من توصيات الورشة 14 لرابطة علماء وأئمة الساحل

الاستفادة من التجربة الجزائرية لكبح الجماعات الإرهابية

الاستفادة من التجربة الجزائرية لكبح الجماعات الإرهابية
  • القراءات: 465
ي. س ي. س

شكلت المقاربة الجزائرية في مكافحة الغلو والتطرّف والإرهاب محور أشغال الورشة 14 لرابطة أئمة علماء ودعاة وأئمة دول الساحل  المنعقدة بأبوجا (نيجيريا)، من خلال إبراز أهم مقومات نجاحها في كبح الجماعات الإرهابية والفكر المتطرف. واستعرض رئيس اللجنة العلمية لرابطة علماء ودعاة وأئمة الساحل، محمد ضيف في مداخلة له في ثاني يوم من أشغال هذه الورشة أهم مقوّمات المقاربة التي تبنتها الجزائر منذ سنوات في محاربة الإرهاب، حيث سعت دوما إلى "تجفيف المنابع التي يعتمد عليها المتطرفون".

وقال ضيف إن الوقت أكد "صواب هذه المقاربة التي نجحت في تحقيق أهدافها"، مشيرا إلى أن "أهم الدلائل على ذلك هي عودة آلاف المتطرفين التائبين وتسجيل عدد قليل من المقاتلين الإرهابيين الجزائريين خارج الحدود" وكذا "تزايد الاهتمام بالمقاربة الجزائرية التي أصبحت مثالا يحتذى به من قبل مختلف دول العالم". وأوضح أنه من بين أهم ما انتهجته الجزائر في هذا المنحى، الاهتمام بفئة الأئمة ووضعها في المكانة التي تليق بها مع إدراج الشق المتعلق بمحاربة الآفات الاجتماعية ضمن قانونها الأساسي. كما تم أيضا فتح الباب أمام الأئمة لإجراء حوارات مع أصحاب الفكر المتطرف المنحرف، حيث سمحت الدولة الجزائرية بإقامة الدروس والمحاضرات والحوارات داخل المؤسسات العقابية لتصحيح المفاهيم الخاطئة التي نهل منها من جرفهم التيار المتطرف.

وقال ضيف إن الأئمة بالجزائر لم يسلموا من دفع ضريبة جهودهم لوقف إراقة الدماء، مذكرا في هذا الصدد بمقتل "نحو 100 إمام خلال العشرية السوداء"، في حين أشار إلى أن السلطات الجزائرية "تسهر على التكوين المتواصل للأئمة"، مستدلا في هذا السياق "بالتفكير في إنشاء المدرسة العليا للأئمة التي ستكون على مستوى جامع الجزائر".

وأضاف أن الجزائر حرصت أيضا على تنظيم الفتوى عبر مؤسسات خاصة، تتمثل في المجالس العلمية على مستوى كافة ولايات الوطن للإجابة عن الانشغالات الدينية والفقهية للمواطنين وكذا المجلس الإسلامي الأعلى الذي يهتم بالقضايا الدينية الكبرى واللجنة الوزارية للفتوى. وأكد المتحدث اللجوء إلى تأطير عمليات جمع التبرعات التي أسندت إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في مسعى تجفيف المنابع المالية التي تستغلها الجماعات الإرهابي، فضلا عن تأسيس صندوق لجمع الزكاة موجه لتمويل مشاريع استثمارية لدعم الشباب. من جهته، أشاد الإمام الرئيسي للجامع المركزي لأبوجا الشيخ إبراهيم محمد بالتجربة التي خاضتها الجزائر في هذا المجال والتي مكنتها من تخطي هذه المرحلة العصيبة من تاريخها، مشيرا في هذا السياق إلى أن بلاده "شرعت في تطبيق معظم ما تضمنته المقاربة الجزائرية، غير أنها لا زالت تتعثر في المضي قدما في هذا الاتجاه" بسبب ما وصفه بـ"عدم تواصل العملية".

