"لا استدانة خارجية ولا طبع للنقود.."، رئيس الجمهورية يؤكد:

القدرات الوطنية تسمح بتجاوز الأزمة

القدرات الوطنية تسمح بتجاوز الأزمة
"لا استدانة خارجية ولا طبع للنقود.."
  • 1384
محمد. ب محمد. ب

شدد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، على أن الجزائر لن تلجأ إلى الاستدانة الخارجية ولا إلى طبع النقود لمواجهة احتياجاتها المالية في ظل تهاوي أسعار النفط، حيث رجح خيار "الاقتراض من الجزائريين"، مؤكدا في سياق متصل بأن القدرات التي تزخر بها الجزائر تسمح لها بتجاوز الأزمة الاقتصادية.

وأوضح الرئيس تبون خلال اللقاء الإعلامي الذي جمعه مع مسؤولي عدد من الصحف الوطنية أن الجزائر لن تذهب لا لصندوق النقد الدولي ولا للبنك الدولي، "لأن المديونية تمس بالسيادة الوطنية وهي تجربة عشناها بداية التسعينيات"، مستبعدا في السياق ذاته إمكانية العودة إلى عملية طبع النقود، حيث أكد أن خطوة كهذه ستؤدي إلى "رفع معدل التضخم في الوقت الذي يبقى فيه الدخل ثابتا".

وبدلا من الاستدانة الخارجية، ستتجه الجزائر، حسب الرئيس تبون، إلى "الاقتراض من الجزائريين مع مدهم بجميع الضمانات اللازمة"، حيث كشف في هذا الخصوص، عن حيازة القطاع الخاص غير المهيكل لقيم تتراوح بين 6000 مليار دينار و10000 مليار دينار من الأموال القابلة للضخ، مقدرا بالتالي بأنه "أفضل أن نقترض عند جزائريين عوض الاقتراض من صندوق النقد الدولي أو من بنوك أجنبية"، على اعتبار أن الأمر يتعلق بالسيادة الوطنية وقال في هذا الشأن "عندما تقترض لدى بنوك أجنبية لن يمكنك التكلم لا عن فلسطين ولا عن الصحراء الغربية...".

كما أكد رئيس الجمهورية، أنه سيتم تقديم الضمانات والتسهيلات لأصحاب الأموال للمساهمة في تمويل الاقتصاد قائلا "لو طلب فتح بنك إسلامي يعمل دون فوائد، فالباب مفتوح والبنك المركزي مستعد لمنح الاعتماد"، موضحا في سياق متصل، بأن الاقتراض الأجنبي "سيبقى ممكنا بالنسبة للمشاريع الاقتصادية ذات المردودية العالية".

احتياطيات الصرف ستستهلك بوتيرة أبطأ..

وأشار ر رئيس الجمهورية، إلى أن وتيرة إنفاق احتياطات الصرف الأجنبي للبلاد ستكون أقل سرعة من السنوات الماضية، وذلك بفضل القضاء على ظاهرة تضخيم الفواتير وكذا تضخيم تكلفة المشاريع بالجزائر.

وأضاف بأن "بعض المتتبعين يقيسون حجم هذا الاحتياطي، بما كان الاقتصاد الجزائري يشهده في السنوات الماضية والتي كانت تعرف تضخيما في الفواتير يتجاوز 30 بالمائة"، قبل أن يضيف "قضينا على التضخيم ونحن بذلك نقتصد حوالي 30 بالمائة من احتياطاتنا من العملة الصعبة". كما لفت الرئيس تبون أيضا إلى التحكم في الواردات، "بحيث لن يتم استيراد إلا ما تحتاجه البلاد فعلا"، مقدرا قيمة المواد الغذائية الضرورية التي تحتاجها البلاد بحوالي 9 مليار دولار سنويا، فيما سيتم إنتاج العديد من المواد التي كانت تستورد سابقا..

الأزمة النفطية جد ظرفية

من جانب آخر، اعتبر السيد عبد المجيد تبون أن الأزمة النفطية التي تعرفها الجزائر وبقية الدول المنتجة للنفط جد ظرفية وليست أزمة هيكلية، معربا عن تفاؤله بكون "العجلة الاقتصادية العالمية التي تعطلت بسبب وباء كورونا ستتحرك عن قريب"، وذلك استنادا إلى تقارير الخبراء الذين يتوقعون عودة أسعار النفط إلى الارتفاع إلى حدود 40 و45 دولار للبرميل في جوان أو جويلية القادمين.

وأشار في هذا الصدد إلى أن العجلة الاقتصادية في الصين قد تحركت بالفعل رغم عدم ارتفاع الاستهلاك النفطي لهذا البلد بسبب وجود مخزونات كبيرة لديه، مقدرا بأنه "حتى لو انطلق الاقتصاد العالمي بنسبة 20 بالمائة فقط فان أسعار النفط سترتفع".

ولفت رئيس الجمهورية إلى أن الأزمة الصحية وكذا النفطية، ولدت بالجزائر "ظرفا صعبا لكنه ليس بالكارثي"، متوقعا الوصول إلى "نمو اقتصادي وطني قوي في غضون عامين..شريطة مشاركة رجال الأعمال النزهاء".

تخفيف في الضرائب في قانون المالية التكميلي 2020

على صعيد آخر، كشف رئيس الجمهورية أن قانون المالية التكميلي لعام 2020 سيتضمن تخفيضا لبعض الضرائب وإلغاء ضرائب أخرى، مع تشديد الرقابة على التجارة الخارجية، حيث قال بأن هذا القانون "لن يزيد من الضرائب بل سيقلصها".

وأوضح بأن هذا القانون يستجيب لرؤية اقتصادية جديدة تجعل من الميزانية أداة تنمية، لاسيما من خلال الحوافز، و«ليس مجرد رصيد ومصاريف".

على هذا الأساس، فإن قانون المالية التكميلي سيعمل، وفقا لشروحات الرئيس، على رفع المداخيل الجبائية، من خلال توسيع الوعاء الضريبي وتخفيف الضرائب وليس زيادة الضرائب، حيث سيتم في هذا الاطار، "التخفيف من الرسم على القيمة المضافة وإلغاء بعض الضرائب"، إلى جانب تشديد الرقابة على عمليات الاستيراد لتفادي تضخيم الفواتير.

كما سيتم، حسب الرئيس تبون، "منع استيراد أي منتج يمكن إنتاجه محليا ولن يسمح إلا باستيراد المواد الأولية التي يقوم بواسطتها أصحاب المشاريع بإنتاج مواد تكون فيها نسبة الإدماج المحلي عالية".

وسيجري كذلك، العمل على الحد من ظاهرة استحواذ المصدرين للمواد التي قامت الدولة بدعم موادها الأولية على عائدات هذه العمليات التصديرية، حيث سيتم تسقيف حصتهم بـ50 بالمائة أي ما يمثل القيمة المضافة لنشاطهم فحسب، يضيف السيد تبون، الذي ذكر بالمناسبة، بالتدابير المتخذة لمواجهة انهيار المداخيل النفطية للبلاد، وبالأخص "تقليص نفقات التسيير بـ30 بالمائة" وهي النسبة "المرشحة للزيادة إذا تطلب الأمر"، فضلا عن تأجيل مشاريع المرافق العمومية.

القدرات الوطنية العالية تجعلنا متفائلين..

وأكد الرئيس تبون أن "الاقتصاد الوطني الذي ظل أسيرا للمحروقات منذ أزيد من ثلاثين سنة، يمتلك حاليا قدرات كبيرة تجعلنا متفائلين"، مشيرا بشكل خاص إلى قطاع الفلاحة الذي ينتج ما يفوق 25 مليار دولار أي ما يعادل مداخيل النفط.

واعتبر بأن هذا القطاع يمكنه أن يولد قيمة مضافة عالية إذا قام بإدماج الصناعات التحويلية، حيث ذكر بقراره القاضي بدعم المستثمرين الراغبين في إنجاز مشاريع تعتمد على مواد أولية محلية بقروض بنكية تصل إلى 90 بالمائة من قيمة المشروع.

الزراعة الصحراوية قادرة على تلبية الحاجيات من الزيت والسكر

كما أكد الرئيس بأن الفلاحة الصحراوية يمكنها تقليص فاتورة الواردات بشكل كبير، مشيرا في هذا الصدد إلى أن وزارة الفلاحة تعمل حاليا على توسيع زراعة الحبوب في المناطق الجنوبية قصد تقليص ورادات البلاد من هذه المادة بـ20 إلى 30 بالمائة. و«هو ما سنصل إليه فعلا بنهاية السنة الجارية".

ولفت إلى الإمكانيات المتوفرة في مجال زراعة المواد الأولية المستخدمة في إنتاج الزيت والسكر في هذه المناطق بشكل يلبي جميع الاحتياجات الوطنية، مبرزا وجود ثروات طبيعية هائلة غير مستغلة، مثل المعادن النادرة التي تحتل الجزائر فيها المرتبة الثالثة أو الرابعة عالميا من حيث الاحتياطيات، إضافة إلى الذهب والألماس واليورانيوم والنحاس وغيرها.

وبهذا الخصوص، أعلن رئيس الجمهورية عن التحضير لإطلاق مشاريع استغلال لهذه الثروات، حيث أمر وزارة الصناعة بالقيام بإحصاء دقيق لها وبإعداد دفتر أعباء وبنوك أعمال خاصة بها.

