خبراء يقترحون حلولا محددة لتجنب انهيار الاقتصاد الوطني

الاستجابة لمطالب الحراك وتغيير النموذج الاقتصادي

الاستجابة لمطالب الحراك وتغيير النموذج الاقتصادي
  • 1186
ح. ح / ز. س ح. ح / ز. س

يحذّر خبراء الاقتصاد من انهيار تام للاقتصاد الوطني في غضون سنتين أو ثلاث سنوات في حال عدم الإسراع إلى إيجاد الحلول المواتية للأزمة السياسية الحالية التي تمر بها البلاد، وإتباعها مباشرة بمخطط استعجالي لمعالجة الوضع الاقتصادي، والخروج من النموذج الذي اتُّبع منذ الاستقلال، والقائم على التبعية للمحروقات.

وفي حين يرفض هؤلاء فكرة أن الحراك الشعبي يؤثر سلبا على سير الاقتصاد الوطني مؤكدين في المقابل، أنه جاء لينقذ البلاد من الوضع الكارثي الذي كانت تعيشه قبل 22 فيفري الماضي، حيث إن المطلوب، حسبهم اليوم، هو تثمين مزايا هذا الحراك؛ من خلال الاستجابة لمطالبه، ثمّنوا في سياق متصل، تحرك العدالة في اتجاه محاسبة الفاسدين وكل من تورط في قضايا المساس بمصالح وثروات الشعب والوطن، آملين أن تفضي المتابعات القضائية إلى إرغام المتورطين على إرجاع الأموال المختلسة، بما فيها تلك المهرّبة إلى الخارج، على الرغم من أن بعضهم لا يتوقع أن تتجاوز قيمة الأموال التي يمكن استرجاعها، نسبة 15 بالمائة.

 ح. ح / ز. س


  بن بيتور محذرا من عواقب أزمة اقتصادية خانقة في 2021:

العدالة مطالبة بإجبار المتورطين في اختلاس الأموال بإرجاعها

دعا رئيس الحكومة الأسبق والخبير الاقتصادي أحمد بن بيتور إلى ضرورة الإسراع في إيجاد حل للأزمة الحالية التي تمر بها البلاد، لإنقاذ الاقتصاد الوطني المهدد بنفاذ احتياطي الصرف في غضون سنة 2021، مؤكدا في تصريح لـ«المساء" أن "القضاء يجب أن يتحرك لإرغام رجال الأعمال والسياسيين وكل المتورطين في قضايا الفساد على إرجاع الأموال المختلسة والمهربة للخارج، في ظل غياب آليات قانونية، تسمح للجزائر باسترجاع هذه الأموال من البنوك الأجنبية من دون موافقة أصحاب الحسابات البنكية.

وأشار السيد بن بيتور إلى أن قضايا الفساد المطروحة على العدالة والتي كشفتها التحقيقات الأمنية منذ بداية الحراك الشعبي، تبين حجم الخسائر الكبيرة التي تكبدها الاقتصاد الوطني جراء نهب المال العام، متوقعا تأثيرا سلبيا لهذه الخسائر على الخزينة العمومية في حال عدم استرجاع هذه الأموال.

ويؤكد رئيس الحكومة الأسبق أن الحل الوحيد لاسترجاع بعض هذه الأموال المختلسة التي لها أثر في حسابات أصحابها بالبنوك الأجنبية بسويسرا وغيرها (في حال ثبوت تورط أصحابها)، يكمن في تحرك القضاء في أقرب وقت ممكن بإصدار أحكام تجبر المتورطين في مثل هذه القضايا على إرجاع الأموال التي أخذوها بطريقة غير شرعية وكذا القروض البنكية التي استفادوا منها ولم يسددوها، موضحا في هذا الصدد بأنه خارج هذا الحل لا يمكن استرجاع هذه الأموال من البنوك الأجنبية، باعتبار أن البنوك في الخارج لا تعترف إلا بأصحاب تلك الحسابات ولا يمكن أن تقدم أموالهم بدون رضاهم لأي جهة من الجهات مهما كانت طبيعتها..

وفيما يتعلق بالأموال المختلسة المودعة على مستوى البنوك الوطنية، (في حال وجودها طبعا)، فيمكن حسب السيد بن بيتور حجزها بأمر من العدالة وإرجاعها للخزينة العمومية بعد إدانة أصحابها ووجود أدلة تثبت تورطهم في نهب المال العام.

