الخبير لدى البنك العالمي جمال شرفي لـ "المساء":

الجزائر بحاجة لخطة إنقاذ وطني لامتصاص الخسائر الاقتصادية

الجزائر بحاجة لخطة إنقاذ وطني لامتصاص الخسائر الاقتصادية
جمال شرفي
  • 1574
شريفة عابد شريفة عابد

أكد الخبير لدى البنك العالمي المتخصص في مجال الاقتصاد الكلي والاقتصاد الأخضر والعمارة، جمال شرفي، في تصريح لـ "المساء" أن الجزائر في حاجة ماسة إلى خطة إنقاذ وطني من أجل امتصاص الصدمة الاقتصادية التي سببها انهيار أسعار النفط، التي تبعت أزمة فيروس كورونا، وذلك من خلال استحداث صندوق وطني لتسيير أثار هذه الصدمة يتم تمويله بالاقتطاع من احتياطي الصرف ومساهمة الخواص، على غرار ماقا مت به العديد من الدول، مبرزا في هذا الصدد ضرورة التركيز  ضمكن هذه الخطة على الأمن الغذائي لارتباطاته بالأمن الوطني ودعم المؤسسات الناشئة لإنقاذ مناصب الشغل مع احتواء القطاع الموازي. 

ويرى محدثنا أن أعباء الأزمة الاقتصادية التي زاد في تعقيدها، استمرار وباء كورونا بالجزائر يستدعي الاستشراف من خلال تقديم الحكومة لخطة إنقاذ وطني، لاسيما وأن تقارير منظمة الصحة العالمية تتوقع موجة وبائية ثانية لا أحد يعلم أجالها.

وأشار شرفي في سياق متصل، إلى أنه في كل الدول تم تمويل الصناديق التي أنشئت لهذا الغرض، من الاحتياطي الاستراتيجي أي احتياطي الصرف، على اعتبار أن هذا الصندوق هو شبيه بصناديق تسيير الكوارث، حيث يخضع لتنظيم قانوني خاص به، مستشهدا في هذا الصدد بما قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما ضخ  2200 مليار دولار في هذا الصندوق. وكذا دولة  قطر التي رصت 20 مليار دولار لهذا الصندوق، فيما خصصت له ألمانيا 1500 مليار أورو.

ويمكن للقطاع الخاص، حسب محدثنا، الإسهام في تمويل هذا الصندوق، لا سيما وأن الأمر يتعلق بالخروج من وضع استثنائي تعيشه الجزائر، "بحكم أن الأزمة التي تعرضت لها البلاد، هي أزمة متعددة الأبعاد، كونها صحية، اقتصادية ومالية، فضلا عن وجود أزمة تبذير وجشع وأزمة قيم وعدم الانضباط لدى بعض التجار".

ويضاف إلى المحاور التي تعتمد عليها خطة الإنقاذ الوطني، حسب السيد شرفي، محور التكفل بالنسيج المؤسساتي المتضرر من الأزمة، "شريطة أن توجه القروض والإعانات نحو المؤسسات الناشئة ذات النجاعة الاقتصادية وليس إلى تلك التي هي على أبواب الإفلاس"، داعيا إلى عدم تكرار أخطاء الماضي، "حيث تم ضخ أموالا كبيرة قدرت بـ150 مليار دولار على مدى سنوات لوضع مؤسسات غير ناجحة على سكة الإقلاع الاقتصادي، حيث استفادت مؤسسات خاصة من قروض قدرها 70 مليار دولار دون أي جدوى، بل هناك أموال هربت إلى الخارج ولم تستثمر في الجزائر".

من هذا المنطلق، يرى محدثنا أن الأولوية في خطة الانقاذ، ينبغي أن تشمل التركيز على دعم المؤسسات الناشئة الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل 95 بالمائة من النسيج الاقتصادي الوطني، من ناحية الأعباء الاجتماعية والمالية على غرار الأجور والديون وكساد المنتوجات، وهذا من منطلق أنها مؤسسات فتية، لا تستطيع أن تتحمل أكثر من 3 اشهر من التوقف التام، بالإضافة إلى كونها تمثل قطاعا داعما للاقتصاد الوطني، يشمل قطاع الخدمات والمهن الحرة، كفئة الأطباء الخواص، مكاتب الدراسات الهندسية الموثقين، المحامين، وغيرهم من المهنيين الذين وجدوا أنفسهم مع مستخدميهم خارج دائرة التكفل بكل الأعباء الاجتماعية والجبائية وشبه الجبائية وبدون تدخل الدولة. الأمر الذي سيحيل الألاف من هذه المؤسسات على الغلق والإفلاس وبذلك يزداد تفاقم العبء الاجتماعي، على الدولة بارتفاع نسب البطالة وارتفاع نسب الفقر.

واستشهد المتحدث بنظرة البنك العالمي للاقتصاد الجزائري، من حيث أنه يعتبره يعاني من مشكل هيكلة وليس مشكل تمويل، ومن مظاهر هذا المشكل، الدين الداخلي أي اقتراض الخزينة من البنك المركزي عبر آلية التمويل غير التقليدي، "حيث طبعت خلال عهدة الوزير الأول الأسبق أموالا كبيرة خارج ما كان مقررا، ما ساهم في رفع نسب التضخم".

واعتبر شرفي الإجراءات التي تقوم بها الحكومة مهمة، "لكنها تبقى دون أثر، ما لم يتم إرفاقها ببرنامج يمتد على المدى الطويل، لا سيما وأن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي كانت تخلق مناصب شغل باتت مهددة اليوم، بسبب وباء كورونا"، مبرزا في نفس الإطار، ضرورة أن تراعي خطة الانقاذ الوطني أولويات الأمن الغذائي، كونه مرتبط بالأمن الاجتماعي، وذلك عبر دعم أكبر لقطاع الفلاحة ولا سيما شعبتي الحبوب والحليب، اللتان تنفق الجزائر سنويا من أجلهما ما يعادل 9 مليار دولار.

وأشار إلى أن هذا التحدي ممكن جدا رفعه، لاسيما بالنسبة لقطاع الحبوب الذي يحتاج في الوقت الراهن إلى مخازن للقمح والشعير أكثر مما يحتاج فيه، إلى مساحات إنتاج، مستشهدا بما كانت تنتجه الجزائر خلال سنوات السبعينيات وخلال الحقبة الاستعمارية من هذه المادة الاستراتيجية.

كما تبقى عملية استقطاب القطاع الموازي أيضا، محورا هاما في خطة الانقاذ، وذلك بالنظر لحجم الأموال الكبيرة المتداولة بالسوق الوطنية، حسب الخبير شرفي، الذي خلص إلى التأكيد على نقطة هامة "وهي ضرورة اغتنام جائحة كورونا للخروج من التبعية للنفط والاعتماد على القطاعات المنتجة الحقيقية وفي مقدمتها المؤسسات الناشئة والفلاحة ووضع قطيعة مع كل أنماط التسيير القديمة".