اهتمام أوروبي وأمريكي كبير بتوسيع أفق التعاون معها
اعتراف دولي بمصداقية الجزائر ودورها المؤثر في المنطقة
- 519
أخذ الاهتمام الأوروبي بالجزائر في المدة الأخيرة منحى مغايرا عما كان عليه خلال السنوات الماضية بسبب المعطيات الإقليمية التي تعرفها الساحة الدولية، حيث تجلى ذلك في التودد الذي يطبع تصريحات المسؤولين الأوروبيين تجاه الجزائر والتي تحمل في طياتها، اعترافا صريحا بالدور المؤثر الذي باتت تلعبه في المنطقة من الناحية الأمنية، السياسية والاقتصادية، مع تأكيد استعدادهم لتعزيز أوجه التعاون معها.
لم تكن زيارة مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى الجزائر بحر الأسبوع الجاري، سوى تكريسا لهذا التقارب الجديد الذي رسم ملامح جديدة لطبيعة التعاون بين الجانبين، بل أن الجانب الأوروبي الذي ليس من عادته تقديم المجاملات، أفصح بما لا يدع مجالا للشك عن حاجته لتفعيل تعاونه مع شريك استراتيجي في المنطقة مثل الجزائر، استنادا الى معايير مرتبطة أساسا بعوامل الاستقرار السياسي والمؤشرات الاقتصادية الجيدة.
قبل بوريل حل رئيس المجلس الأوربي شارل ميشيل، في زيارة مفاجئة إلى الجزائر مطلع شهر سبتمبر الماضي الذي صرح آنذاك بأن " الجزائر شريك موثوق به ومخلص وملتزم في مجال الطاقة "، مؤكدا التزام الجانبين بتقاسم "نفس الطموح لإعطاء دفع جديد لنوعية العلاقات التي تجمع بين الجزائر والاتحاد الأوروبي". وأمام هذه المعطيات الجديدة، لا تفتأ الجزائر من جانبها في التأكيد على اعتمادها الندية في علاقاتها مع الدول الشريكة، انطلاقا من قناعتها بضرورة مسايرة المتغيرات الراهنة التي أفرزتها الجائحة العالمية "كوفيد 19 " ثم الأزمة الأوكرانية الروسية التي يبدو أنها بدأت في وضع ركائز جديدة للنظام العالمي الجديد.
ولم يكن التهافت الأوروبي على الغاز الجزائري في الحقيقة، سوى واحدا من الاهتمامات التي توليها أوروبا لأمنها القومي، حيث يتعلق الأمر بضمان الاحتياجات الضرورية لشعوبها، بل أن الأمر تعدى هذه المرة إلى الشق السياسي من خلال تطلع الاتحاد الأوروبي لأن تلقي الجزائر بثقلها في إيجاد حل للأزمة الروسية الأوكرانية، بالنظر إلى تجربتها الكبيرة في تسوية الأزمات الدولية. أكثر من ذلك، لم يتوان بوريل في وصف الجزائر بالشريك الموثوق والفاعل والمحوري في مكافحة الارهاب، مؤكدا على بعث الحوار الثنائي رفيع المستوى في مجال الأمن، على أن تنعقد أولى اجتماعاته قبل نهاية السنة الجارية.
بلا شك فإن التداعيات الأمنية التي أخذت منحى جديدا في الآونة الأخيرة، خصوصا في ظل ما تعرفه منطقة الساحل من تطورات خطيرة وتكالب قوى جديدة عليها، قد دفعت بالجانب الأوروبي للتفكير في استراتيجية جديدة تحصن حدودها عبر بوابة الجزائر، إذ يمكن أن نستشف ذلك في تصريح بوريل الذي أكد على ضرورة" تعزيز الاستقرار على مستوى محيطنا وجوارنا المشترك".
وكان تصريح نائب كاتب الدولة الأمريكي المكلفة بمراقبة الأسلحة وشؤون الأمن الدولي بوني دنيز جنكينز التي زارت الجزائر يوم 7 مارس الجاري، قد انصب في هذا الاتجاه، مؤكدة امتنان بلادها للجزائر من أجل إقرار السلم والأمن في المنطقة، في الوقت الذي يعمل فيه البلدان على بناء روابط أمنية اقتصادية وثقافية قوية، و التي قالت عنها بأنها " قوية اليوم أكثر من ذي قبل". فمثل هذه المعطيات الايجابية التي تزيح أي شك عن طبيعة الثقل الاستراتيجي الذي تتمتع به الجزائر، كفيل بأن يفتح الشهية لأي شريك في عالم لا يعترف اليوم سوى ببراغماتية المصالح.
من هذا المنطق بدا أن الجانب الأوروبي تجاوب مع مطلب الجزائر بخصوص مكافحة الفساد وتبييض الأموال، حيث اعتبره بوريل بمثابة "أولوية هامة سواء بالنسبة للاتحاد الأوروبي أو للجزائر" على السواء، مضيفا أنه تحادث مع الرئيس تبون حول مواضيع "الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة" وكذا "التحويلات المالية غير المشروعة".
بدأت أولى ثمار هذا الملف الحساس تظهر إلى العلن من خلال استقبال وزير العدل حافظ الأختام، عبد الرشيد طبي والأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج عمار بلاني لرئيس وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون القضائي في المجال الجنائي لاديسلاف همران، الذي أكد "استعداد هيئته والتزامها بتقديم كافة أشكال الدعم والمساعدة التقنية الضرورية للجهات القضائية الجزائرية في مجال التحريات وتسهيل التواصل مع نظيراتها الأوروبية في معالجة الملفات ذات الصلة باسترداد الأموال والأصول المنهوبة من الجزائر".
بذلك تكون الجزائر قد فرضت نفسها كقوة في المنطقة يحسب لها ألف حساب، خاصة وأنها نجحت في الماضي في محاربة الإرهاب لوحدها. كما استطاعت اليوم أن تحافظ على أمنها واستقرارها.