ويرى السيد بن بيتور بأن محاسبة بعض رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات في قضايا الفساد وإيداعهم السجن، مثلما حدث في الأيام الأخيرة، يجب أن يرافقه الحرص على بقاء المؤسسات الاقتصادية التي توفر مناصب شغل وتساهم في خلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني بتعيين مسيرين آخرين، تفاديا لتفاقم حجم الأزمة التي تعيشها البلاد من الناحية الاقتصادية ورفع معدل البطالة.

ويرى بن بيتور بأن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الجزائر اليوم، ليست وليدة الحراك الشعبي وبداية سقوط المسؤولين فقط، "بل تعود للسياسات الاقتصادية الحكومية الفاشلة التي تسبب فيها النظام الحالي، الأمر الذي يستدعي رحيل كل رموزه وإحداث تغيير جذري في أقرب وقت ممكن لبناء اقتصاد قوي ومتنوع، بإحداث قطيعة شاملة مع السياسات السابقة التي ظلت تعتمد على المحروقات".

وأوضح محدثنا بأن تواصل الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد وعدم الاستجابة لمطالب الشعب، سيطيل من عمر الأزمة وينعكس سلبا على الاقتصاد الوطني، خاصة ما تعلق بالاستثمارات سواء كانت وطنية أو أجنبية، والتي يتوقع ـ حسبه ـ أن تتراجع حتما، بسبب عدم استقرار الأوضاع السياسية ورفض العديد من المتعاملين، التعامل مع الحكومة الحالية، ناهيك عن تدهور مناخ الأعمال بحيث صنفت الجزائر في المرتبة 166 في دراسة دولية خاصة بمناخ الأعمال في العالم ـ على حد تعبيره - وهو ما لا يشجع المستثمرين على إقامة مشاريع ببلادنا في ظل هذه الظروف وتعقد إجراءات الاستثمار والبيروقراطية وغيرها..

وحسب السيد بن بيتور، فإن كل التوقعات تبين بأن الجزائر ستدخل في أزمة اقتصادية خانقة في غضون سنة 2021، بسبب تراجع احتياطي الصرف ونفاذ العملة الصعبة التي تعرف حاليا تناقصا تدريجيا جراء ركود الاقتصاد وعدم تنوعه والاعتماد على مداخيل البترول فقط لسد كل النفقات. وذكر في هذا السياق بتراجع تصدير البترول منذ سنة 2006 مما أدى إلى تراجع المداخيل، قبل أن تتعمق الأزمة ـ حسبه ـ بشكل أكبر بعد انهيار أسعار النفط سنة 2014، ليزيد حجم العجز في الخزينة، بحيث تراجعت مداخيل النفط من 63 مليار دولار إلى 27 مليار دولار حاليا في الوقت الذي تتجاوز فيه المصاريف ما قيمته 50 مليار دولار.

في سياق متصل، دق السيد بن بيتور ناقوس الخطر حيال هذه الوضعية، مطالبا بالإصغاء إلى الحلول الموجودة والممكن تطبيقها لإخراج البلاد من عنق الزجاجة قبل فوات الأوان ودخول البلاد في مصير مجهول وفي دوامة من العجز المالي والاقتصادي يصعب الخروج منها في ظرف قصير، مؤكدا في المقابل بأن الحلول المقترحة غير ممكنة التطبيق في ظل بقاء النظام الحالي ورموزه بعد أن أثبتوا عجزهم في التسيير.

زولا سومر


  حميدوش يرى أن إنقاذ الاقتصاد لن يكون إلا بالحل السياسي للأزمة

التعنت وتضييع الوقت يدخل البلاد في كارثة

يحذر الخبير الاقتصادي أمحمد حميدوش الجزائريين من كارثة اقتصادية من المنتظر أن تتفاقم في حال تضييع الوقت واستمرار تعنت المسيرين للشأن العام، خاصة في ظل بوادر أزمة اقتصادية عالمية مرتقبة هذه السنة في الولايات المتحدة الأمريكية، ستؤثر ـ حسبه ـ سلبا على الاقتصاد الجزائري من خلال تراجع أسعار البترول وتراجع قيمة الدولار الموجود في الخزينة العمومية، معتبرا في هذا الإطار بأن إخراج البلاد من هذه الكارثة المتوقعة لن يكون إلا عن طريق حل سياسي، يتم بوضع خارطة طريق واضحة يقبلها الجميع بعيدا عما يريده النظام الحالي، حيث يعتبر تطبيق المادة 7 و8 من الدستور برأيه، الحل الأنجع لإنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها، بسبب فشل السياسات الحكومية.