أما رئيس رابطة علماء ودعاة وأئمة الساحل أبو بكر والار، فقد شدّد على ضرورة أن تستفيد  الدول الإفريقية من التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب والتطرف، التي تعد "من أكثر التجارب نجاحا" في هذا المجال من خلال قطع الطريق أمام النشاطات التي تقودها الجماعات الإجرامية التي تستهدف الأرواح وتضرب استقرار الدول. وثمّن والار الطرح الجزائري في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، قائلا ‘’كنا نقول دائما إنه يتعين على إفريقيا أن تستفيد من التجارب الناجحة وعلى رأسها التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب وإسقاطاته".

إشادة بموقف الجزائر الرافض للتدخلات الاجنبية بالساحل

وأشاد رئيس الرابطة بتمسك الجزائر بموقفها "الثابت" الرافض للتدخلات الأجنبية التي خلقت وضعا معقدا بمنطقة الساحل الإفريقي والذي  كان له الأثر في تفشي الإرهاب واتساع رقعته، لافتا إلى أن "الإرهاب والتطرف العنيف والجريمة المنظمة ظواهر لا يمكنها الانتشار إلا في ظل الفوضى". وقال المتحدث إن هذه التدخلات الأجنبية التي تعمل وفق أجندات محددة، أثرت بشكل سيئ جدا على الأمن بمنطقة الساحل، بتوفيرها البيئة المناسبة لتنامي الإرهاب وتوسع الحيز الجغرافي للنشاطات الإجرامية"، مضيفا أن أهالي منطقة الساحل أضحوا واعين بذلك.

وأشار إلى أن ما يؤكد ذلك، تعالي الاحتجاجات الشعبية مؤخرا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر ضد هذه التدخلات الأجنبية التي تعمل لمصالحها الخاصة على حساب شعوب المنطقة. كما توقف والار عند بروز "الفتاوى المستوردة" التي يرمي أصحابها إلى "تضليل شباب الساحل وغسل أدمغتهم"، مشدّدا على أن إفريقيا تمتلك خصائصها فيما يتصل بالجوانب الفكرية والروحية والعقائدية و الفقهية و"لا مكان بها لهذه الفتاوى المغرضة"، مضيفا "أن الشعوب لا تنسجم إلا مع ثقافاتها، حيث ينطبق ذلك  أيضا على مرجعياتها الدينية، مضيفا أن الفتاوى المستوردة لا تناسب دول إفريقيا". ولمجابهة هذا الخطر القادم من الخارج، تم تأسيس رابطة علماء ودعاة وأئمة الساحل التي تعمل وفق منهج "مقارعة الفكر بالفكر"، من خلال "طرح الفكر الصحيح اعتمادا على تراثنا الأصيل ومرجعيتنا الدينية المعتدلة، حيث عرج  والار في هذا الصدد على بلاده التشاد التي "تتعامل بحزم مع هذا النوع من الفتاوى".

وفي رده على سؤال حول ما إذا كان دعاة وأئمة الساحل مؤهلين للعب الدور المنوط بهم في مجابهة الإرهاب، أوضح رئيس الرابطة بأن الكثير منهم يفتقرون إلى التكوين، غير أن "جزءا كبيرا منهم استفادوا من برامج التكوين التي وفرتها الورشات الإقليمية 14 المنظمة إلى غاية الآن من قبل الرابطة". كما كشف، في هذا الإطار عن سعي بعض دول الساحل إلى إنشاء مؤسسة لتدريب الأئمة والدعاة من خلال الاستفادة من تجارب أخرى، على غرار إدراج المرأة في مجال التوعية الدينية، حيث "يعود الفضل في هذا المجال إلى الجزائر التي كانت السباقة إلى إشراك المرشدات الدينيات في نشر الوعي ومكافحة التطرف". وبالمناسبة، أشار رئيس الرابطة إلى مباشرة اتصالات مع المنظمات الدولية "غير المشبوهة" للعمل سويا من أجل التصدي للإرهاب الذي لا ينحصر في بلد دون آخر، كمنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي والهيئات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة.