الخبير في التكوين فوزي مقراني لـ"المساء":

التكوين الرقمي حل لاستباق ومواجهة الأزمات

التكوين الرقمي حل لاستباق ومواجهة الأزمات
  • 1014
حنان حيمر حنان حيمر

غياب التكوين لمواجهة الأزمات مثل التي يمر بها العالم والجزائر حاليا، يوقع الدول في حالة "تسيير الأزمات"، بدل التحضير المسبق لها. وهو ما يظهر جليا في صعوبة مواجهة وباء "كوفيد 19" والتعامل معه من طرف الكثير من العمال الذين يوجدون في الصفوف الأمامية لمواجهته. فهم لا يعرفون الطرق الصحيحة للتعقيم أو لحماية أنفسهم وحماية الآخرين. والسبب كما يقول خبير في مجال التكوين، أن أغلب المسيرين يعتبرون التكوين "نفقات" وليس "استثمارا"، في وقت تتيح رقمنة التكوين فرصا هامة تسمح بربح الوقت والمال معا.

ويؤكد فوزي مقراني مسير مدرسة "إينوفاسيون" (ابتكار) للتكوين، أن أزمة الوباء التي نعيشها حاليا، تبرز الحاجة إلى تغيير العقليات تجاه "أهمية التكوين" من جهة، و"التغيرات التكنولوجية الكبيرة التي عرفتها طرق التعليم والتكوين" من جهة أخرى. وهو مايسمح لكل الهيئات والمؤسسات بتطوير مواردها البشرية وتحضيرها لمواجهة أي نوع من الأزمات في أي وقت، حتى لا تضطر إلى الوقوع في فخ التسيير العشوائي للأزمات.

«فنحن لا ننظر إلى التكوين كأنه مشكل، بل على أنه الحل"، وفقا لما صرح به السيد مقراني لـ«المساء"، موضحا أن تجربته التي تمتد إلى 17 سنة في مجال التكوين، تؤهله لتأكيد الفرص الهامة التي تتيحها التكنولوجيا اليوم، عبر التعليم عن بعد والتكوين الرقمي، ما يجعل من هذه المهمة أكثر سهولة وأقل سعرا، ولذلك انعكاسات إيجابية على المؤسسات سواء كانت تربوية أو اقتصادية.

ولأننا في فترة عرفت سابقة في المجال التربوي، بعد قرار متابعة الدروس عبر الانترنت لأول مرة في تاريخ البلاد، فإن محدثنا اعتبر أن ذلك قد يعد فرصة جيدة لإعادة النظر في السياسة التربوية والتكوينية عامة، والذهاب نحو استخدام الرقمنة بشكل واسع في هذا المجال، مشيرا إلى أن المدرسة التي أنشأها في 2014، اتجهت منذ 2017 إلى تقديم تكوينات رقمية لصالح مؤسسات في الخارج، معتبرا أن هناك إمكانيات كبيرة في هذا المجال يمكن توظيفها في الجزائر، باستخدام برامج متطورة ومبتكرة، يمكن العمل بها حتى في ظل سرعة تدفق غير عالية للانترنت.

ويعطي مثالا بما يحدث حاليا في مستشفياتنا قائلا "اليوم الممرضات وأعوان الأمن وأعوان النظافة في المستشفيات لا يملكون أي تكوين لتسيير هذا الوضع الاستثنائي، لأنه لمواجهة وضع استثنائي لابد من وجود سياسة استشرافية تفرض تكوينا في كيفية التعامل مع انتشار الأوبئة التي تظهر سنويا. لكننا لا نستثمر في التكوين، وهو مايجعلنا دوما نقع في فخ تسيير الأزمات وهو مايؤدي إلى وقوع أخطاء قد تكون أحيانا خطيرة".

ويؤكد السيد مقراني على وجود برامج وحلول رقمية تمكن من تجسيد فعلي للتكوين عن بعد، مشيرا إلى أن ما تقدمه المدرسة التي يسيرها على سبيل المثال، يتضمن حتى دروسا يمكن استغلالها دون الحاجة إلى ربط بالانترنت. لكن المشكل يكمن في "غياب الرغبة في التغيير لدى البعض الذين مازالوا يفضلون طرق التعليم والتكوين الكلاسيكية التي تتطلب التواجد الشخصي في قاعات التدريس"، مثلما قال.