وقال السيد حميدوش في تصريح لـ«المساء" بأنه، بالرغم من تأثير الأزمة السياسية والأوضاع التي تعيشها البلاد حاليا على الاقتصاد الوطني، غير أن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الجزائر تعود لسنوات وليس إلى 22 فيفري الماضي، مشيرا إلى أن أهم أسباب الحراك الشعبي هو الوضعية التي آلت إليها البلاد واحتكار الاقتصاد الوطني، حيث يبقى تحرير الاقتصاد ومحاربة الفساد أبرز مطالب هذا الحراك.

وبرأي الخبير، فإن الاقتصاد الجزائري في خطر ويجب اتخاذ الإجراءات اللازمة بصفة استعجالية لاستدراك الوضع قبل فوات الأوان، من خلال الاستجابة لمطالب الحراك وتطبيق المادة 7 و8 من الدستور لاسترجاع السلطة من طرف الشعب، ثم الشروع في بناء جمهورية ثانية تعتمد على اقتصاد قوي ومتنوع بإشراف مسؤولين أكفاء..

وبالرغم من تضرر الاقتصاد الوطني منذ عدة سنوات مع تراجع أسعار البترول، باعتباره المورد الرئيسي للصادرات، فإن استمرار الأزمة السياسية وعدم إيجاد حل لها في أقرب وقت سيضاعف، ــ حسب محدثنا ـ من حجم الأزمة الاقتصادية على عدة مستويات، "بداية بالأسر التي بدأت تتخلى عن ادخار أموالها بالبنوك، خوفا من تفاقم الأوضاع واختلاسها من طرف جهات معينة وتفضيلها بالتالي تخزين أموالها بالبيوت".

هذا الأمر سيؤدي برأي حميدوش، إلى نقص السيولة النقدية بالبنوك "وينعكس سلبا على الاستثمار الذي سيتقلص بدوره وتتقلص معه مناصب الشغل من جهة، بالإضافة إلى لجوء العائلات إلى تقليص الاستهلاك قصد الاقتصاد تخوفا من استمرار الأزمة وفقدان مناصب الشغل، من جهة أخرى".

أما على مستوى المقاولات، فستؤثر الأوضاع الحالية وفقا للخبير، على تراجع الاستثمار بشكل مباشر نتيجة الريب وعدم الثقة، بحيث أصبح رجال الأعمال يتخوفون من التقدم بأية مشاريع، خاصة بعد سلسلة التوقيفات التي شملت بعض رجال الأعمال في الأيام الآخرين بتهم الفساد.

كما يحذر المتحدث من تأثير هذه الأوضاع أيضا على علاقات التعاون الاقتصادية والشراكة مع الخارج، بسبب تدهور مناخ الأعمال، مما سيؤدي ـ حسبه ـ إلى تراجع رأسمال المؤسسات الخاصة الذي يبقى العامل الأساسي للقيمة المضافة ولخلق الثروة، "وهو ما سيؤدي بدوره إلى تقليص مناصب الشغل وارتفاع البطالة إلى نسبة 20 بالمائة أي ضعف المعدل الحالي، مع تراجع مداخيل العمال وبالتالي نقص الاستهلاك وانخفاض مبيعات الشركات، ليكون مصيرها تدريجيا العجز والإفلاس بسبب انهيار المبيعات والأرباح".

