عرض تجارب 6 دول في المالية الإسلامية
الجزائر تملك فرصة لاختصار الوقت وتطوير نظام ناجح
- 564
لم تكن بدايات المالية الإسلامية في مختلف الدول التي طورت هذا النوع من النظام سهلة، حيث أخذ تطورها وقتا طويلا امتد في بعضها إلى ثلاثين سنة. ودفع التخوف من الإضرار بالنظام المالي التقليدي إلى التحفظ من هذه الصيغة الجديدة، وفقما أوضحه مختصون وخبراء عرضوا تجارب 6 دول في هذا المجال خلال اليوم الثاني من الملتقى الجزائري للتأمين والصيرفة الإسلاميين.
وسمحت أشغال هذا اليوم الثاني من الملتقى بالتعرف عن كثب على تجارب عاشتها بعض الدول في مجال المالية الإسلامية، حيث تم استعراض التطور الذي عرفه هذا النظام في كل من ماليزيا (التي تعد رائدة في هذا المجال) وتونس والمغرب والسينغال، إضافة إلى تركيا وفرنسا.
وبالرغم من أن لكل بلد تجربته الخاصة في إرساء مالية إسلامية أو تشاركية، فإن الملاحظ من خلال التدخلات وجود عوامل مشتركة، تظهر خصوصا في كون تطوير نظام مالي إسلامي يمر حتما بتوفر إرادة سياسية وقوانين خاصة بهذا النوع من التمويل يشمل كافة الجوانب، بما يضمن توفير محيط مناسب وغير تمييزي.
ضمن هذا المنظور، أكد الدكتور سعيد بوهراوة، وهو جزائري يشغل منصب مدير قسم البحث في الأكاديمية الدولية للبحث في مجال المالية الإسلامية بماليزيا، أهمية التجربة الماليزية في تطوير نظام متكامل للمالية الإسلامية وذلك على مدى أكثر من ثلاثين عاما، مشيرا إلى أن هذا البلد يشهد اليوم وجود «نظام مزدوج مالي إسلامي/مالي تقليدي» في كافة القطاعات المالية سواء كانت بنوك أو تأمينات أو بورصة.
ويرى الدكتور بوهراوة أن سر نجاح النظام المالي الإسلامي في ماليزيا هو «المزاوجة بين التأسيس البنيوي وتكوين الموارد البشرية»، معتبرا أن هذه الأخيرة شرط رئيس لإنجاح هذا النظام.
وإذ اعترف بأنه لا يمكن إحداث قفزة في المالية الإسلامية بين ليلة وضحاها، حيث ذكر بأن بدايات التجربة الماليزية كانت في 1983. إلا أنه أشار إلى أن الجزائر يمكنها أن تختصر الكثير من الوقت، باستفادتها من مختلف التجارب ولاسيما التجربة الماليزية.
بدوره، شدد مسؤول ببنك الزيتونة الإسلامي في تونس ماجد غرسالي على أهمية وضع منظومة قانونية متكاملة تغطي كل الجوانب المالية، وليس فقط المنتجات البنكية. وبعد استعراضه للتجربة التونسية الفتية في المالية الإسلامية، سجل ضرورة توفر جملة من العوامل لنجاح الصيرفة الإسلامية، أهمها وضع نظام جبائي لايميز بين المالية الإسلامية والمالية التقليدية وتكوين خبراء ومهنيين مختصين في هذا الشأن، إضافة إلى التثقيف والتعريف بماهية هذه الصيغ. كما تحدث عن أهمية توفر «مرجعية واحدة» من الناحية الفقهية، مشيرا إلى غياب هيئة مركزية بتونس والاكتفاء بهيئات شرعية على مستوى البنوك. أمر يحمل إيجابيات وسلبيات – كما أضاف- حيث تغيب المرجعية الموحدة، لكن تغيب «المركزية» في اتخاذ القرارات وهو ما يضفي مرونة على الممارسات المالية.
ولا يكفي إتخاذ قرار بإنشاء بنوك إسلامية لتمكينها من العمل ميدانيا، وهو ما لاحظته مديرة الاستراتيجيات في وزارة الاقتصاد التضامني والقرض المصغر بالسنغال خادي سامبا، التي أشارت إلى أهمية الجانب الإعلامي في تطوير المالية الإسلامية، معتبرة جهل الناس بما تقدمه يجعلهم يبتعدون عن اللجوء إليها.
وإذا كانت ولادة المالية الإسلامية في المغرب قد تمت بـ»عملية قيصرية» كما وصفها الخبير المغربي منصف بن طيبي، فان السبب في ذلك – كما قال- هو «غياب رؤية»، إضافة إلى وجود «محيط اقتصادي واجتماعي وإعلامي معاد»، بالرغم من توفر نصوص قانونية تنظم هذه المنتجات البديلة.
وانجر عن ذلك «تجربة سلبية وإنتاج صورة سيئة عن المالية الإسلامية... التي كانت تعرض منتجات أغلى من المنتجات التقليدية بـ50 بالمائة، دون أن تعطي أي دليل على توافقها مع الشريعة الإسلامية». هذا الأمر تم تداركه حسب المتدخل، في السنوات الأخيرة من خلال عدة إجراءات، سمحت بإقبال متزايد، لاسيما على «المرابحة» التي أصبحت تمثل 10 بالمائة من مجموع المعاملات العقارية في المغرب.
وفي تركيا، فضلت السلطات استخدام مصطلح «المالية التشاركية»، حيث يعرف هذا النظام التمويلي تطورا كبيرا، يشهد عليه - حسبما جاء في مداخلة الخبير إبراهيم زياد جيكيجي- تضاعف الأصول الإسلامية خلال خمس سنوات. كما يرتقب إقرار إجراءات جديدة في هذا الاتجاه منها إنشاء «بنك كبير لإعادة تمويل البنوك»، فضلا عن إعطاء أهمية اكبر للصكوك التي استخدمت لتمويل بناء أحد جسور البوسفور.
أما في فرنسا، فإن الوضع مختلف، حسبما أوضحه الخبير مليك نكاع، الذي لاحظ وجود «تناقض» في التعامل مع هذه المسألة. ففي غياب رغبة سياسية في تطوير هذا النظام المالي، بالرغم من احتضان فرنسا أكبر عدد من المسلمين في أوروبا، فإن بنوكا فرنسية تملك خبرة كبيرة في هذا المجال، لا تحبذ تقديم أي منتجات إسلامية، «مع أنها تلجأ إلى صيغ إسلامية في صفقات بيع طائرات الإيرباص إلى السعودية على سبيل المثال»، مضيفا بأن «ذلك لم يمنع أيضا من وجود بعض المحاولات لتوفير منتجات تستجيب لمتطلبات الشريعة الإسلامية، من خلال بعض المبادرات».