ويوضح أن مؤسسته الناشئة تستخدم تقنيات جد متطورة وفعالة وتتلاءم مع الواقع الجزائري، لاسيما تدني سرعة تدفق الانترنت وكذا غياب التغطية في المناطق المعزولة. ويقول "نمتلك برامج وحلولا مبتكرة، لاسيما في مجال التحاضر عن بعد، حيث نستخدم تقنية جد فعالة لاتحتاج إلى سرعة تدفق عالية للانترنت، ويمكنها حاليا تكوين ثلاثين شخصا في الوقت ذاته، وقد أبرزت نجاعتها ميدانيا عبر تجارب تمت سابقا. كما أن المدرسة تتيح دروسا رقمية أثبتت نوعيتها، وهوما سمح للمدرسة بتصدير خدماتها إلى الخارج ولاسيما فرنسا، حيث اشتغلت مع عدد من المؤسسات هناك".

ويلمس محدثنا وجود "نوع من المقاومة" وفقا لوصفه، من طرف بعض المسؤولين في بلادنا لاستخدام التكوين الرقمي بدل التقليدي،"فبعض المؤسسات لا تؤمن بهذه الفكرة"، كما يقول، ما تسبب في مواجهة شركته للعديد من العراقيل لتسويق منتجاتها، والمتمثلة على وجه الخصوص في "تقديم دروس عبر نظام رقمي يستبدل المكون الإنسان، بشخص افتراضي (أفاتار) ويسمح بتوفير دروس شاملة"، إضافة إلى "التكوين عن بعد عبر التحاضر بالفيديو".

ويشدد على أن الحلول التي تقترحها الشركة، يمكنها التكيف مع حاجيات تكوينية مختلفة، تتراوح بين التعليم المدرسي والتكوين المؤسساتي. فالأهم هنا هو التقنيات المستخدمة والبرامج والحلول المطورة والمبتكرة، والتي تمتلك ميزة مهمة هي كونها "أقل سعرا" و«تختصر وقت التكوين". ويتذكر في هذا الصدد أنه اقترح دروسا رقمية للتلاميذ المرضى الموجودين على مستوى المستشفيات، لكن المشروع لم ير النور.ليجدد التأكيد على أن المشكل المطروح في الجزائر، هو "غياب ثقافة التغيير"، وتفضيل "الحلول الكلاسيكية"، بسبب التخوف من كل ما هو جديد. بالرغم من الربح الذي تتيحه برامج التكوين الرقمية المبتكرة، حيث يشير إلى برنامج تقدمه المدرسة يمكن من "تكوين مائة شخص أو عشرة آلاف شخص بنفس السعر". كما يقترح برامج أخرى خاصة بالمناطق النائية، يمكن استخدامها في غياب الربط بالانترنت أو التغطية، إذ لا تتطلب سوى توفر جهاز كمبيوتر أو هاتف ذكي أو لوحة ذكية.وهو نفس البرنامج الذي يمكن أن يوجه إلى ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لايمكنهم التنقل.

وقد قوبلت هذه الاقتراحات، بالقول انه ليس هناك حاجة إليها، لكن محدثنا يرى أن الأزمة التي نمر بها خلقت هذه الحاجة فعلا، "ما يتيح الأمل بإمكانية تطوير هذا المجال وعدم الاكتفاء باللجوء إليه في هذه الفترة  فقط، فالاحتياجات كثيرة والحلول موجودة. وهناك خطاب سياسي محفز ومشجع، يحتاج أن يتبعه تطبيق ميداني يوافق الاتجاه السياسي".

في هذا الصدد يعتبر أن تخصيص1 بالمائة من كتلة الأجور للتكوين غير كاف، مشيرا إلى ضرورة تخصيص نسبة من رقم أعمال المؤسسات للتكوين، حتى يصبح بمثابة "استثمار" وليس مجرد "نفقات" يعتبرها بعض المسيرين عبئا على الميزانية.