كما أشار محدثنا إلى أن القطاع العمومي أيضا لن يسلم من هذه الكارثة، كونه بات يعرف مشكل غياب المصداقية وتخوف الإطارات من التصديق على الفواتير الخاصة بالمشاريع الكبرى، خاصة في قطاع البناء والأشغال العمومية والري. وبالتالي، فإن ركود هذه القطاعات التي تعد عصب الاقتصاد، سيمس بالاقتصاد الوطني، بحيث سيكون للشركات التي تتعامل بالصفقات العمومية مشكل في السيولة وتنجر عن ذلك عدة مشاكل متوقعة، تتعلق بالنزاعات والإفلاس وتأجيل المشاريع، لتبقى رخص البرامج غير كافية ولا يمكن بعدها دفع مستحقات أصحاب المشاريع المنجزة جزئيا، "مما سيدخلنا في بطالة تقنية فرضها عدم وجود نظرة واضحة في الرؤية للمستقبل، لتتجه البلاد نحو أزمة صنعتها السياسات المتعاقبة ولا يمكن حلها، حتى ولو عرف البترول ارتفاعا بـ200 دولار للبرميل، لأن الوقت يكون قد فات بسبب تضييع عدة فرص".

وإذ أشار المتحدث في سياق متصل، إلى أن "البلاد وللأسف استنفذت في 2019 الحلول السياسة النقدية والسياسة المالية، بسبب الإجراءات غير المدروسة التي اتخذتها الحكومة باللجوء إلى طبع العملة وتفاقم النفقات التي تقدر بـ50 مليار دولار"، شدد على ضرورة استدراك الوضع والإسراع في إيجاد مخرج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حفاظا على مستقبل الأجيال الصاعدة وحماية السيادة الوطنية التي قد تتضرر في حال انهيار الاقتصاد الوطني ليعود تحت رحمة المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي، خاصة وأن كل التوقعات ـ حسبه ـ تشير إلى بروز أزمة اقتصادية هذه السنة بتراجع نسبة فوائد البنوك في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 3 بالمائة، "ما قد يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني بفعل انهيار أسعار البترول وتراجع المداخيل من جهة، وكذا تراجع قيمة الدولار الأمريكي وانخفاض قيمة الأموال الموجودة في الخزينة من جهة أخرى.

وفي رده عن سؤالنا حول توقيف رجال الأعمال المتهمين في قضايا الفساد وإمكانية استرجاع الأموال العمومية المختلسة والمهربة، أكد محدثنا بأن العدالة يجب أن تتخذ مجراها في محاربة الفساد ومحاكمة من يتأكد تورطهم، في انتظار صياغة قوانين أخرى مرنة تسمح باسترجاع هذه الأموال، مضيفا بأن الحكومة القادمة يجب أن تعدل قانون الإجراءات الجزائية بما يسمح باسترجاع الأموال المختلسة، مثلما هو معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية، مادام يستحيل استرجاع هذه الأموال الموجودة في بنوك أجنبية بأسماء من هربوها أو بأسماء عائلاتهم بدون حضورهم.

وكمثال، ذكر حميدوش في هذا الصدد، بأن القانون الأمريكي، وبعد الاستعانة بالخبراء وتوسيع التحقيقات الأمنية، يقترح على المتورطين الاعتراف بجرائمهم وإعادة الأموال المختلسة والمهربة مقابل الاستفادة من تخفيض العقوبات. وهي الآلية التي يمكن العمل بها في بلادنا ـ حسبه ـ لاسترجاع هذه الأموال حفاظا على الاقتصاد الوطني. 

 زولا سومر


  الخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس لـ”المساء"

الحراك جاء لتصحيح الوضع الاقتصادي والمحاسبة لا مفر منها

أكد الخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس أن الجزائر تمر منذ ستة أشهر بـ”أزمة اقتصادية"، لا يدّ للحراك فيها، وإنما جاءت نتيجة تجميد مشاريع عمومية كبرى، بسبب تقليص النفقات. وقال إن الحراك الشعبي الذي تعيشه بلادنا،"جاء لتصحيح وضعية اقتصادية سيئة كانت ستؤدي إلى كارثة، وأن المطلوب الآن هو وضع مخطط عمل استعجالي لمعالجة الوضع الاقتصادي، والخروج من النموذج الذي اتبع منذ الاستقلال والقائم على التبعية لثروة لا نتحكم في كمياتها ولا في سعرها.