واعتبر بأن التوجه نحو هذه المعادن غير المستغلة، يعد ضرورة بالنظر لكون الاستهلاك المحلي للطاقة والذي يغذيه تحسن ظروف المعيشة في البلاد، ينمو بوتيرة ستجعل من الثروات النفطية غير كافية لتلبية الحاجيات الوطنية في غضون سنوات.

ربط الجامعة بمحيطها الاقتصادي

اعتبر رئيس الجمهورية، أن الثروة الحقيقة للبلاد تكمن، في شبابها المبتكر "الذي أثبت جدارته خلال هذه الأزمة الصحية"، مشيرا إلى تمكن هؤلاء الشباب في بضع أسابيع من تصنيع عدة تجهيزات طبية على غرار أجهزة التنفس الاصطناعي وأجهزة الاختبار السريع لفيروس كورونا "والذي سيشرع في انتاجه في غضون عشرة أيام بولاية البويرة".

وقال الرئيس في هذا الخصوص "الأزمة تلد الهمة.. أقولها بدون ديماغوجية، هناك عبقرية جزائرية، الكل يستفيد منها في مختلف أنحاء العالم، ونحن لا نستغلها". وشدد في هذا السياق، على دور الجامعة في دعم اقتصاد المعرفة وعلى أهمية ربطها بالسوق، مضيفا بأنه وجه تعليمات لوزير التعليم العالي، تقضي بالسماح للجامعات بفتح مكاتب دراسات تمكن المتعاملين من الاستفادة منها بمقابل مادي.

التكفل بالانشغالات الاجتماعية بعيدا عن سياسة شراء الذمم

التزم رئيس الجمهورية بالتكفل بكل الانشغالات الاجتماعية بعد مرور الأزمة الصحية، وذلك "بعيدا عن سياسة شراء الذمم".

وقال الرئيس تبون في هذا الخصوص "أنا ضد شراء الذمم ومع التكفل بالانشغالات الاجتماعية"، متعهدا بحل مشاكل كل الفئات، على غرار منتسبي قطاع التربية وذلك "وفق برنامج محدد، مع ضرورة عقد ثلاثيات في المستقبل لدراسة كل الملفات".

وحذر الرئيس تبون من "اختراقات بإيعازات من وراء البحر بخصوص بعض المطالب"، مشددا على أن " القانون لا يعلى عليه".

ولدى تطرقه إلى سياسة الدعم، أعلن رئيس الجمهورية أنه سيتم "إعادة هيكلتها" حتى يذهب الدعم إلى مستحقيه دون غيرهم، مجددا التأكيد على "بقاء الطابع الاجتماعي باعتباره من مبادئ بيان أول نوفمبر"، حيث تعهد بأن "التكفل بالفئات الهشة سيتواصل وسيتحسن".

التزام بمواصلة مختلف البرامج السكنية

ولدى تطرقه للمشاريع السكنية، أكد رئيس الجمهورية التزامه بمواصلة مختلف البرامج السكنية بالنظر لأهميتها في التنمية البشرية في البلاد.

وقال في هذا الشأن، "مشاريع السكن لن تتوقف..لأن مقاصد هذه السياسة تتجاوز بكثير مجرد بناء سكنات، فنحن لا نرضى لجزائر اليوم أن يعيش في البلاد طبقتان، واحدة تسكن سكنات هشا وأخرى سكنات لائقة، هذا يولد صراعا اجتماعيا".

وأكد الرئيس تبون أن الدولة ستواصل بناء السكنات التي "خصصنا لها الأراضي ووزارة السكن ستعيد بعث كل هذه المشاريع"، مشددا على أن تكلفة هذه المشاريع "لن تكون كبيرة كما يتوقعه البعض".

التفكير في مرحلة ما بعد الجائحة والتزام بتعويض المتضريرن منها

واعترف الرئيس تبون بأن وباء كورونا، قيد مساعيه نوعا ما، في تطبيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تعهد بها، غير أنه أكد بأن هذه الورشات ما زالت قائمة وبأن هذه الأزمة الصحية تشكل فرصة لتعميق التفكير حولها، لافتا في هذا الشأن، إلى قيام الحكومة بإنشاء لجان تفكير لما بعد مرحلة الوباء، تعمل على عدة محاور من بينها إعادة هيكلة الاقتصاد، ودعم الإنتاج الوطني وتشجيع الصيرفة الإسلامية، التي يمكن لها استقطاب أموال كبيرة.

وجدد رئيس الجمهورية التزامه بالتكفل الصناعيين والتجار الذين سجلوا خسائر جراء إجراءات الحجر الصحي، موضحا بأن "الحكومة تعكف على دراسة سياسة محكمة لمساعدتهم"، بحيث تقوم بإحصاء المتضررين الفعليين، لاسيما من خلال تخفيف الضرائب. وبالموازة مع ذلك، سيتم التكفل أيضا بالحرفيين والمهن الحرة وأصحاب المداخيل اليومية المتضررين من الجائحة.