المستوى المتوسطي والتي تمتد إلى آفاق 2025.
كما أشار إلى أن الانتقال الطاقوي لا يجب أن ينظر إليه كمسألة تقنية، "وإنما هي مسألة تتعلق بأمن كل الدول، لأن الأمر يتعلق بالمرور من استخدام طاقة أحفورية ملوثة ومتوفرة بكثرة وزهيدة الثمن، إلى طاقة متجددة، نادرة، غالية، وأقل تلويثا. ما يتطلب، حسبه، تحديد تكلفة هذا التحول والأرباح التي يدرها وكذا طبيعة المستفيدين منه، ليخلص في هذا الصدد إلى أن ربط الشبكات بين بلدان غرب المتوسط وتسييرها العقلاني، يمكنه أن يؤدي إلى بروز صناعة طاقوية تخدم الاندماج الاقتصادي للضفتين.