وأوضح الخبير بأن ما كانت تعاني منه الجزائر سابقا كان "أزمة نموذج اقتصادي"، وليس "أزمة مالية " أو "أزمة اقتصادية"، قائلا في حديث لـ”المساء" ، إن "الجزائر لم تمر بأزمة مالية ولا اقتصادية من قبل، لأن الأولى تتطلب أموالا للخروج منها، وقد تم استهلاك ملايير الدولارات دون الخروج من الأزمة.. فيما لا تدخل في خانة الثانية، لأننا لم نكن يوما بلدا كثير الإنتاج ويفتقد إلى الأسواق، وهو ما يجعلني أؤكد أن أزمتنا أزمة نموذج أو شكل اقتصادي قائم على ثروة لا نتحكم لا في ديمومتها ولا في كمياتها ولا في سعرها".

لكن ما حدث منذ 6 أشهر – يضيف محدثنا- هو أننا انتقلنا إلى "أزمة اقتصادية"، وذلك راجع لكون "عدد من المؤسسات أصبحت تنتج حاليا بـ50 من المائة فقط من قدراتها الإنتاجية، لأنها لا تستطيع البيع، نظرا لارتباطها بالمشاريع العمومية الكبرى، التي جمّد بعضها وأدى ذلك إلى تراجع عددها، بفعل تقلص الميزانية بعد انهيار أسعار النفط". ويعني ذلك، حسب المتحدث، أن البلاد ستعيش مرحلة تتميز بارتفاع حجم البطالة وتقلص القدرة الشرائية.

وحول مدى تأثير الحراك على الاقتصاد الوطني، اعتبر السيد لالماس بأنه عكس من يعتقد بأن الحراك أثر سلبا على الاقتصاد، فإننا نقول إن الحراك الشعبي أو "الثورة" -كما يفضل تسميتها- جاء "لتصحيح وضعية سيئة، راجعة لسوء تسيير ولفساد داما طيلة سنوات والتهما آلاف الملايير المنهوبة. فهذا الواقع فرض ثورة الشعب، فلولاها، كنا سنذهب إلى كارثة كبرى، مع استمرار النزيف والنهب والسرقة التي عرفتها الجزائر في السنوات العشرين الأخيرة بالخصوص".

في نفس الوقت، يعتبر الخبير أن للحراك الشعبي انعكاسا على حجم تدفق الاستثمارات، حيث يوضح قائلا في هذا الشأن "الانعكاس على الاقتصاد يكون في مجال الاستثمارات، لأن المستثمرين  سواء الجزائريين أو الأجانب يوجدون حاليا في حالة ترقب.. فهم يتابعون اتجاه الأمور، لاتخاذ قرار الاستثمار. وفي غياب الاستثمار لن نشهد إنشاء مؤسسات جديدة وهذا سيؤثر على البطالة وينعكس على مداخيل الضرائب والاقتصاد ككل". إلا أن أهم المخاطر التي يراها الخبير الاقتصادي مطروحة في هذه الفترة، هي "بقاء الحكومة الحالية رغم رفضها شعبيا"، حيث يرى أنه "من غير المعقول في أي بلد كان أن تنجح قيادة سياسية إذا رفضها الشعب. لذا فإن الأولوية اليوم هي ذهابها وتغييرها بحكومة كفاءات لوقف النزيف ووضع برنامج استعجالي لتصحيح الوضع الاقتصادي، على أن يكون هذا البرنامج قائما على إيقاف نزيف الأموال ومحاولة تحريك العجلة الاقتصادية بتشجيع الاستثمارات".

وعن سؤالنا حول كيفية وقف النزيف، قال لالماس "هناك عدة قطاعات تعمل بطريقة جيدة، لكن سجلت بها اختلاسات كبيرة وتوجد نقاط استفهام حول مشاريعها التي تجاوزت الأرصدة المالية المخصصة لها، كما هناك إشكالية سوء توزيع الميزانيات، وكذا سوء استعمال الريع.. ولذلك لابد من وقف كل هذا، ووضع الكفاءات وآليات الرقابة المناسبة للتحكم في المصاريف، لأن مشكلتنا اليوم هي عجز الميزان التجاري، الناتج عن تجاوز النفقات للمداخيل. ولذا لابد من وضع ميكانيزمات للحد من العجز الذي تتم تغطيته من احتياطات الصرف ونحن نرفض ذلك".

وبخصوص المحاكمات الجارية حاليا والتي مسّت عددا من السياسيين ورجال الأعمال وحتى العسكريين، اعتبر الخبير لالماس أنها ضرورية من باب أن "الثورة من دون محاسبة ليست ثورة، لاسيما وأن الشعب كله يعلم أن الفساد نخر وعمّ كل القطاعات وأن المتسببين فيه موجودون على كل المستويات في الدولة، والفساد يتعلق بآلاف الملايير...لذا أعتقد أنه كان لابد من الذهاب نحو المحاسبة لأن الأموال المنهوبة، ملك للشعب أولا وحتى يكون هؤلاء عبرة للآخرين، ثانيا".

في سياق متصل يرى محدثنا بأن "المحاسبة لا مفر منها ولكن بعيدا عن تصفية الحسابات، ومع الحرص على أن تتم معالجة الملفات الاقتصادية في إطار اقتصادي وليس سياسي، باعتبار أن الهدف هو إعطاء العبرة واسترجاع الأموال".

ولم يتوان الخبير الاقتصادي في الرد عن تساؤلنا حول إمكانية استرجاع الأموال، بالإيجاب، رغم أنه لا يتصور أن يتم ذلك بنسبة 100 من المائة. لكن – كما قال - "المعنيون لديهم أموال في الجزائر وفي الخارج. ويجب تعيين أناس لهم قدرة وكفاءة لمعالجة هذه الملفات، كما لا بد من العدالة أن تتحرك لاسترجاعها".

وحول موضوع استيراد السيارات المستعملة، الذي أصبح اليوم حديث العام والخاص منذ إعلان الحكومة عنه، اعتبر الخبير لالماس أن حكومة تصريف الأعمال لا تستطيع اتخاذ قرار مثل هذا لأنه يتطلب تغيير القانون،، مضيفا بقوله، "،، الشعب، لم يطالب بتغيير السيارات ولكن بتغيير النظام".

وبرأي محدثنا فإن هذا الموضوع ثانوي وليس له أي محل من الإعراب في المرحلة الراهنة، حيث قال في سياق متصل "في حال أرادت الحكومة تصحيح الأوضاع فما عليها إلا الجلوس مع مركبي السيارات، لتعرف ما هي الأسباب التي تجعل السيارات المركبة ببلادنا الأغلى في العالم، رغم كل الامتيازات التي أعطيت للمتعاملين، بدل اللجوء إلى حلول ترقيعية.."، مطالبا بفتح تحقيق حول ملف استيراد أجزاء السيارات المركبة وكذا الأجهزة الالكترونية والالكترومنزلية المركبة ببلادنا، بالنظر إلى ضخامة الفاتورة المتعلقة بها.

 حنان حيمر


  الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول لـ”المساء":

الجزائر في حاجة مستعجلة إلى تغيير سياساتها الاقتصادية

يرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول أن الحراك الشعبي سيمكن من تجنيب الجزائر كارثة اقتصادية حقيقية، في حال لم تتجاوز المرحلة الانتقالية نهاية السنة الجارية، وتم تغيير السياسة الاقتصادية السابقة، التي كانت سترمي بالجزائر إلى "طريق مسدود"، محذرا في حديث لـ”المساء" من الاستمرار في نفس النهج، "الذي سيرهن المستقبل الاقتصادي للبلاد ويدفعها نحو المؤسسات المالية الدولية". فيما يرى أن استرجاع الأموال المنهوبة، لا يمكن أن يتجاوز 15 في المائة من إجمالها.

ولتجنب الكارثة الاقتصادية، يؤكد مبتول أنه لا بد من اتخاذ القرارات السياسية المناسبة، وعلى رأسها عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في الرابع جويلية المقبل، فقد شدّد في هذا الشأن على أنه ضد إجرائها في هذا التاريخ، داعيا القيادة العسكرية وعلى رأسها الفريق أحمد قايد صالح إلى اتخاذ القرار اللازم قبل 10 أيام من انتهاء مدة رئاسة عبد القادر بن صالح للدولة..لكن مع الإصرار على إجرائها في الثلاثي الأخير من السنة الجارية دون تأخير.

ويقول الخبير في هذا السياق "أتمنى أن لا نصل إلى طريق مسدود يوم 4 جويلية المقبل ويجب اتخاذ قرار على الأقل قبل 10 أيام من انتهاء فترة رئاسة بن صالح، حتى لا نصل إلى أزمة مؤسساتية"، معتبرا "الجيش ولاسيما قيادته، هو الوحيد الذي يمكنه اتخاذ القرار، فلا يمكن أن نغطي الشمس بالغربال".

وبخصوص الوضع الاقتصادي، فإن مبتول يعارض بشدة الذين يتحدثون عن تأثير سلبي للحراك الشعبي على الوضع الاقتصادي، ويعتبر عكس ذلك، أن الحراك ايجابي "إذا مكننا من تغيير السياسة الاقتصادية والاجتماعية"، حيث قال في هذا الصدد "هناك خبراء يقولون إن الحراك أثر سلبا على الاقتصاد وسنذهب إلى الكارثة، أنا أقول لهم لا، لأننا كنا سنذهب إلى كارثة، والحراك جاء ربما لإنقاذ الوضع. والدليل هو تآكل الاحتياطات التي وصلت إلى 76 مليار دولار في نهاية مارس 2019، في حين كانت تتجاوز 194 مليار دولار في جانفي 2014، كما أن الجزائر استوردت 55 مليار دولار العام الماضي – باحتساب الخدمات- في حين لم تتجاوز مداخيلها 39 مليار دولار، أي أننا ننفق أكثر من مداخيلنا، وفي حال استمرار هذا الوضع فإننا نتجه مباشرة صوب صندوق النقد الدولي في آفاق 2021 – 2022".

ويعتبر محدثنا أن الصادرات خارج المحروقات "مجرد وهم"، لأن الأرقام الحقيقية تشير إلى أن 98 في المائة من مداخيلنا من المحروقات، وأن الـ4 في المائة من الصادرات خارج المحروقات التي يتحدث عنها الديوان الوطني للإحصاء، يوجد ضمنها 67 في المائة من الصادرات التي تنتجها سوناطراك. ولهذا يشدد المتحدث على أن هذه الأخيرة هي التي تضمن وحدها مداخيل الجزائر، وأن أي اضطرابات فيها – وإن كان يستبعد وقوع أي إضرابات في سوناطراك- سيؤدي إلى "الكارثة".

ويرى مبتول أن الجزائر في حاجة مستعجلة إلى تغيير سياساتها الاقتصادية، التي أضرت بها لسنوات. وهو ما يعكسه، حسبه، ملف تركيب السيارات الذي انتقده بشدة، كما انتقد الإعلان عن العودة إلى استيراد السيارات المستعملة، معتبرا أنها مجرد مغالطة للرأي العام. 

ويوضح في هذا الشأن "لقد تم منع استيراد هذه السيارات في قانون المالية، وهذا يعني أن العودة إليها يتطلب إلغاء القانون واستبداله بقانون جديد، ما يتطلب المرور عبر البرلمان. فليس للحكومة الحالية حق إصدار تعليمة للسماح بذلك، إنهم يغلطون الرأي العام".

ويركز محدثنا على أهمية محاربة ظاهرة الرشوة والفساد عموما، مشيرا إلى أنها أخذت أبعادا خيالية في السنوات الماضية، "حيث كانت تتراوح بين 15 إلى 20 في المائة من فاتورة الاستيراد في الفترة ما بين 2000 و2018، وليس 10 في المائة فقط مثلما يتحدث عنه بعض الخبراء".

وقال القاضي السابق في مجلس المحاسبة أنه "بين 2000 و2018 ضربت الرشوة بأطنابها، وعاشت الجزائر وضعا تميز بوجود أموال كثيرة وغياب المراقبة وتجميد عمل مجلس المحاسبة وهيئات الرقابة الأخرى، كنا نتجه إلى كارثة اقتصادية. واليوم أقول إن مكافحة الرشوة يجب أن تمر عبر وضع أسس دولة القانون والديمقراطية التشاركية واللامركزية الحقيقية، وتجنب تصفية الحسابات، يجب أن نمكن العدالة من القيام بعملها، بصفة مستقلة لمعالجة قضايا الفساد".

أما بخصوص مسألة استرجاع الأموال المنهوبة، فاعتبر الخبير أنها "أمر مستحيل"، مبررا ذلك بكون أغلبها موضوع في "حسابات مجهولة" لا يمكن تتبع أثرها وبالتالي يصعب استرجاعها، حيث قدر في هذا الصدد بأن ما يمكن استرجاعه لن يتعدى نسبة تتراوح بين 10 و15 في المائة.

حنان حيمر